النتيجة العكسية!
أعظم هدية قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يتباهى دائما بصهيونيته، ودعمه المطلق لدولة الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة العربية هي إستفزازه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وجره الى مصيدة الحرب الأوكرانية لاستنزافه عسكريا واقتصاديا، والحد من التقارب الصيني الروسي تطبيقا لوصية “معلمه” هنري كيسنجر فجاءت النتائج عكسية تماما،
فروسيا ما زالت صامدة، واقتصادها ما زال متماسكا، وعلاقاتها الاستراتيجية مع الصين تزداد تلاحما، وبما يعّجل بصعود نظام عالمي جديد على أنقاض النظام الغربي الأمريكي المتآكل.
***
نشرح أكثر ونقول ان بايدن “المسكون” بعدائه للعرب والمسلمين، وهوسه اللامحدود بإنقاذ “إسرائيل” من نفسها، وحقنها ببعض أسباب الحياة في محاولة يائسة لإطالة عمرها، ومنع إنهيارها، من خلال إضعاف المراكز العربية الرئيسية الثلاثة، العراق وسورية ومصر، وتقديمه (بايدن) أكبر خدمة لها وللمنطقة بنقل الحروب المتناسلة في منطقة الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انطلاقا ما يقرب من الثمانين عاما الى قلب أوروبا من أوكرانيا، وفشله الكلي في احتواء ايران، وتحويلها الى قوة إقليمية عظمى تملك صناعة عسكرية متطورة جدا، واذرع عسكرية ضاربة في معظم دول المنطقة تشكل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال، وتحاصرها بالصواريخ الباليستية الدقيقة والمسيّرات من معظم الجهات، وبما يلغي بشكل عملي، تفوقها العسكري (أي إسرائيل) الذي جعلها “دولة” مهابة، قادرة على حسم حروبها مع الجيوش الرسمية العربية في ساعات معدودة.
الآن، يرتكب الرئيس بايدن خطأ استراتيجيا لا يقل خطورة عن الخطأ الاوكراني، بإشهاره مشروع طريقه التطبيعي الجديد، الذي أراده ان يقوم على أنقاض طريق الحرير الصيني، بربط الهند، إسرائيل الآسيوية الجديدة، بالقارة الأوروبية، عبر دول خليجية ومرورا بدولة الاحتلال وميناء حيفا، في إطار خطة تطبيعية تمنحها شرعية إقليمية تسهل دمجها في المنطقة، لما يطيل بعمرها بضعة سنوات، والقاء عبئها الثقيل على عاتق دول مجلس التعاون الخليجي الثرية، بقيادة المملكة العربية السعودية.
استبعاد الدول الرئيسية الثلاث من مشروع “طريق بايدن” أي مصر وسورية والعراق، الى جانب ايران وتركيا، ولمصلحة “اسرائيل”، ربما يؤدي الى إيقاظها من سباتها العميق، والتقارب فيما بينها واستعادة دورها الإقليمي والعالمي، واندماجها في منظومة إقليمية معادية لواشنطن وحليفها الإسرائيلي، ومتحالفة مع المحور الصيني الروسي، في المستقبل المنظور.
فاذا كانت اتفاقات “كامب ديفيد” التي رعاها الرئيس “الديمقراطي” جيمي كارتر نجحت في تفتيت المنطقة، وإنهاء القيادة المصرية لها، ومنح إسرائيل جرعة قوية من السلام والامن والاستقرار والشرعية المؤقتة، واذا كانت حرب احتلال العراق أخرجته من معادلات القوة الإقليمية، وجمدت نموه العسكري والاقتصادي الواعد، والشيء نفسه ينطبق أيضا على الحرب الأخرى المتجمدة لتفتيت سورية، ووضعها تحت حصار فاشي خانق، فإن مشروع طريق بايدن الجديد هذا قد يتحول الى طوق النجاة، وتحقيق الصحوة المأمولة المنتظرة للتقارب والاتحاد مجددا، ضد هذا المشروع والعمل على إجهاض أهدافه الخبيثة.
هناك ثلاثة مؤشرات رئيسية تدعم هذه النظرية، وتنبئ بالتغييرات المتوقعة في المنطقة في المرحلة القادمة:
الأول: زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة للصين، والاستقبال الحافل الذي حظي به من قبل قيادتها، والتوقيت الذكي لها، واتفاقات التعاون التي جرى توقيعها على هامشها في المجالات الاقتصادية والعسكرية، وبما يسهل مرور طريق الحرير الصيني عبر أراضيها.
الثاني: التقارب المصري الإيراني الذي تمثل في اللقاء بين وزيري خارجية البلدين، أي مصر وايران، على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وهو تقارب مرشح للتعزيز، وخاصة من قبل الجانب المصري الذي جرى تهميشه من قبل إدارة بايدن، وادركت قيادته ان مشروع طريق بايدن يستهدف قناة السويس بالدرجة الأولى.
الثالث: هزيمة ملموسة للسلاح الغربي في الحرب الأوكرانية، وتعاظم التنسيق الروسي الصيني، ودخول أسلحة وذخائر جديدة متطورة من مصادر لم تكن متوقعة، مثل ايران (المسيّرات)، وكوريا الشمالية (الصواريخ والقنابل)، وربما قريبا تركيا التي تتدهور علاقاتها مع واشنطن بشكل متسارع في مقابل “ترسخ” الصداقة الشخصية بين بوتين ورجب طيب اردوغان.
صحيح ان هناك هجوما أمريكيا إسرائيليا مضادا ينعكس في محاولة العودة بقوة لاستخدام سلاح الأقليات العرقية، وإحياء العنف الطائفي العرقي لتفتيت سورية، وفصل جنوبها عن شمالها، وشرقها عن غربها، وزيادة الضغوط على “حزب الله” في لبنان من خلال “إحياء” حروب المخيمات الفلسطينية (مخيم عين الحلوة)، و”نحت” دور اردني متجدد للتورط في المخطط الجديد (السويداء ودرعا)، تحت عنوان “مضلل” وهو محاربة تهريب السلاح والمخدرات، ولكن فرص نجاح هذا الهجوم تظل محدودة، ان لم تكن شبه معدومة، ولن تكون أفضل من فرص نجاح الهجوم الاوكراني المضاد الذي تجمع آراء الخبراء على فشله، رغم المليارات وصفقات السلاح الامريكية الاوروبية
***
لا نتحدث هنا انطلاقا من أُمنيات، وانما إستنادا الى وقائع ملموسة على الأرض، وقراءة متعمقة للتطورات في المنطقة والعالم، فمن كان يتوقع هزيمة أمريكية، وانسحاب مهين من أفغانستان، ومن كان يتصور حدوث هذه النهاية “البائسة” لتدخل حلف “الناتو” في ليبيا؟ ومن كان يحلم بطرد فرنسا وإنهاء هيمنتها التي استمرت قرونا للقارة الافريقية، بعد الثورات او الانقلابات العسكرية الأربعة الأخيرة المتتابعة.
فعندما تعجز “إسرائيل” وجيشها الذي لا يهزم عن اقتلاع خيمة لمقاتلي “حزب الله” في مزارع شبعا خوفا من الصواريخ، وترتعش رعبا من مجرد عودة البالونات الملغمة الحارقة المنطلقة من قطاع غزة، وتفشل في كل تهديداتها المستمرة والمصحوبة بالصور والخرائط منذ عشرين عاما لتدمير البرنامج النووي الإيراني، لمنع تحول ايران الى دولة نووية، وتخصيب مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم بدرجات تفوق نسبة الـ 60 بالمئة،
متفائلون.. بل نغرق في التفاؤل.. نعم.. ولكنه تفاؤل مبني على الحقائق على الأرض، ونتيجة إيمان وثقة بهذه الأمة وعقيدتها،.. وإرادة شعوبها، وجيناتها الإمبراطورية، وإرثها الحضاري العميق، وهذا لا يُعيبنا بل يُعيب من يرون غير ذلك.. والأيام بيننا.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.