من سيكون القُربان الأكبر القادم؟
صديقٌ مِصريّ خفيف الظّل (كعادة مُعظم الأشقّاء المِصريين) كان “يمزح” ويُرَدِّد دائمًا بأنّ الله جل وعلا عندما شاء أن تُقام دولة “إسرائيل” على أرض فِلسطين، وليس في أوغندا أو كندا مثلما كان مُقتَرحًا، وأن يكون العدوّ الأوّل للصّهاينة هو الشّعب الفِلسطيني، لأنّه يعرف بأسَهُم الشّديد، وقُدراتهم الجبّارة على المُقاومة، ولو اختار شعبًا آخر لهذه المُهمّة، لعاشَ الإسرائيليّون بأمْنٍ واستِقرارٍ ونعيم ودُونَ أيّ حُروب.
تذكّرت مقولة هذا الصّديق هذه الأيّام وأنا والملايين غيري، نُتابع ملحمة المُواجهات الشّرسة بين أهل الرباط وقوّات الاحتِلال الإسرائيلي في باحات المسجد الأقصى وأكنافه، وقبلها العمليّات الفدائيّة الأربع التي ضربت أهدافًا إسرائيليّة في أربعِ مُدُنٍ في فِلسطين المُحتلّة عام 1948، وأسفرت عن مقتل 14 إسرائيليًّا، وإصابة العشَرات بالإضافة إلى استِشهاد مُنفّذيها الخمسة.
هبّة الأقصى التي ما زالت مُستَمرّةً حتى اليوم، فضحت أحداثها القمع الإسرائيلي أمام العالم أجمع، أفشلت مُخطّطات المُتطرّفين اليهود المَحميّين بالجيش طُقوس ذبح القرابين في باحات المسجد الأقصى، بمُوازاةِ تهديدات من فصائل المُقاومة في قِطاع غزّة بالرّد بإطلاق مِئات، وربّما آلاف الصّواريخ على تل أبيب والقدس المُحتلّة في حال المُضي قُدُمًا في هذه الطّقوس الاستفزازيّة، ولولا الوساطة المِصريّة التي جاءت بناءً على استِجداءات الحُكومة الإسرائيليّة لكانَ المشهد مُختلفًا، وجاء الصّاروخ الذي انطلق من غزّة أمس الاثنين رسالة إنذار تُؤكّد جديّة تهديدات رجال المُقاومة وفي جميع الأحوال ما زالَ الجمْر تحت الرّماد، والأيّام العشرة الأخيرة من شهر رمضان الكريم ما زالت على الأبواب، وجميع الاحتِمالات واردة في ظِل تضخّم حالة الاحتِقان، وبُلوغ رغبات الثّأر والانتِقام والشّهادة ذروتها.
***
تطوّران لافِتان أثارا حالةً من الرّعب في أوساط القِيادة والمُستوطنين الإسرائيليين تمّ رصدهما خلال اليومين الماضيين، ويُمكن أن يَرسُما ملامح الصّورة في المرحلة المُقبلة:
الأوّل: إعلان كتائب عز الدين القسّام الجناح العسكري لحركة “حماس” عن إطلاق صاروخين أرض جو من نوع “ستريلا” الروسيّة على طائرات حربيّة أغارت على قِطاع غزّة فجر اليوم الثلاثاء ردًّا على صاروخ استَهدف مُستوطنة كيسوفيم في مِنطقة غِلاف غزّة، وللمرّة الأولى مُنذ بَدء الصّراع العربي الإسرائيلي، يَدخُل هذا الصّاروخ مَيدان المعركة.
الثاني: رصد طائرة مُسيّرة شاركت في العرض العسكري الذي أقامته الحُكومة الإيرانيّة بمُناسبة عيد الجيش من نوع “كمان 2” يُمكن أن تطير إلى مسافةِ 3000 كم، ويَصعُب رصدها وتُصيب أهدافها بدقّةٍ، وربّما لهذا السّبب حذّر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بضرب العُمُق الإسرائيلي بقُوّةٍ، ودُونَ رحمة، في حالِ شنّ أيّ عُدوان على إيران.
صواريخ “كورنيت” المُضادّة للدبّابات السوريّة الصُّنع، والروسيّة الصُّنع، حطّمت أُسطورة دبّابة “الميركافا” فخر الصّناعة الإسرائيليّة، ومنعت أيّ اقتِحام لقِطاع غزّة طِوال السّنوات العشر الماضية وأكثر، ويبدو أن صواريخ “ستريلا” الروسيّة الصُّنع، الإيرانيّة التّطوير، ستمنع الطّائرات الإسرائيليّة من شنّ غاراتٍ على قِطاع غزّة في المُستقبل المنظور، فهذه الصّواريخ المحمولة على الكتف، تتفوّق على صواريخ ستينغر الأمريكيّة المُماثلة، وكانَ لها دورٌ بارز في انتِصار المُجاهدين الأفغان في الحرب الأفغانيّة وبَدعمٍ أمريكيّ.
***
الطّائرة المُسيّرة الإيرانيّة من طِراز “كمان 2” تُشَكِّل قلقًا للمُؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة لأنها يُمكن أن تصل إلى العُمُق الإسرائيلي بسُهولةٍ أو لأن إيران تملك المِئات منها، إن لم يكن أكثر، وإنما لأنّ تكنولوجيا هذه الطّائرات يُمكن أن تصل إلى فصائل المُقاومة في غزّة وجنوب لبنان وصنعاء وبغداد جنبًا إلى جنبٍ مع تكنولوجيا الصّواريخ الباليستيّة والمُجنّحة التي أثبتت كفاءتها في حرب اليمن وأفشلت القبب الحديديّة، ودمّرت أُسطورتها في قِطاع غزّة وجنوب لبنان.
المُرابطون في القدس تصدّوا لإرهاب المُستوطنين ودمّروا طُقوس غطرستهم وقرابينهم، وسيأتي يوم تُحوّل فيه المُقاومة في غزّة وجنوب لبنان وصنعاء والعِراق دولة الاحتِلال الإسرائيلي نفسها إلى قُربان يوم الحسم، وهو يقترب بإذن الله بسُرعةٍ مُتناهية، في ظِل استِمرار الغطرسة، والمجازر، وعمليّات الإذلال الإسرائيليّة للشّعب الفِلسطيني والأُمّتين العربيّة والإسلاميّة.. والأيّام بيننا
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.