قبل 2 ایام
عبد الباري عطوان
32 قراءة

ما "الأمور السيئة" التي يهدد بها ترامب إيران إذا لم تعد للاتفاق النووي؟

كرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته إلى إيران بالقول بأنّها ستُواجه “أمورًا سيّئة” إذا أخفقت في التوصّل إلى اتّفاقٍ حول برنامجها النووي في غُضون “مُهلة الشّهرين” التي منحها لها في رسالته التي بعثها إلى المُرشد الأعلى السيّد علي خامنئي عبر دولة الإمارات العربيّة المتحدة.
هذه التّهديدات التي تعكس قمّة الوقاحة والاستِكبار ما كان يجب لها أن تصدر عن رئيس دولة عُظمى مِثل الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تدّعي زعامة “العالم الحُر” ويُؤكّد في كُلّ أحاديثه بعد فوزه بالرّئاسة، أو أثناء حملته الانتخابيّة، بأنّه سيعمل مِن أجل السّلام وتجنّب الحُروب في العالم.
إيران النوويّة لا تُشكّل خطرًا على الولايات المتحدة الأمريكيّة، ولا حتّى على دولة الاحتلال الإسرائيلي إذا اختارت السّلام وحلًّا عادلًا للقضيّة الفِلسطينيّة، والتّعايش مع دول المِنطقة، والكفّ عن التّأكيد على عزمها في إعادة تشكيل مِنطقة الشّرق الأوسط وخرائطها، وحُدودها، وِفقَ طُموحاتها التّوسّعيّة وهيمنتها الإقليميّة الكاملة.

نسأل الرئيس ترامب عن هذه “الأُمور السيّئة” التي يُهدّد بإلحاقها بالدّولة والشّعب الإيراني إذا لم يتم الخُنوع لتهديداته بالعودة إلى اتّفاق نووي قَبِلَت به إيران وست دول عُظمى عام 2015 وأقدم هو عندما كانَ رئيسًا على تمزيقه تلبيةً لمطالب، أو بالأحرى، أوامر بنيامين نتنياهو، وضُغوط اللوبي اليهودي- الأمريكي في واشنطن، فالورقة الأخيرة الوحيدة التي بقيت في جُعبته بعد فرضه للعُقوبات الاقتصاديّة والاغتيالات، وزعزعة الجبهة الداخليّة الإيرانيّة بالاحتِجاجات الشعبيّة بين الحين والآخر، وعلى مدى أربعين عامًا، الورقة الأخيرة المُتبقّية هي إعلان الحرب، وإرسال حاملات الطّائرات، والقاذفات العملاقة، لشنّ عُدوانٍ يُؤدّي إلى تدمير المُنشآت النوويّة واستِشهاد مِئات الآلاف من الإيرانيين الأبرياء، وبِما يُؤدّي في نهاية المطاف إلى تغيير النظام.
الرئيس ترامب يُثبت مرّةً أُخرى أنه جاهلٌ بالتّاريخ والجُغرافيا، ويخلط بين إيران الدولة الإقليميّة وجزيرة غرينلاند الدنماركيّة الجليديّة الصّغيرة شبه المهجورة، ولا يُدرك أنّ الهزيمة العسكريّة والسياسيّة الأكبر التي لحقت في بلاده، ولا تقل ضخامة عن هزيمتها في فيتنام كانت في أفغانستان في الشّرق الأوسط، والتي تقع بجوار إيران، وفيديوهات الانسِحاب المُذل موجودة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويُمكن الرّجوع إليها بسُهولة.
الرّد الإيراني على رسالته التهديديّة جاء من شقّين مُعلنين:
الأوّل: طابعه حضاري، ومكتوب، عبر الوسيط العُماني الذي تولّى تسليمه إلى الإدارة الأمريكيّة عبر القنوات الدبلوماسيّة المُتّبعة بين الدّول والحُكومات.
الثاني: عسكري يتمثّل في إرفاقه ببث فيديو مُصوّر يتضمّن صُورًا حيّة لمدينة صواريخ حديثة مُتطوّرة محفورة تحت جبال عملاقة، أُسوةً بالمُنشآت النوويّة المُستَهدفة، ولا تستطيع القاذفات الأمريكيّة العِملاقة الوصول إليها وتدميرها بالتّالي.
لا نعرف ما إذا كانت هذه المدينة تتضمّن صواريخ فرط صوتيّة عالية الدقّة، وتستطيع إصابة أهداف في العُمُق الأمريكي، أو السّاحل الغربي منه على الأقل، ولكنّنا مُتأكّدون أنها موجودة وتستطيع الوصول إلى العُمُق الإسرائيلي في أقل من عشر دقائق، ومصدر ثقتنا تأتي بمُتابعة نظيراتها اليمنيّة التي وصلت إلى يافا وحيفا وتل أبيب وديمونا وإيلات ومطار اللّد (بن غوريون) والقائمة تطول.
ربّما يُفيد التّذكير بأنّ وزارة الدّفاع الأمريكيّة (البنتاغون) عبّرت عن قلقها، عبر تسريبات إعلاميّة تُحذّر من احتمال تعرّض 50 قاعدة عسكريّة أمريكيّة في الشّرق الأوسط تضم آلاف الجِنرالات والجُنود الأمريكيين في حالةِ حُدوث حربٍ مع إيران إلى مِئات الصّواريخ الباليستيّة من كُلّ الأنواع والأبعاد في حالِ انفجارِ حربٍ مع طِهران.
إيران باتت على بُعد “خطوة تقنيّة” واحدة من إنتاج أكثر من قنبلة نوويّة حسب تصريحات وزير الخارجيّة الأمريكي السّابق أنتوني بلينكن، وربّما يُفيد التّذكير أيضًا في هذه العُجالة، بتصريح كمال خرازي مُستشار المُرشد الأعلى للسيّد خامنئي الذي قال إنّ بلاده التي تملك 270 كيلوغرامًا من اليورانيوم المُخصّب بنسبة تزيد عن 60 بالمئة، ستُقدم على تفجير أوّل رأس نووي بعد أقل من يوم من وصول أوّل صاروخ إسرائيلي أو أمريكي يستهدف مُنشآتها النوويّة أو العسكريّة.

نصيحتنا “المجّانيّة” للرئيس ترامب أنْ يتوقّف عن إطلاق تهديداته، تارةً بفتح أبواب جهنّم على المُحاصَرين المُجوّعين في غزة، وتارةً أُخرى بإلحاق أُمورٍ “سيّئةٍ جدًّا” بإيران، فهذه التّهديدات فقدت مفعولها من كثرة ترديدها أوّلًا، وفشلها في تحقيق أهدافها الإرهابيّة التّرويعيّة ثانيًا، ونُعيد تذكيره بمثيلاتها التي أطلقها سلفه جورج بوش الابن أثناء حرب العِراق الأُولى عام 1991 وحملت عُنوان الصّدمة والتّرويع، وانتهت بانسحابِ بلاده المُهين مِن جرّاء ضربات المُقاومة العِراقيّة الباسلة عام 2011، وبعد خسارة وصلت إلى 6 تريليونات دولار وعشرات الآلاف من الجُنود القتلى والجرحى.
أمريكا تعيش حالة من الإفلاس حاليًّا وتصل دُيونها إلى 41 تريليون دولار فرضت على رئيسها ترامب الهرولة إلى موسكو استجداءً للتّفاوض لتجنّب النّزيف، ومن ثمّ الهزيمة في أوكرانيا، وفرض ضرائب في حُدود 25 بالمِئة على واردات بلاده من الحُلفاء الأوروبيين والكنديين، والعِملاق الصيني، المُنافس الأكبر، ولا نستبعد أن تكون تهديداته لإيران “مُجرّد” فقاعة، ولن تقود إلى حرب، فالذي يكبر حجره لا يضرب، ولا يُعطي مُهلة شهرين لخصمه، ولهذا السّبب تكتفي إيران برد حليفها اليمني الصّاروخي على حاملات الطّائرات الأمريكيّة والسّفن، والعُمُق الفِلسطيني المُحتل، ولا تنزل بمُستواها والانشغال بالتّهديدات الأمريكيّة الجوفاء من قِبَل رئيس أمريكي قد يقودها إلى الانهيار.


لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP