الغضبة الإماراتيّة على نتنياهو
انضمّت كُل من مِصر وقطر بالإضافة إلى دولة الإمارات العربيّة المتحدة في رفضِ أحدثِ وقاحةٍ إسرائيليّة تتمثّل في دعوةِ الدّول الثّلاث لتشكيل منظومة مُشتركة لإدارة قطاع غزة تحت إدارة عسكريّة أمنيّة إسرائيليّة بعد القضاء على حركة “حماس” وحُكمها.
بنيامين نتنياهو يتعامل مع الدّول الثّلاث بفوقيّةِ “السيّد” الذي يَأمُر فيُطاع وكأنّها قطيعٌ من الغنم، لا قرار، ولا سيادة لها، وما عليها إلّا تنفيذ الأوامر دُونَ أيّ نقاش، وهذا ما نعتقد أنه يُفسّر بطريقةٍ أو بأُخرى، البيان الغاضب الذي أصدره الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجيّة دولة الإمارات العربيّة المتحدة يوم أمس.
الشيخ بن زايد استنكر في بيانه دعوة نتنياهو لبلاده، ودُونَ التّشاور معها، للمُشاركة في الإدارة المدنيّة المُقترحة لإدارة القطاع تحت قيادة دولة الاحتلال وجيشها، وقال بن زايد في لهجةٍ غير مسبوقة مُنذ توقيع اتّفاق التّطبيع بين البلدين “إنّ نتنياهو يفتقر إلى أيّ أهليّة قانونيّة لاتّخاذ مِثل هذه الخطوة، التي تُوفّر الغِطاء العربيّ للوجود الإسرائيليّ في قطاع غزة”.
هذا الرّفض الرسميّ العربيّ من قِبَل حُكومات الدّول الثّلاث خطوة جيّدة، ولكنّها غير كافية، فقد كُنّا نتوقّع، وبعد اجتِياح الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، والتغوّل في حرب الإبادة والتّطهير العِرقي، أنْ تُقدم جميع الدّول العربيّة المُطبّعة على قطع العلاقات مع دولة الاحتلال، وإغلاق سفاراتها فورًا أُسوَةً بدُولٍ غير عربيّة، وغير إسلاميّة مِثل جنوب إفريقيا وبوليفيا وتشيلي وفنزويلا وكولومبيا، ولكنّها لم تفعل ونقولها وفي الحلقِ مرارة العلقم.
نتنياهو لم يربح الحرب في غزة بعد سبعة أشهر من هُجوم قوّاته النازيّة على قِطاعها، ولم يُحقّق أيًّا من أهدافه وأبرزها تدمير حركة “حماس” وإنهاء حُكمها، واستِعادة أسراه المُحتَجزين في أحَدِ أنفاقها السِّريّة، ولهذا يفتقر فِعلًا إلى أيّ أهليّة قانونيّة أو أخلاقيّة لتوجيه أوامِره إلى دُولٍ عربيّة لتوفير الغِطاء بفشله وهزيمته، ومن ثمّ توريطها في مِصيَدة القِطاع التي لا ترحم.
اللّافت أنّه في الوقت الذي تَعِي فيه هذه الدّول خُطورة هذه المِصيَدة، وتنأى بالنّفس عن الوقوع في براثنها لخُطورة النّتائج، تلتزم سُلطة رام الله للأسَف بتنفيذ تعليمات “المُعلّم” الإسرائيلي، ويقوم اللواء ماجد فرج قائد قوّاتها بالتّمهيد لإرسال أكثر من 5 آلاف جندي يجري تدريبهم حاليًّا في الأردن ومِصر، حسب تسريبات غربيّة، للإشراف على الأمن كبديلٍ لحماس في القطاع كواجهة إسرائيليّة، على غِرارِ دور قوّات السّلطة في التّعاون مع نظيراتها الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة، والغريب، أنّ اللواء فرج، قائد ما يُسمّى بجهاز مُخابرات السّلطة لا يعلم أنّ قوّات أمن حماس استعادَت السّيطرة على مُعظم مناطق القطاع، وآخِرها مدينة خانيونس وقُراها المُجاورة بعد هُروب قوّات الاحتلال منها.
دولة الاحتلال لم تُسيطر، ولن تُسيطر، على القطاع حتى تضع الخطط لإدارته وستَخرُج منه مهزومةً تَجُرّ أذيال الخِزي والعار، وستستمر قوّات المُقاومة في مُطاردتها بعد هُروبها من مُستوطنات غِلاف غزة جنوبًا، وفي الجليل شِمالًا (عبر قوّات حزب الله)، وفي كُل البُحور والمُحيطات مثلما تفعل حاليًّا القوّات البحريّة اليمنيّة، والأيّام والأسابيع المُقبلة حافلة بالمُفاجآت على مُعظم الجبَهات.
الهُجوم الأحدث الذي شنّته قوّات الجيش الإسرائيلي على رفح بزعم القضاء على 4 ألوية تابعة لحركة “حماس” مثلما يتوعّد نتنياهو ويُهَدِّد، لن يكون أفضل حالًا، من توغّلاتٍ مُماثلة في خان يونس والمُعسكرات الوُسطى، وجباليا ومدينة غزة وأحيائها، وخاصَّةً الزيتون والشّجاعيّة، لأنّ المُقاومة في حالةٍ من الجُهوزيّة العالية جدًّا للتّصدّي لهذا الهُجوم، مثلما ذكر أحد القادة الميدانيين للمُقاومة في المدينة ووصلنا عبر مصدر موثوق في قيادة حماس السياسيّة الخارجيّة.
نقول، ونحنُ أحد أبناء مُخيّم رفح، أنّ نتنياهو لا يعرف هذه المدينة وتاريخها، ومدى صلابة أُسودها وشجاعتهم، وليته يقرأ مُذكّرات أُستاذه ومُعلّمه إرييل شارون حول تجربته في هذه المدينة بعد احتِلالها عام 1967، وتولّيه منصب الحاكم العسكري للقطاع، وكيف كانت السّيطرة عليها في المساء لقوّات المُقاومة، (من حركة فتح في حينها)، الذين كان تسليحهم بدائيًّا بالمُقارنة مع زُملائهم اليوم الذين يملكون الصّواريخ وقذائف الياسين، وشبكة من الأنفاق يزيد طُولها عن 500 كيلومتر، ويصل بعضها إلى عُمُق سيناء، وخلف الحُدود الفِلسطينيّة الجنوبيّة.
أحد الأصدقاء القُدامى في مدينة رفح أبلغني في مُكالمةٍ هاتفيّةٍ قصيرة لوجود نادر للإنترنت أنّه تلقّى مُكالمة على هاتفه النقّال من أحد الأُسَر تُطالبه وأُسرته ومئة من النّازحين الذين يستقبلهم بإخلاء منزله شرق المدينة، وكذلك مِئات المنازل في المِنطقة في غُضون 12 ساعة وإلّا سيتم تدميره فوق رؤوسهم، وتمّ التّدمير ولكن بعد إخلائه في حالة نزوح ثالثة، وربّما رابعة، لبعض ضُيوفه، ولكنّه، أي الصّديق، أكّد أنّ المعنويات عالية جدًّا، وأنّ الإيمان بالنّصر في ذروةِ قمّته.
لن نتحدّث عن خُذلان الأنظمة العربيّة، وتواطُؤ مُعظمها مع الاحتلال، إمّا بشكلٍ مُباشر، أو غير مُباشر، ولكنّنا سنتحدّث عن إنجازات المُقاومة في الشّمال حيث جرى اليوم تدمير دبّابتين، وموقع للجُنود الإسرائيليين، وجرى قتل أعداد كبيرة نقلتهم طائرات مروحيّة إلى المُستشفيات، وطالما بقي الكابوس الإسرائيلي المُسَمّى يحيى السنوار ومُساعدوه، وكتائب القسّام، وسرايا القدس، يقودون المعركة، فإنّ نهاية دولة الاحتلال باتت وشيكة، وأقرب ممّا يتوقّعه الكثيرون.
بالأمس قالوا إن السنوار في مقرّ قيادته تحت مُستشفى الشّفاء في غزة، ثم قالوا إنّه في غزة، ثمّ قالوا إنّه في خان يونس مسقط رأسه، وبعد فشلهم وانكِشافِ كذبهم وهزائمهم في الحالين، أكّدوا أنّه في أحد أنفاق مدينة رفح لتبرير الهُجوم عليها ولن يجنوا إلّا خيبة الأمل والمزيدِ من الهزائم.. والأيّام بيننا.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة