نتنياهو ينقل حرب الإبادة إلى لبنان.. لماذا نتوقّع هزيمة قادمة أضخم له؟
بدأ الجيش الإسرائيلي اليوم الاثنين بشنّ حرب إبادة على لبنان، حيثُ شنّت الطّائرات والمُسيّرات التّابعة له أكثر من 350 غارة أدّت إلى سُقوط 274 شهيدًا وإصابة 1024 مدنيًّا بينهم عدد كبير من الأطفال حسب بيان وزارة الصحّة اللبنانيّة.
هذه الأرقام من الشّهداء والجرحى تأتي مُتطابقة مع نظيراتها في قطاع غزة في الأيّام الأولى للعُدوان بعد أيّامٍ من تنفيذ هُجوم “طُوفان الأقصى” الذي وقع وقوع الصّدمة، وفُقدان التّوازن، في أوساط القيادتين السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، ولم تفق منهما حتّى الآن.
نتنياهو المأزوم والمهزوم، ونتمسّك بهذا التّوصيف، يُريد حربًا شاملةً، على أمل القضاء على حركة المُقاومة الإسلاميّة في جنوب لبنان (حزب الله) وإعادة المُستوطنين النّازحين من الجليل هربًا من الصّواريخ اللبنانيّة الذين يزيد عددهم الحقيقي عن 200 ألف مُستوطن حتّى الآن، وقد يتضاعف الرّقم إذا توسّعت الحرب.
في أوّل تصريحٍ له أدلى به اليوم بعد تكثيف الغارات، وحرب الإبادة، قال نتنياهو “وعدت بأنّنا سنُغيّر التّوازن الأمني والعسكري، وتوازن القِوى في الشّمال، وهذا ما نفعله بالضّبط الآن”، واعترف “أنّ إسرائيل ستُواجه أيامًا صعبة، ودعا الإسرائيليين إلى الحِفاظ على وحدتهم مع استِمرار الحملة العسكريّة”.
لا نستبعد أن تكون هذه الغارات الإسرائيليّة المُكثّفة على عشرات القُرى والبلدات في جنوب وشرق لبنان، تُشكّل الحاضنة الشعبيّة للمُقاومة الإسلاميّة (حزب الله) مُقدّمة تمهيديّة للهُجوم البرّي بالدبّابات والمدرّعات، وبغطاءٍ جوّي بطائراتِ الشّبح و”إف 15″ و”إف 16″ على غِرار ما حدث في قطاع غزة بعد السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، والبدء بقصف بيروت ومطارها وضاحيتها الجنوبيّة على وجْهِ الخُصوص.
إبعاد قوّات “حزب الله” وكتائب الرضوان تحديدًا، عن الحُدود إلى ما بعد نهر اللّيطاني شمالًا لا يُمكن أن يتحقّق بالغارات أو الضّربات الجويّة أو الاثنين معًا، وإنّما بغزوٍ برّيٍّ “ناجح”، وهذا ليس سهلًا، وغير واقعي لأنّ قوّات “حزب الله” جاهزة للرّد، مُضافًا إلى ذلك أنّها لن تكون لوحدها، وستجد دعمًا من كُلّ السّاحات الأُخرى، سواءً في فِلسطين المُحتلّة، أو اليمن، أو العِراق، وربّما سورية وإيران.
قوّات “حزب الله” التي تعيش حاليًّا حالة استِعداد قُصوى، قصفت اليوم بعشرات الصّواريخ من طِراز “فادي 1″ و”فادي 2” مجمّعات صناعيّة عسكريّة إسرائيليّة شِمال حيفا لليوم الثّاني على التّوالي، مُضافًا إلى ذلك أطلقت 35 صاروخًا على مدينة صفد وأهداف في الجليل الأدنى بالصّواريخ نفسها، ممّا يؤكّد أنّ هذه الغارات الإسرائيليّة على عشرات القُرى اللبنانيّة لن تُرهبها، ولن تركعها، أو تفرض عليها الاستِسلام والرّضوخ للمطالب الإسرائيليّة بالانسِحاب إلى شِمال اللّيطاني، والابتِعاد عن الحُدود.
عندما تشن المُقاومة الإسلاميّة العِراقيّة ست عمليّات هُجوميّة بالصّواريخ على قواعد العدو في الجُولان المُحتل، فهذا تأكيدٌ مُتجدّد بأنّ كُل أذرع المُقاومة ستدخل إلى الميدان بقوّة وستُكثّف عمليّاتها العسكريّة نصرًا للمُقاومة في لبنان وقطاع غزة، وستكون المُفاجأة الكُبرى قادمة من اليمن العظيم، ليس بالمُسيّرات فقط، وإنّما بالصّواريخ الباليستيّة المُجنّحة فرط صوت، وما صاروخ الأُسبوع قبل الماضي الذي وصل إلى قلب تل أبيب، وفشلت كُل الدّفاعات الجويّة الإسرائيليّة والأمريكيّة في اعتِراضِه وإسقاطه، إلّا “لجسّ النّبض” والتّمهيد لصواريخٍ أُخرى برُؤوسٍ حربيّة يبلغ وزنها مِئات الكيلوغرامات.
المُقاومة الإسلاميّة في لبنان تختلف كثيرًا عن توأمها في قطاع غزة، من حيث الخبرة القتاليّة الضّخمة التي اكتسبتها سواءً من حرب التحرير اللبنانيّة عام 2000، أو حرب تمّوز عام 2006، أو حتّى الحرب السوريّة عام 2012 التي خاضتها إلى جانب الجيش العربي السوري في مُواجهة المُعارضة المُسلّحة والمدعومة أمريكيًّا، مُضافًا إلى ذلك قُدراتها العسكريّة الهائلة من المُسيّرات والصّواريخ (150 ألف صاروخ مُعظمها من النّوع الدّقيق والثّقيل). وخُطوط إمداد مفتوحة على مِصراعيها.
حاضنة المُقاومة اللبنانيّة قويّة ومُتماسكة، والوحدة الوطنيّة في ذروتها، ولم تُؤثّر فيها مُطلَقًا الشّائعات، وحمَلات التّضليل، وأبرزها الرّسائل النصيّة التي يُرسلها الجيش الإسرائيلي مُطالبًا بخُروج اللّبنانيين من منازلهم إلى أماكنٍ آمنة يُحدّدها في لبنان، وقُوبلت هذه الحملة بالصّلابة والصّمود والالتِفاف حول المُقاومة.
كان أحد المُعلّقين في الصّحافة الإسرائيليّة صادقًا عندما تنبّأ بأنّ تل أبيب ستُصبح مِثل مدينة سيدروت أكبر المُستوطنات في غِلاف قطاع غزة، من حيث هُطول الصّواريخ عليها كالمطر، مع فارق أساسي أنّ صواريخ حزب الله أقوى كثيرًا جدًّا وأكثر دقّة، وقُدرات تدميريّة بالمُقارنة مع نظيراتها لدى كتائب المُقاومة الإسلاميّة (القسّام وسرايا القدس والمُجاهدين) في قطاع غزة، ونعتقد أنّها تجاوزت مرحلة التّهجير، وباتت جاهزة للانطِلاق نحو أهدافها في المُدُن والقواعد العسكريّة، والبُنَى التحتيّة المركزيّة مِثل محطّات الكهرباء والماء والموانئ والمطارات.
لا يُضيرنا أن نُكرّر إحدى الفقرات الجوهريّة التي وردت في خطاب سماحة السيّد حسن نصر الله الخميس الماضي، وقال فيها “إنّ المُقاومة اللبنانيّة لن تتخلّى عن قطاع غزة، ولن تسمح بالفصل بين الجبهتين الشماليّة والجنوبيّة”، والأهم من ذلك، أنّها ستُرحّب بأيّ غزو برّي للجيش الإسرائيلي للأراضي اللبنانيّة، فهذه أُمنية ينتظرها الجميع لأنّ التصدّي سيكون مُزَلزِلًا.
نتنياهو الذي فشل في تنفيذِ أيٍّ من وعوده بهزيمة المُقاومة في القطاع وإنهاء حُكم حركة حماس، وإعادة الأسرى بالقوّة العسكريّة، تورّط مرّةً أُخرى بالتعهّد بإعادة النّازحين المُستوطنين اليهود إلى الجليل المُحتل، لأنّه ببساطةٍ سيفشل، والأخطر من ذلك سيغرق في مُستنقعٍ دمويٍّ في لبنان يتواضع أمامه نظيره في قِطاع غزة.. والأيّام بيننا.