المقاومة في الضفة: انطلاقة لدولة أردنية-فلسطينية واحدة؟
إنّها الضفّة الغربيّة، تَوأمُ قطاع غزة، إنّه مُخيّم جنين الأُسطوري الأخ الشّقيق “اللّزم” لمُخيّم جباليا، إنّه الكابوس الذي يَحرِم القيادة العسكريّة الإسرائيليّة وجِنرالاتها النّوم قلقًا ورُعبًا، ويُنبئ بنهايةٍ وشيكةٍ للمشروع الصّهيوني برمّته.
فجر اليوم أفاقَ هؤلاء الجِنرالات على أنباءٍ مُزلزلة، تتمحور حول عمليّة نفّذتها كتيبة جنين التّابعة لكتائب “سرايا القدس” الذّراع العسكريّ لحركة “الجهاد الإسلامي”، أبرز خُطوطها نَصبُ كمينٍ بعدّة عُبوّاتٍ ناسفة، وتفجيرها لاسِلكيًّا عن بُعد في دبّابة من نوعِ “الفهد” وحاملة جُنود تحمل اسم “النّمر”، وتعتبر فخر الصّناعة العسكريّة الإسرائيليّة لحداثة تجهيزاتها، وذلك في مِنطقة مرج بن عامر شِمال المدينة، وممّا أدّى إلى مقتلِ ضابطٍ في سِلاحِ القنّاصة، وإصابة 16 جُنديًّا آخَرين، عددٌ كبيرٌ منهم إصابته خطيرة.
شباب المُقاومة الرّجال الرّجال كانوا على أُهْبَةِ الاستِعداد، وانخرطوا في اشتباكاتٍ شرسةٍ بمَنْ نجا من قوّات الاحتلال، والقوّات التي جاءت لإنقاذهم لأكثر من ثماني ساعات حسب ما جاء في البيان الرسميّ لحركة الجهاد، إنّها البُطولة والشّجاعة في أطهرِ صُورها.
تَصاعُد أعداد هذه العمليّات، وتطوّر دقّة إعدادها وتنفيذها، واستِخدام عُبوّات ذكيّة فيها، تعكس ملامح حرب عصابات مُرشّحة للتَّوسُّع تُديرها خُبرات فِلسطينيّة شابّة مُتقدّمة جدًّا، وتتفوّق على خصمها الإسرائيلي الأكثر تسليحًا، إنّها استراتيجيّة جديدة تقف خلفها عُقول جبّارة وتُترجمها عمليًّا خلايا شابّة لا تَهابُ الشّهادة، بل تسعى سعيًا حثيثًا لنيْلِها، ولا يُمكن أن تَتْرُك غزة لوحدها.
الجيش الإسرائيلي اقتحم مخيّم جنين بدبّاباته وجرّافاته أكثر من 14 مرّة واغتالت قوّاته واعتقلت العشرات بل المئات من المُقاتلين، وحوّلت شوارع المخيّم الضيّقة إلى “أوتسترادات” لتسهيل مُرور الدبّابات وحامِلات الجُنود، ومع ذلك فشلت فشلًا ذريعًا في السّيطرة على هذا المُخيّم الذي لا تزيد مِساحته عن كيلومتر مربّع، والقضاء على المُقاومة فيه، ولم يَعُد مُفاجئًا أن يُوصَف في بعض الأوساط الإعلاميّة ومواقع التّواصل الاجتماعي بـ”ليننغراد ثانية” رُغم صِغَر مِساحته، وليس مُحاطًا بالغابات أو الجبال، أو حتّى الدّعم من جيرانه من الحُكّام العرب.
المُواجهة الأخطر التي تخشاها دولة الاحتلال ليست في القطاع أو جنوب لبنان، رُغم أهميّة هاتين الجبهتين، وإنّما في الضفّة الغربيّة لأنّها تتواصل، وتتداخل، بشَكلٍ مُباشر مع أكثر من 250 مُستوطنة يزيد تِعداد مُستوطنيها عن 800 ألف مُستوطن، علاوةً على التِصاقها، أي الضفّة ومُدُنها مع المُدُن الفِلسطينيّة المُحتلّة إسرائيليًّا داخِل مناطق مُحتلّة عام 1948، وعلى رأسِها مدينة القدس بشقّيها الغربيّ والشّرقيّ.
المُؤسف، بل والمُؤلم، وجود 60 ألف رجل أمن “فِلسطيني” يتبعون السُّلطة ويسهرون على توفير الأمن لقوّات الاحتلال ومُستوطنيه، مُقابل حفنة من الأموال مُذلّة ومُتقطّعة، وسيادة مُزوّرة، بل معدومة، وألقاب كاذبة مغشوشة، ابتداءً من رئيس وانتهاءً بوزيرٍ أو سفير.
فعندما تنقل قناة “كان” الرسميّة الإسرائيليّة عن مسؤولين أمنيين فِلسطينيين في السُّلطة، لم تُسمّهم ويُعتقد أنّ أبرزهم ماجد فرج، في أحد برامجها اليوم تحذيرهم “لأعمامهم” في أجهزة الأمن الإسرائيليّة من استِمرار عمليّات تهريب الأسلحة عبر الحُدود الأردنيّة، لأنّ هذه العمليّات ستُمكّن حركتيّ حماس والجهاد من امتِلاكِ الصّواريخ على غِرارِ ما يَحدُث في قطاع غزة، إن لم يكن أكثر خُطورةً.
إنّ هذا التّحذير الخِياني إذا صح، ولا نستبعد صحّته، بحُكم الدّور الوظيفيّ لسُلطة رام الله، فإنّه يعكس تنسيقًا مُباشرًا مع السّلطات الأردنيّة وأجهزة أمنها التي تشنّ حربًا شرسة لمنع عمليّات التّهريب هذه، وتُجَرّم كُل من ينخرط فيها في الجانب الأردني من الحُدود، وتعتقل العشَرات من الشُّرفاء من جُنود الجيش العربي الأردني الوطنيين الأقحاح الذين يغضّون النّظر، بل يُساهمون ويُسهّلون عمليّات التّهريب هذه لنُصرة أشقّائهم تحت الاحتلال، ودعم مُقاومتهم، وإفشال كُل المشاريع الاستيطانيّة الإسرائيليّة، وتسريع نهاية الاحتلال.
هذا التّصعيد في عمليّات المُقاومة في الضفّة الغربيّة هو الرّد الأقوى على سموتريتش وزير المال الصّهيوني المُتعصّب والعُنصري، الذي تباهى قبل بضعة ايام ببدء تنفيذ خطواته العمليّة لضمّ الضفّة الغربيّة إلى دولة الاحتلال دون إعلان، مُؤكّدًا في الوقت نفسه أنّ مهمّته الرئيسيّة هي منع قيام دولة فِلسطينيّة بكُلّ الطّرق والوسائل ومهما كلّف الأمر.
سموتريتش يُريد الضفّة خالية من أهلها، ومُقتصرة على اليهود فقط، وهذا يعني ترحيل أكثر من ثلاثة ملايين من مُواطنيها إلى الأردن لإقامة الوطن البديل، ومن المُؤلم أنّ السّلطات الأردنيّة التي تقف في خندق سموتريتش ربّما دون قصد، تُشَجّع هذه الخطّة بمنع تهريب الأسلحة والصّواريخ إلى رجال المُقاومة في الضفّة الذين يتصدّون له، ويُريدون إقامة الوطن الفِلسطيني الأصيل، ومنْعِ البديل، على كافّة الأراضي الفِلسطينيّة من النّهر إلى البحر، كمُقدّمة لإعادة توحيد الوطن الأردني- الفِلسطيني على أرض فِلسطين التّاريخيّة العُظمى.
السُّلطات الأردنيّة، وجيشها العربيّ، وأجهزة أمنها لا يجب أن تكون حائط الصّد لحماية المجازر الإسرائيليّة في الضفّة وغزة والتّستّر عليها، ومنع وصول الأسلحة للمُقاومة، وعليها أن تتعلّم من دروس السّلطة الفِلسطينيّة والنّهاية البائسة المُخجلة المُهينة التي انتهت إليها بعدما ألقت السّلاح، ووقعت في مِصيَدة السّلام والوعود الأمريكيّة الإسرائيليّة، فالسّعيدُ من اتّعظَ بغيْرِه.. والأيّام بيننا.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة