قراءة للرد الإيراني وأدواته... كيف ستكون النتائج؟
المُحلّلون العسكريّون في محطّات التّلفزة والصّحف الإسرائيليّة، ومُعظمهم جنرالات خدموا في الجيش، يُجمعون على أنّ الرّد الإسرائيلي على الهُجوم الصّاروخي الإيراني المُوجع (200 صاروخ باليستي مُعظمها فرط صوت) باتَ حتميًّا، وسيكون كبيرًا جدًّا، وبالتّنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكيّة والشّركاء “العرب” في المِنطقة.
التّفسير الأكثر منطقيّة لعبارة “رد إسرائيلي كبير” يعني قيام طائرات الشّبح (إف 35) بقصف المُنشآت النوويّة، ومحطّات الطّاقة وآبار النفط والغاز الإيرانيّة، إلى جانب البُنى التحتيّة مِثل المطارات والموانئ، ومحطّات الماء والكهرباء.
بنيامين نتنياهو يُخطّط مُنذ عشرين عامًا على الأقل لضرب المُنشآت النوويّة الإيرانيّة، ولعب دورًا كبيرًا في إلغاء دونالد ترامب للاتّفاق النووي الأمريكي، وشاهدناه أكثر من مرّةٍ يعتلي منبر الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة حاملًا، ومُلوّحًا بخرائطه ووثائقه بطريقةٍ كرتونيّة لتحريض العالم ضدّ الخطر النووي الإيراني، مُطالبًا بدعم مُخطّطاته لضربها، فهل جاء هُجوم “الوعد الصّادق2” الصّاروخي المشروع يوم الثلاثاء الماضي الذي دمّر مُعظم القواعد الجويّة الإسرائيليّة خاصَّةً تلك المُخصّصة لطائرات الشّبح، هو الفُرصة أو الذّريعة المُلائمة للإقدام على هذه الخطوة، أي تدمير المُنشآت النوويّة الإيرانيّة؟
هُناك عدّة نقاط جوهريّة لا بد من التوقّف عندها قبل رسم ملامح هذا الرّد الإسرائيلي، وفُرص نجاحه أو فشله، والنّتائج المُتوقّعة التي قد تترتّب عليه، نُلخّصها كالتّالي:
أوّلًا: أي هُجوم إسرائيلي سواءً بالطّائرات الشّبح أو بالصّواريخ الباليستيّة، لا يُمكن أن يتم ليس بضًوءٍ أخضر امريكي فقط، وإنّما أيضًا بمُشاركة عمليّة أمريكيّة مُباشرة فيه، فهل جاء الإعلان عن وصول الجنرال الأمريكي مايكل كورلا قائد القيادة المركزيّة إلى تل ابيب تأكيدًا على هذه الحقيقة وبهدف وضع اللّمسات الأخيرة على هذا الهُجوم؟
ثانيًا: إيران قارّة ومُعظم المُنشآت النوويّة الرئيسيّة فيها مبنيّةٌ في قُعر الجبال، ومُحصّنة جيّدًا، بحيث لا تصل، أو لا تُؤثّر فيها القنابل الأمريكيّة العملاقة بوزن 2000 رطل التي جرى تزويد إسرائيل بها في الأشهر الأخيرة، وربّما لهذه المهمّة، بالتّوازي مع قصف مقر اجتماع الشّهيد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبيّة، واستشهاده وبعض قادته العسكريين البارزين، وهذا يعني احتمال أن لا يُحقّق الهُجوم الإسرائيلي النّجاح المأمول في ذهنِ أصحابه.
ثالثًا: ربما لا تملك إيران الدّفاعات الجويّة اللّازمة والمُؤهّلة لإسقاط طائرات “الشّبح” الإسرائيليّة التي من المُرجّح أن تكون رأس حربة الهُجوم عليها، والمُزوّدة بخزّانات وقود إضافيّة تُؤهّلها لقطع المسافة (2,100 كم) دون الحاجة للتوقّف أو للتزوّد بالوقود في الجو، اللهمّ إلّا إذا حصلت إيران على صواريخ “إس 400” أو “إس 500” الروسيّة المُتطوّرة جدًّا، وهذا غير مُستبعد في ظلّ التعاون العسكري الروسي الإيراني المُتصاعد، ولكنّ إيران تمتلك ما هو أخطر في رأينا، أي احتمال الرّد بقصف وتدمير القواعد الجويّة الإسرائيليّة ومطاراتها بعد دقائق من انطلاق الهُجوم العُدواني، وبصواريخِ “فتّاح” الفرط صوتيّة وغيرها، بحيث لن تجد الطّائرات المُغيرة أي مطارات إسرائيليّة تهبط فيها بعد إنجازها الهُجوم المُفترض، إلّا إذا فتح لها بعض العرب مطاراتهم العسكريّة.
رابعًا: لُوحظ أنّ عبارة “تعاون الدّول الشّريكة في المِنطقة مع الضّربة الإسرائيليّة” تردّدت أكثر من مرّة على لسان المسؤولين والمُعلّقين الإسرائيليين في الأيّام القليلة الماضية، ومن المُؤكّد أنّ المقصود بهذه دول عربيّة من المُرجّح أن تمر الطّائرات المُتوجّهة لضرب إيران عبر أجوائها مِثل الأردن والمملكة العربيّة السعوديّة، علاوةً على أُخرى مِثل الإمارات والبحرين وقطر التي تتواجد على أرضها قواعد جويّة أمريكيّة، فهل ستهب هذه الدّول أو بعضها لتقديم تسهيلات للعُدوان الإسرائيلي على إيران؟
خامسًا: ضرب الطّائرات الإسرائيليّة للمُنشآت النفطيّة والغازيّة الإيرانية إذا تحقّق سيُؤدّي إلى أزمة طاقة عالميّة وفي بداية موسم الشّتاء القارص في أوروبا، الأمر الذي سيُؤدّي إلى حُدوثِ نقصٍ في الإمداد، ووصول الأسعار إلى أرقامٍ فلكيّة، والأهم من ذلك اللّجوء إلى “العدو” الروسي ومصادر طاقته، أي نفطه وغازه كخِيارٍ وحيد، الأمر الذي سيُؤدّي إلى تدفّق عشرات، وربّما مِئات المِليارات إلى الخزينة الروسيّة وبِما يُسهّل تمويلها للحرب الأوكرانية بأريحيّةٍ ويُسر.
سادسًا: إذا تأكّدت مُشاركة أمريكا في هذا العُدوان، وهو الآن شِبه مُؤكّد نظريًّا، فهذا يعني احتمال قصف إيران لجميع القواعد الأمريكيّة في العِراق والأردن وشرق سورية ومِنطقة الخليج وتركيا، حيثُ يتواجد فيها مُجتمعة أكثر من 40 ألف جندي أمريكي قد لا يعودون إلى بلادهم، أو مُعظمهم، إلّا في توابيتٍ وأكفان.
نفترض أنّ إيران لن تقف مكتوفة الايدي، ولن تستقبل العُدوان الإسرائيلي المُتوقّع بالورود والرّياحين، ولعلّ هُجوميّ “الوعد الصّادق” بنُسختيه، كانَ إنذارًا ورسالتيّ تحذير، ولعلّ تصريحات نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني العميد عبد الرحيم الموسوي، ورئيس الحرس الثوري حسين سلامي، علاوةً على ما ورد في خطبة الجمعة التي ألقاها السيّد علي خامنئي المرشد الأعلى في تأبين شهيد فِلسطين والمُقاومة السيّد حسن نصر الله، كلّها تُؤكّد على ردٍّ إيرانيٍّ مُباشرٍ مُزلزلٍ وفي العُمُق على أيّ ردٍّ إسرائيليٍّ انتقاميٍّ، وبِما يُفيد التّذكير مجددًا بما قاله كمال حرازي مُستشار المرشد الأعلى للشّؤون النوويّة، بأنّ إيران ستُجري تجربة تفجير نووي في اليوم التالي لأي عُدوان إسرائيلي عليها، سواءً كانَ نوويًّا، أو بالأسلحة التقليديّة، هذا إذا لم تكن إيران تمتلك فعلًا رؤوسًا نوويّةً وهي التي تتوفّر لديها كُل ما تحتاجه في هذا المِضمار، من يورانيوم عالي التّخصيب، والعُقول الجبّارة، والصّواريخ اللّازمة لحملها، علاوةً على المُفجّرات لرؤوسها.
إسرائيل تُواجه هزائم وجوديّة في مُعظم الجبهات، إن لم يكن كلّها، في اليمن وغزة والضفّة وأخيرًا في جنوب لبنان، حيث أجهضت المُقاومة الإسلاميّة كُل مُحاولات جيشها لاقتحام الأراضي اللبنانيّة بريًّا، والاكتفاء بالهجمات الجويّة الاستعراضيّة، وقتل المدنيين الأبرياء الذي تُجيده.
الهُجوم الإسرائيلي على إيران إذا وقع سيفتح أبواب جهنّم على دولة الاحتلال، فأمريكا لن تستطيع منع الصّواريخ الإيرانيّة واللبنانيّة واليمنيّة وأخيرًا العِراقيّة من قصف المدنيين الإسرائيليين وبُناهم التحتيّة من ماء وكهرباء وموانئ ومطارات ومنصّات غاز في المتوسّط، ولعلّ الطّائرة المُسيّرة العِراقيّة التي قصفت قاعدة جويّة في الجُولان المُحتل أمس وأدّت إلى قتلِ جنديين وإصابة 24 آخرين هي “بروفة” لِما يُمكن أن يحدث في الأيّام القليلة المُقبلة من هجماتٍ من كُلّ، وفي كُلّ السّاحات.
نتنياهو يُريد جرّ أمريكا إلى حربٍ عالميّةٍ ثالثة، ويبدو أنه وجد في جو بايدن وضعفه واستِسلامه للوبي الصّهيوني، فرصة ذهبيّة تُحقّق له ما يُريد وهنيئًا للاثنين، ومثلما كان من أبرز نتائج الحرب العالميّة الثانية تدمير ألمانيا النازيّة، ومثلما كانت حرب السويس بداية النّهاية للامبراطوريّتين البريطانيّة والفرنسيّة، لا نستبعد أنْ يتكرّر السّيناريو نفسه، أو ما هو قريبٌ منه، في الحرب الزّاحفة، أي دمار أمريكا والغرب معها، أو إضعافهما، وإنهاء هيمنتهما على العالم.. فنتنياهو قد يلعب الآن دور هتلر.. والنّتائج مكتوبةٌ على الحائط.. واللُه أعلم.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة