قبل 3 سنە
عبد الباري عطوان
352 قراءة

كيف فضَحَ شابّان عربيّان جزائري وسوداني إفلاس عمليّة التّطبيع ؟

وجّه اللّاعبان الجزائري فتحي نورين والسوداني محمد عبد الرسول صفعةً قويّةً للمُطَبِّعين، العرب الجُدد والقُدامى، عندنا رفَضا بآباءٍ وشمم مُصافحة خصميهما الإسرائيليين ومُنازَلتهما في دورة طوكيو للألعاب الأولمبيّة، وأعلنا انسِحابَهما من المُسابقة، وانتِصارَهما للقضيّة العربيّة المركزيّة الأولى، وقيم العُروبة والإسلام، والمأمول أن تسير على خُطاهما زميلتهما اللّاعبة السعوديّة تهاني القحطاني التي من المُفتَرض أن تُقابل غريمتها الإسرائيليّة راز هيرشكو يوم بعد غد الجمعة، وقرارها سيكون مُؤشِّرًا على موقف حُكومتها من التّطبيع سَلبًا أو إيجابًا.
تخيّلوا معي أن يُقدِم شابّان عربيّان مُسلِمان في مُقتَبل العمر وريعان الشّباب، مشاعرهما الوطنيّة والأخلاقيّة وثوابتهما الدينيّة والعربيّة والتّخلّي عن أحلامهما بالفوز بالميداليّات الذهبيّة والفضيّة، ويتّخذان هذه الخطوة المُشَرِّفة وكان لِسان الشاب نورين بليغًا ومُعبِّرًا عندما سُئِل عن دوافعه لاتّخاذ هذا القرار بقوله “إنّني لا أُريد أن أُلَوِّث يدي بمُصافحة خصمي الإسرائيلي وقرّرت الانسِحاب”.
هُناك سوابق عديدة في هذا المِضمار يَصعُب سردها في هذا الحيّز الضيّق، ولكنّنا لا يُمكِن أن ننسى في هذه العُجالة الرّياضي المِصري سلام الشهابي الذي اتّخذ الموقف نفسه، ورفَض مُصافحة، ومُنافسة غريمه الإسرائيلي أور ساسون في دورة أولمبياد ريو عام 2016، وأثار ضجّة عالميّة كُبرى رُغم مُعاهدة “السّلام” التي وقّعتها حُكومته مع “إسرائيل” وقيل في حينها إنّه رفض ضُغوطًا كبيرةً من مُدرِّبه للتّراجع عن قراره.

*** 

هذه المواقف الوطنيّة المُتعاظمة، والمُتزايدة، تُؤكِّد زيف مُعاهدات السّلام، وكُل الأدبيّات المُروِّجة للتّطبيع، ورفض الغالبيّة الشّعبيّة السّاحقة لها، وبقاءها باردة مُعلّبة على أرفُف الحُكومات التي وقّعتها فقط، ولنَا في الشّعوب المِصريّة والأردنيّة والفِلسطينيّة وأخيرًا المغربيّة والبحرينيّة والإماراتيّة والسودانيّة خير مِثال.
الكرامة الشخصيّة والوطنيّة أغلى بكثير من كُل ميداليّات الذّهب والفضّة المُلوَّثة بدنَس التّطبيع، هذه هي الرّسالة التي أراد اللّاعبان الجزائري والسوداني أن يُوَجِّهانها ليس فقط إلى دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وإنّما أيضًا إلى الحُكومات العربيّة المُطَبِّعة، ولكُلّ الأجيال القادمة من اللّاعبين الشبّان من مُختَلف الدّول العربيّة والإسلاميّة.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيليّة كانت مُصيبَةً تمامًا عندما وصفت انسِحاب هذين اللّاعبين بأنّه مُؤشِّرٌ على إفلاس عمليّة التّطبيع مع الدّول العربيّة، فقبل أسابيع صوّت مندوبا السودان والبحرين لصالح قرار في المجلس العالمي لحُقوق الإنسان يُطالب بتشكيل لجنة تحقيق في جرائم الحرب الإسرائيليّة في قِطاع غزّة أثناء عدوان الـ 11 يومًا الأخير، الأمر الذي أصاب حُكومة الاحتِلال بخيبة الأمل، خاصّةً أنّ تطبيع البلدين ما زال طريّ العُود، وفي أشهره الأُولى.
“صندوق أبراهام” الذي أسّسه ترامب وصِهره كوشنر لتمويل مشاريع التّطبيع أغلق أبوابه، وخط أنابيب “إيلات عسقلان” الذي كان من المُفتَرض أن يَنقُل 400 ألف برميل يوميًّا من النّفط الإماراتي إلى النّاقلات العملاقة في مينائيّ حيفا وأسدود على البحر المتوسّط، وكان من المُفتَرض أن يكون بَديلًا لقناة السويس ويَأخُذ 16 بالمِئة من وارداتها، جرى تجميده، وربّما إلغائه، بحُجَّة أخطاره على البيئة (الشّعب المرجانيّة في البحر الأحمر)، حسب الإعلان الرّسمي، لكنّ هُناك رواية غير رسميّة تقول إنّ الاحتجاجات الرسميّة المِصريّة هي السّبب الحقيقي.
***
خِتامًا نتقدّم بكُلّ الشُّكر، والتّهاني الحارّة في الوقت نفسه إلى الشابّين السوداني والجزائري على موقفيهما المُشَرِّفين، والسّير بثقةٍ وصلابةٍ على درب الكرامة بقُوّةٍ وثبات، وتلقين الحُكومات العربيّة المُطبِّعة أقوى الدُّروس في هذا المَيدان، ومِن المُؤكَّد أنّه ليس مِئات المَلايين من العرب والمُسلمين يرفعون رؤوسهم عاليًا افتِخارًا بهم فقط، وإنّما مِئات الآلاف من الشّهداء والجَرحى والأسرى أيضًا، وهذا تَكريمٌ أضخَم وأبقى من كُلّ الميداليّات.
اللّاعبان البَطَلان فتحي نورين ومحمد عبد الرسول ليسا الأوّلين ولن يكونا الأخيرين، فالأُمّة ولّادة بالرّجال الرّجال الذين يُضَحُّون بأرواحهم ودِمائهم، وليس بالميداليّات فقط، من أجل قضاياهم العادلة، وانتِصار غزّة الأخير كان أوّل الغيث.. والأيّام بيننا.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP