قبل 3 اسابیع
عبد الباري عطوان
40 قراءة

لماذا ذهب بايدن “اليائِس” و”الجاهِل” إلى الجهةِ الخطأ؟

اتّصال الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد يوم أمس الأوّل بهدفِ الضّغط عليهما للقِيامِ بتهديدِ حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” وإجبارها على القُبول بهُدنةٍ “مُؤقّتة” لوقفِ الحرب وتبادل الأسرى، الذي لم ترد عليه الحركة حتّى الآن، ولمّحت إلى أنّه غير مقبول، يَكشِفُ جهلًا فظيعًا من قِبَل الرئيس الأمريكي بالرّجلين المذكورين أوّلًا، وبحركةِ حماس وطبيعة قيادتها الميدانيّة في قِطاع غزة التي أدارت الحرب بدهاءٍ غير مسبوق ثانيًا.
ad
***
نشرح أكثر بتوضيحٍ هاتين النُّقطتين بحُكمِ المُتابعة اللّصيقة للمُفاوضات المُستَمرّة في كُل من الدوحة والقاهرة، ودور الوُسطاء، وكيفيّة تعاطي حركة “حماس” مع الخطط المطروحة والمُنبثقة عن اجتِماعات ومُشاركة قادة المُخابرات الذين وضعوها في اجتماعِ باريس الرّباعي، و”دوّخت” وأفشلت كُل خطط التّذاكي لهُم:
أوّلًا: الرئيس بايدن بات من الصّعبِ عليه، والمُحيطين به، معرفة قيادة حماس صاحبة الكلمة الأخيرة في حرب القطاع، وخلفيّتها السياسيّة والعقائديّة برئاسة المُجاهد يحيى السنوار ومُساعديه الجِنرالين محمد الضيف ومروان عيسى، علاوةً على جِنرالات كتائب القسّام الميدانيّة، والخلط بين هؤلاء وبعض القادة العرب، وقيادات فِلسطينيّة سابقة لحركات مُقاومة ومنظّمة التّحرير.
ثانيًا: لا يملك الوسيطان المِصري والقطري أي أوراق ضغط على قيادة السنوار، فبالنّسبة لمِصر، فإنّها خسرت أهم أوراقها، أي معبر رفح، وفشلها، أو عدم قُدرتها أو رغبتها، على فتحه أمام المُساعدات الإنسانيّة طِوال الأشهر الستّة الماضية، واختِيارها “الحِياد” مع إسرائيل، أمّا دولة قطر وأميرها، فخسر هو أيضًا ورقته الوحيدة، أي تقديم المُساعدات الماليّة الشهريّة لحركة “حماس” ومِقدارُها 30 مِليون دولار شهريًّا، تَمُرُّ إلى القطاع عبر تل أبيب، وبتنسيقٍ مُسبق.
ثالثًا: الصّيغة الأمريكيّة والمُعدّلة للاتّفاق تختصر حاجة أبناء القطاع ومطالبهم وقيادتهم بالمُساعدات الإنسانيّة وتقديم حُلول مُؤقّتة، وليست دائمة، ولإنقاذ الكيان، ووجوده، ومنع انهِياره وليس لتلبية مطالبهم المشروعة في الكرامة، والاستِقلال، والتّحرير والعيش الكريم والتّعاطي معهم كمُتَسَوّلين.
رابعًا: قيادة “حماس” في الدّاخل لا تعرف القيادات العربيّة، خاصَّةً تِلك التي تدور في الفلك الأمريكي، ولا تُريد التعرّف عليهم، واتّخذت قرارًا مُبكّرًا بالابتعاد عنها، وعدم الثّقة بها، والاعتِماد على النّفس، ومُساعدات ومواقف محور المُقاومة، فهؤلاء لم يُغادر مُعظمهم القطاع، ورحلتهم الوحيدة كانت من السّجن إلى مُخيّمات أهلهم في القطاع.
خامسًا: إقدام بايدن على الاتّصال بالحاكمين المِصري والقطري، ومُطالبتهُما بالضّغط على قيادة حماس للقُبول بالاتّفاق بوقفٍ مُؤقّتٍ لإطلاق النّار هو تسليمٌ بهزيمة إسرائيل في هذه الحرب، وعدم قُدرته في المُقابل على انتِزاعِ تنازلاتٍ ذات شأن من نتنياهو، والتِفافِه للضّغط على الجانب العربيّ والفِلسطينيّ، دُونَ أن يعرف أنّ قيادة حماس الصّاعدة المُنتَصرة هي الأقوى حتّى من نتنياهو ودُوَل الوُسطاء، لأنّها قيادةٌ عقائديّة تحظى بدعمِ حاضنةٍ شعبيّةٍ مُؤمنةٍ، ومُستَعدّةٍ لتقديم التّضحيات من أجلِ هدفِ التّحرير والعودة الأكبر.
سادسًا: بايدن الذي لم يُطالب طِوال الأشهر الستّة الماضية بأيّ وقفٍ فوريٍّ صريحٍ دائمٍ لإطلاق النّار، ودُخول غير مشروط للمُساعدات، يستعجل الوصول إلى هذا الاتّفاق في مُحاولةٍ لمنعِ الرّد الإيرانيّ المُحتَمل على جريمة قصف القُنصليّة الإيرانيّة في دِمشق، وليسَ حُبًّا بأبناء قطاع غزة الذين يُواجهون وأطفالهم حرب الإبادة والتّجويع، فهو يُدرك أنّ وقفًا مُؤقّتًا لإطلاق النّار قد يُوقف، أو يُؤجِّل، هذا الرّد، وبِما يُؤدّي إلى عدم توسيع حرب غزة، وجبهاتها وتحوّلها إلى حربٍ إقليميّة.
***
تمنّياتنا أن يأتي رد القائد يحيى السنوار على هذه المُؤامرة الأمريكيّة المُتمثّلة في اتّفاق تبادل الأسرى المسموم المطروح على مائدة المُفاوضات بالرّفض، والتَّمَسُّك بمواقفه الصّائبة المُشرّفة، بوقفٍ دائمٍ لإطلاق النّار وانسِحاب جميع القوّات الإسرائيليّة، ووقف أيّ عُدوانٍ مُستَقبليٍّ على قطاع غزة، وعودة جميع النّازحين، وبدء عمليّة إعادة الإعمار بأسْرعِ وقتٍ مُمكن.
اعتراف مُجتمع المُخابرات الأمريكيّة المُكوّن من 18 وكالة حُكوميّة استخباريّة في تقريره السّنويّ الصّادر أمس بأنّ “إسرائيل” لن تَهزِم “حماس”، وأنّها ستُواجه مُقاومة مُسلّحة مُستمرّة مِنها (حماس) لسنواتٍ قادمة، أي عدم القُدرة على تدميرها، يُؤكّد بِما معناه أنّ المُقاومة تجلس وتَمُدُّ رِجليها على عرشِ الانتِصار في هذه الحرب، وربّما كُل الحُروب القادمة حتّى التّحرير الكامِل للتّراب الفِلسطيني المُحتل.
نتنياهو الذي “ضبع” مُعظم القادة العرب وأرهبهم، وليس الشّعوب، انتَهى، وأنهَى فُرص وجود دولة الاحتِلال أيضًا، وتهديده المُتكرّر باجتِياح مدينة رفح هو آخِر أوراقه ولن تُعطي ثِمارها مُطلقًا، لأنّ قيادة المُقاومة في غزة هي التي “ضبَعته”، و”أدّبته” وجِنرالاته، ولن تتوقّف حتّى دُخول القدس المُحتلّة رافعةً راية النّصر النّهائي.. وكُلّ نَصْرٍ وأنتم بألفِ خيْر.. والأيّام بيننا.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP