الاستهداف الذي يتجاوز كُل الخُطوط الحمراء!
قصف طائرات دولة الاحتِلال الإسرائيلي مطار دمشق الدولي بصواريخٍ أدّت إلى تدمير مُدرّجيّ هُبوط الطائرات وصُعودها، وقاعات سفر المُواطنين المدنيين، وإخراجه من الخدمة لعدّة أيّام وربّما أسابيع قادمة، استفزازٌ مقصود، يُحَفِّز على الرّد ويُحَتِّمه.
كان لافتًا أن هذا الاستهداف الذي يتجاوز كُل الخُطوط الحمراء، ويكسر كُل قواعد الاشتباك، قديمها وحديثها، جاء فور انتهاء مُناورات عسكريّة إسرائيليّة بكُل أنواع الأسلحة استمرّت لأكثر من شهر في شرق البحر المتوسّط، تُحاكي شنّ عُدوانٍ على إيران وسورية وجنوب لبنان، وحتى اليمن والعِراق.
الغارات الصّاروخيّة الإسرائيليّة لم تتوقّف طِوال السّنوات الخمس الماضية وفاق عددها الـ300 غارة، بدأت بذريعة قصف قوافل صواريخ إيرانيّة مُرسلة إلى “حزب الله”، وتطورت الى قصف أهداف عسكرية سورية وايرانية في عدّة مُدُن سوريّة، ولكنّها المرّة الأولى التي يتم فيها استهداف مطار دِمشق الدولي المدني مثلما حدث فجر الجمعة، وبعد يومٍ واحد من خِطاب السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” الذي توعّد فيه بقصف سفينة تنقيب يونانيّة عن الغاز في منطقة “كوريش” المُتنازع عليها، ممّا يعني أن دولة الاحتِلال تستخفّ بهذه التّهديدات وتتحدّى محور المُقاومة بأذرعه كافّة تطبيقًا لنظريّة “من أمِنَ العُقوبة تمادى في الإجرام”.
***
السيّد نصر الله قال في خطابه الذي ألقاهُ بمُناسبة يوم القدس العالمي في آخِر جُمعة من شهر رمضان المُبارك، إن محور المُقاومة سيرد على أيّ عُدوانٍ إسرائيليّ في العُمُق السوري، وإن مقولة الرّد على العدوّ في المكان والزّمان المُناسبين سقطت إلى غيرِ رجعةٍ، ولهذا فإنّ السُّؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو: هل سيرد هذا المحور على الغارة الصاروخيّة على العُنوان الأبرز والأكثر أهميّة لهيبة الدولة السوريّة، أمنيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، أيّ مطار دمشق الدولي حِفاظًا على مِصداقيّته وهيبته وكرامته؟
من يملك الإجابة على هذا السُّؤال هو القيادة السوريّة، والرئيس السوري بشار الأسد شخصيًّا، فقد بات واضحًا أن الرّد على هذا العُدوان الإسرائيلي السّافر، وغير المسبوق، قد يُؤدّي إلى حربٍ إقليميّة، أمّا الصّمت ومُحاولة ابتلاع الصّدمة، وعدم الوقوع في مِصيدة الاستفزازات الإسرائيليّة، فقد يُؤدّي إلى التّمادي في هذا التّصعيد، ولن نستغرب أن تستهدف الغارات الإسرائيليّة القادمة جميع المطارات المدنيّة، والبُنى التحتيّة السوريّة الأخرى مِثل محطّات المِياه والكهرباء، وربّما القصر الجُمهوري نفسه.
سورية لا تخاف الحرب، وخاضت أكثر من أربع منها في السّنوات الأربعين الماضية، علاوةً على حربٍ داخليّة استنزافيّة استمرّت، وما زالت، لأكثر من 11 عامًا، تقف خلفها الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي، وحُلفاؤهم العرب، أنفقوا مِئات المِليارات من الدّولارات لتدميرها وتفتيتها وإسقاط نظامها، ولكنّها لم تسقط ولم تستسلم، ولا نعتقد أنها يُمكن أن تخشى حربًا جديدةً، خاصَّةً بعد أن أصبحت تملك جيشًا صلبًا يستعصي على الهزيمة، ويملك خبرةً عسكريّةً ميدانيّةً عاليةً جدًّا، والأهم من كُل ذلك انتماؤها إلى محور مُقاومة يملك أذرعًا مُتَعَدِّدَة، وترسانة هائلة من الصّواريخ والغوّاصات والطّائرات المُسيّرة.
احتمالات الرّد على هذا العُدوان الإسرائيلي السّافر أكبر بكثير في رأينا من احتمالات الصّمت وعدم الرّد، حتى لو أدّى هذا الرّد إلى حربٍ شاملة، ولكنّه لا يُمكن ولا يجب أن يأتي عشوائيًّا ويتطلّب التّنسيق والتّشاور مع جميع أذرع محور المُقاومة، ووضع خطّة ردع تتوزّع فيها الأدوار وتتكامل، والأمْر قد يحتاج بعض الصّبر وعدم التهوّر حتى تأتي النتائج إيجابيّة ومُشَرِّفة.
صمت الحليف الروسي على هذه التّجاوزات الإسرائيليّة طِوال السّنوات الماضية، وعدم إعطاء الضُّوء الأخضر للجيش السوري للرّد على هذه الاعتِداءات وتجهيزه بالقُدرات الدفاعيّة اللّازمة مِثل منظومات صواريخ “إس 400” المُتطوّرة، يتحمّل المسؤوليّة الأكبر عن الوصول إلى هذا الوضع المُؤسِف المُهين والمُحرج للقيادة السوريّة، بل وللحليف الروسي نفسه.
إجراء القوّات السوريّة مُناورات عسكريّة فوريّة اليوم بأمْرٍ من رئيس الجمهوريّة، وتحت إشراف العماد علي محمود عبّاس وزير الدّفاع، ونائب القائد العام للقوّات المسلّحة، بحُضور نائب رئيس القوات الروسيّة المُتواجدة في سورية، ربّما يأتي مُؤشِّرًا على أنّ الرّد على هذا العُدوان الإسرائيلي بات وشيكًا وفي أيّ لحظة.
محور المُقاومة يجب أن لا يتردّد في رأينا في الرّد على هذه الإهانة وبأسرعِ وقتٍ مُمكن، وأن يكون هذا الرّد على قدر العُدوان وفي العُمُق الفِلسطيني المُحتل، ومن مُنطَلقٍ حقّ الدّفاع عن النفس المشروع، فالمطار مُقابل المطار، والميناء مُقابل الميناء، والبُنى التحتيّة مُقابل مثيلاتها.
نعرف جيّدًا أن الحرب مُكلفة، ولكن تكلفتها على العدوّ الإسرائيلي ستكون أكبر بكثير هذه المرّة، لأنّ خسائره ستكون “وجوديّة” مثلما قال السيّد حسن نصر الله في خِطابه الأخير.
***
سورية لم تختر الحرب، ولم تُبادر العُدوان وتحلّت بأعلى درجات ضبط النفس، ولكن بعد أن وصلت السكّين إلى العظم، وبات ضبْط النفس يُعطي نتائج عكسيّة تمامًا، ويُطيل أمَد حِصار قاتل تجاوز حدّ الجُوع، ولهذا يجب وضع الخِلافات جانبًا وأن يقف جميع الشُّرفاء في خندقها، وهي التي لم تخذل أحدًا، وكانت دائمًا في مُقَدِّمة المُدافعين عن هذه الأمّة وقضاياها العادلة، وقدّمت الآلاف من الشّهداء، وخسرت أرضًا، ورفضت المُساومة والاستِسلام والتّطبيع ودفعت أثمانًا غاليةً جدًّا مُقابل القبْض على جمْر الثّوابت العربيّة والإسلاميّة.
وقفنا، وسنقف، في خندق سورية، في التصدّي لهذا العُدوان الإسرائيلي، والرّد عليه بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر، ولا يُخامرنا أدنى شك، أنها هي التي واجهت على مدى ثمانية آلاف عام من تاريخها الحضاري المُشَرِّف، الكثير من العُدوانات، ستخرج مُنتَصِرةً مِثل مُعظم المعارك والحُروب السّابقة، فليس لديها ما تخسره وقد يأتي الخيْر من باطِنِ الشَّر.. والأيّام بيننا.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.