لماذا نُشَكِّك بجدوى الانتِخابات في ظِل الاحتِلال الاسرائيلي؟
في الحديث المُطوّل الذي أجرته صحيفة “ميدل إيست آي” الإلكترونيّة مع السيّد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، وجرى نشره أمس، ركّز السيّد هنية على المُصالحة المُفاجئة بين حركة “فتح” و”حماس”، والأسباب التي دفَعت الرئيس محمود عبّاس لتغيير مواقفه السّابقة، والإقدام عليها بعد سنواتٍ من القطيعة والتّلاسن الإعلامي المُتبادل الذي خرج عن كُل الأصول.
السيّد هنية أورد ثلاثة عوامل يعتقد أنّها دفعت الرئيس عباس لتغيير موقفه من حركة “حماس” والدّخول معها في تحالفٍ يقول إنّه استراتيجيّ، وعلى أساس اتّفاقات مُحكَمة أبرز مضامينها إجراء انتخابات تشريعيّة ثمّ رئاسيّة، دون تجديد أيّ آليّات مُوحّدة للتّنظيمين، ودون أيّ إشارة للمُرشّح المُتّفق عليه في الانتِخابات الرئاسيّة.
الأسباب الثّلاثة تتلخّص في خسارة الرئيس عبّاس جميع رِهاناته على السّلام، والثّاني شُعوره بالإهانة الشخصيّة من قِبَل الإسرائيليين والأمريكيين الذين راهن عليهم مُنذ توقيع اتّفاق أوسلو قبل 27 عامًا، والثّالث اتّفاقات التّطبيع التي وقّعت عليها دولتا الإمارات والبحرين ورفضت الجامعة العربيّة إدانتها بطلبٍ فِلسطينيّ.
السبب الرّابع و”الأهم” الذي لم يذكره السيّد هنية، هو البُنود السريّة التي وردت في هذه الاتّفاقات التطبيعيّة، وتَنُص على تغيير القِيادة الفِلسطينيّة الحاليّة، والإتيان بقيادةٍ جديدةٍ بديلةٍ بمُباركةٍ إسرائيليّة، أمريكيّة، عربيّة (من الدّول المُطبّعة) يتردّد أنّه سيكون على رأسها النّائب محمد دحلان المفصول من حركة “فتح”، والمُقيم حاليًّا في الإمارات، أحد أبرز المُرشّحين لقِيادتها.
***
جميع القِيادات الفِلسطينيّة، ابتداءً من الحاج أمين الحسيني، ومُرورًا بالسيّد أحمد الشقيري مُؤسّس منظّمة التّحرير وجيشها، وانتهاءً بالرئيس ياسر عرفات وخليفته عبّاس، لم تأتِ عبر صناديق الاقتراع، وإنّما بسبب إرثها المُقاوم أوّلًا، وإذا تبخّر هذا الإرث، مثلما يحدث حاليًّا في الضفّة الغربيّة، فإنّ الشرعيّة مَنقوصة، إنْ لم تَكُن معدومة.
جميع القِيادات التي حاولت دولة الاحتِلال الإسرائيلي فرضها على الشّعب الفِلسطيني، بطُرقٍ مُباشرةٍ أو غير مُباشرة (روابط القرى) مُنيت بالفشل، والرّفض، والاحتِقار، وانتهت قيادتها منبوذةً بتُهمة الخيانة مِن قِبَل الشّعب الفِلسطيني، وأيّ قِيادة مُماثلة، ومهما ضخّت مِن مِليارات خليجيّة لتمرير صفقة القرن ستُواجَه بالشّيء نفسه إن لم يَكُن أخطر.
اتّفاق أوسلو كان المُفرِّخ لكُل الاتّفاقات التطبيعيّة العربيّة، وإسقاطه لا يتم بإلغائه، وكُل ما تفرّع عنه من مُؤسّسات، وإنّما بتبنّي البدائل النّقيضة له أيضًا، والعودة إلى الينابيع الأولى للحركة الوطنيّة الفِلسطينيّة لأنّه كان أكبر وصمة عار في تاريخ الشّعب الفِلسطيني.
الديمقراطيّة التي تنمو تحت حِراب الاحتِلال، وفي ظِلّ التغوّل الاستِيطاني “أُكذوبةٌ” كُبرى، ولا يُمكن أن تُنتِج قيادة مُستقلّة ذات سيادة، تقود تحرّكًا شعبيًّا مُقاوِمًا نحو التّحرير “الكامِل” للتّراب الفِلسطيني المُحتل.
***
علينا أن نعترف بأنّ تخلّي منظّمة التحرير عن المُقاومة، وصِداماتها مع فصائلها وشيطنتها، واتّهامها بالخِيانة وخدمة الاحتلال، في ذروة المُفاوضات العبثيّة والرّهان على أمريكا، هو الذي دفع بعض الدول العربيّة إلى الهرولة إلى القُدس المحتلّة، وتوقيع اتّفاقات الخِيانة، وتخلّي الجامعة العربيّة عن القضيّة الفِلسطينيّة بالطّريقة التي شاهدناها.
ما يُطمئنّا وسط حالة الإحباط و”الغُموض” الحاليّة التي يعيشها أكثر من عشرة ملايين فِلسطيني في الوطن والمهجر وقضيّتهم، أنّ سِلاح المُقاومة في قِطاع غزّة ورجاله ما زالوا شوكةً مسمومةً في حلقِ الاحتِلال، ورِهاننا الأبدي على هؤلاء حتى تعود الأرض الفِلسطينيّة لأصحابها دونَ أيّ نُقصانٍ.
سُؤالٌ أخير وهو: لماذا لم نرَ حتى الآن أيّ تغيير مُلزِم في العقيدة التفاوضيّة كحلٍّ وحيد للقضيّة الفِلسطينيّة، ولم نسمع عن الإفراج عن أسيرٍ واحدٍ في سُجون الحركتين في الضفّة والقِطاع، ولم نقرأ نبأ واحدًا يقول إنّه جرى تعيين دبلوماسي أو غفير، أو سفير واحد، حتّى في سفارة سيريلانكا، من غير جماعة السّلطة وبِطانتها، واللّيلة السّعيدة تظهر بشائرها من العصر مِثلَما يقول المثَل الفِلسطيني.
خِتامًا نقول إنّنا كُنّا، وما زِلنا، نتوقّع أن تُؤدّي هذه المُصالحة، وإلقاء عجلَة الشرعيّة والإنقاذ بالتّالي للرئيس عبّاس إلى جرّه إلى مُربّع هذه المُقاومة، وليس العكس، حيث تُشير بعض المؤشّرات الأوّليّة، وسنظل في حالة انتظار، ونأمَل أن نكون مُخطِئين.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً