هل اقتربَ الاحتِلال الأمريكيّ في سورية من نهايته ؟
يبدو أنّ أيّام قوّات الاحتِلال الأمريكي في شِمال شرق سورية الغنيّة بالنفط والغاز والحُبوب باتت معدودةً جدًّا، وتنتظرها هزيمةً مُذلّة، في ظِل الهجمات التي استهدفت قواعدها بالمُسيّرات والصّواريخ من قِبَل مجموعات مُقاومة مُسلّحة حليفة لمحور المُقاومة أدّت ولأوّل مرّة إلى مقتل مُتعهّد، وإصابة خمسة جُنود أمريكيين حسب البيانات الرسميّة الأمريكيّة، ومن غير المُستَبعد أن يكون العدد الحقيقيّ للضّحايا أكبر.
صحيح أن الطّائرات الحربيّة الأمريكيّة من طِراز “إف 15” شنّت هجمات مُضادّة أدّت إلى استِشهاد حواليّ 19 مُقاتلًا، ولكنّ الصّحيح أيضًا أن الرّد جاء سريعًا بإطلاق 10 صواريخ على قاعدة حقل العمر النفطي السوري الأمريكيّة شرق دير الزور.
الخُطورة في رأينا لا تنحصر في عدد الشّهداء من مُقاتلي محور المُقاومة، وإنّما دُخول المُسيّرات والصّواريخ إلى ميدان المعركة، وزعزعة أمن واستِقرار قوّات الاحتِلال الأمريكيّة البالغ عددها 900 جُندي، وإيقاع خسائر بشريّة أمريكيّة في صُفوفها، ولأوّل مرّة مُنذ حواليّ عشر سنوات، مُضافًا إلى ذلك وهذا هو الأهم عسكريًّا، فشَل النظام الدّفاعي الأمريكي المُتطوّر جدًّا في هذه القواعد في التصدّي لمُسيّرةٍ إيرانيّة الصّنع التي قصفت القاعدة، الأمر الذي سيُحدث حالةً من الهلع والرّعب في صُفوف قوّات الاحتِلال هذه وقِيادتها في البيت الأبيض فالمُصابُ كبير.
***
اللّافت من خِلال مُتابعة فُصول هذه المُواجهات العسكريّة في اليومين الماضيين حُدوث تغييرٍ جذريّ في قواعد الاشتباك من جانب القوّات التّابعة لمحور المُقاومة وقِيادتها في المناطق الحُدوديّة العِراقيّة السوريّة، وفي دِمشق وطِهران تحديدًا، من حيث الانتقال من مرحلةِ “التّعايش” مع هذا الوجود العسكري الأمريكي، وامتِصاص ضرباته، إلى مرحلة الهُجوم المُباشر المُوجع، تنفيذًا لهدفٍ استراتيجيّ أكبر وهو إجبار القوّات الأمريكيّة على الانسِحاب فورًا تقليصًا للخسائر البشريّة في صُفوفها، وتفكيكًا لقوّات سورية الديمقراطيّة الانفِصاليّة التابعة لها، وإعادة المِنطقة وثرواتها النفطيّة والغازيّة والغذائيّة إلى السّيادة السوريّة.
فعندما يُؤكّد الرئيس الأمريكي جو بايدن في مُؤتمر صحافي في اوتاوا مع نظيره الكندي جاستن ترودو أمس الجمعة “أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراعٍ مع إيران، لكنّها مُستعدّة للعمل بقوّة لحماية شعبها”، فهذا تراجع أمريكي، يعكس أوّل ثمار هذا الرّد المُفاجئ، والمدروس، لقوّات محور المُقاومة وقِيادتها الذي استهدف القواعد العسكريّة الأمريكيّة غير الشرعيّة، والعدائيّة على الأرض السوريّة لاجتِثاثها من جُذورها وإجبارها على الرّحيل.
لا نعرف من هو الشّعب الأمريكي الذي تعهّد الرئيس الأمريكي بحمايته بقوّة، في تصريحاته المذكورة آنفًا في كندا، وأين يتواجد هذا الشّعب على الأراضي السوريّة، فحسب معلوماتنا أن هُناك قوّات أمريكيّة مُحتلةّ، تسرق النفط والغاز السوريين علانية وتبيعه في الأسواق السّوداء، أمّا الشّعب الأمريكي فموجود على بُعد أكثر من خمسة آلاف ميل، ولا يُواجه أيّ تهديد من قبل سورية أو العِراق أو إيران، بل ما يَحدُث العكس.
ربّما هذه المرّة الأولى التي يتراجع فيها الرئيس الأمريكي عن تهديداته المُتغطرسة عن ضرب إيران، والعُدوان عليها، ويؤكّد أنه لا يُريد صِراعًا معها، وهو الذي أجرت قوّاته المُناورة تلو الأخرى مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي وقوّاتها، طِوال الأشهر الماضية استعدادًا لعُدوانٍ على إيران بمُختلف أنواع الأسلحة برًّا وبحرًا وجوًّا، لتدمير مُنشآتها النوويّة، ولابتِزاز حُكومات خليجيّة بالإيحاء بأنّها ستقضي على التّهديد الإيراني المزعوم الذي يستهدفها وجوديًّا، وبيعها صفقات أسلحة بعشَرات المِليارات من الدّولارات ثَبُتَ فشلها، وانتهاء عُمرها الافتِراضي، أمام الأسلحة والصّواريخ الإيرانيّة المُتطوّرة جدًّا.
“المُسيّرة” الإيرانيّة التي اخترقت دفاعات القاعدة الأمريكيّة شرق الفُرات وأصابت صواريخها مخازن أسلحتها ومهاجع قوّاتها بدقّة، وقتلت مُتَعهّدًا وأصابت خمسة جُنود كانت تحمل رسالةً قويّةً جدًّا إلى جهتين رئيسيّتين:
الأولى: إلى القيادة الأمريكيّة تقول بأنّ جميع القواعد الأمريكيّة ليس في سورية فقط وإنما في المِنطقة العربيّة بأسْرها، وفي الخليج والعِراق خاصّة، باتت هدفًا سهلًا وشرعيًّا للصّواريخ والمُسيّرات التابعة لمحور المُقاومة وكتائبها المُسلّحة في حالِ اندلاع شرارة المُواجهات العسكريّة، لما تتمتّع به هذه الصّواريخ والمُسيّرات من معدّاتٍ وأجهزةٍ مُتقدّمةٍ جدًّا أثبتت فعاليّتها في حرب أوكرانيا.
الثانية: إلى دولة الاحتِلال الإسرائيلي تقول بأنّ الرّد على غارات طائراتها على أهدافٍ إيرانيّة وسوريّة في العُمُق السوري، خاصّةً المطارات، باتَ وشيكًا، فالمُسيّرات جاهزة والإرادة قويّة، فمن لا يخشى من ضرب قواعد القوّة الأعظم في العالم في شرق الفُرات (أمريكا) لن يتردّد باستِخدام القوّة نفسها، أو ما هو أقوى، للرّد على العُدوانات الإسرائيليّة في سورية.
***
الرئيس الأمريكي جو بايدن وجِنرالاته التقطوا الرّسالة الإيرانيّة، وفكّكوا شفرتها، وأدركوا أنهم يُواجهون محورًا قويًّا مُستعد بشَكلٍ جيّد، وجاهز للمُواجهة، إذا ما كُتبت عليه، ولهذا سارعوا جميعًا، الرئيس والجِنرالات، إلى التّأكيد بأنّهم لا يُريدون الحرب مع إيران خاصّةً في هذا الوقت الذي يُواجه فيه المشروع الأمريكي والجيش الأوكراني الهزائم أمام نظيره الروسي في ميادين القتال، وتتصاعد فيه تهديدات الرئيس فلاديمير بوتين بالضّغط على الزّر النووي إذا جرى تزويد زيلينسكي بالقذائف المُخصّبة باليورانيوم المنضب، وتوقيع بوتين اتفاقات تعاون استراتيجي عسكري سرّي مع الزعيم الصيني تشي جين بينغ آخِر ضُيوف موسكو.
تسلّل مُقاتل “مزنر” بحزامٍ ناسف إلى الجليل المُحتل، وزعه قنبلة في مجيدو وتفجيرها في ميدانها الرئيسي، ومقتل إسرائيلي وإصابة آخرين، هي رسالةٌ أُخرى تُكمّل الرّسائل المذكورة آنفًا إلى القواعد الأمريكيّة شرق الفُرات، وتؤكّد وحدة السّاحات والجبَهات، والتنسيق الكامِل فيما بينها، فهُناك 150 ألف صاروخ وآلاف المُسيّرات لدى الذّراع اللبناني لمحور المُقاومة (حزب الله) تنتظر ساعة الصّفر للانطِلاق جنوبًا.
سرقة أمريكا للنفط والغاز والحُبوب السوريّة من المُرجّح أن تتوقّف في الأيّام أو الأسابيع القليلة المُقبلة، وخط الإمداد الإيراني إلى سورية ولبنان عبر العِراق الذي قطعته القواعد الأمريكيّة سيعود إلى العمل بقوّةٍ أيضًا، ومثلما مُنيت الولايات المتحدة بهزيمةٍ مُذلّة، كان أكثر فُصولها فضائحيّة في مطار كابول الأفغاني، سيتكرّر المشهد نفسه في شرق الفُرات وقاعدة التنف (سورية) والمِنطقة الخضراء وعين الأسد في العِراق.
عندما يقول الجِنرال كيوان خسروي المتحدّث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “إن أيّ هُجوم لاستهداف القواعد التي تمّ إنشاؤها بناءً على طلب الحُكومة السوريّة للتصدّي للإرهاب، وعناصر تنظيم الدولة الإسلاميّة، سيُقابل بهُجومٍ مُضاد وسريع”، فهذا إعلانٌ رسميّ بانتِهاء مقولة “الرّد في المكان والزّمان المُناسبين” أو هكذا نعتقد.. ولا نملك غير الانتِظار.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.