النفط الإيراني يتدفق “بدلال” .. فأين تهديدات “صفر صادرات” الأمريكية؟
النفط الإيراني يتدفق “بدلال” عبر الخليج ومضيق هرمز باتجاه زبائنه في الهند والصين وكوريا.. فأين تهديدات “صفر صادرات” الأمريكية؟ ولماذا يلتزم ترامب الصمت؟ هل بدأ يعيد حساباته ويتراجع؟ أم أننا في انتظار مفاجأة سلمية او عسكريه؟
مرت ثلاثة ايام على بدء تطبيق التهديد الأمريكي بوقف كامل للصادرات النفطية الإيرانية، وفرض عقوبات على كل دولة لا تلتزم بهذا الحظر، ولكن ناقلات النفط الإيرانية العملاقة تمخر عباب مضيق هرمز والمحيط الهندي باتجاه زبائنها في الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان دون أي عوائق مثل ما كان عليه الحال طوال العقود الماضية.
الصين والهند وتركيا، اكبر عملاء النفط الإيراني تلتزم الصمت، والشيء نفسه يقال عن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصقورها، ابتداءا من مايك بومبيو، وزير الخارجية، وانتهاء بجون بولتون، مستشار الامن القومي، والأهم من ذلك وجود انباء مؤكدة بان السفن الامريكية التي تعبر مضيق هرمز في فم الخليج، حربية كانت أم مدنية، باتت ترضخ للمطالب الإيرانية وتجيب عن كل الأسئلة التي يطرحها عليها الجيش الإيراني حول حمولتها وهويتها باعتباره الطرف المسيطر والمتحكم بهذا المضيق الاستراتيجي.
*
صحيح أن بعض الدول مثل الصين، الزبون الاكبر للنفط الإيراني وتستورد 613 الف برميل يوميا، خفضت وارداتها في الأشهر الثلاثة الماضية بنسبة 30% حسب بعض التقارير، والشيء نفسه يقال عن الهند (250 الف برميل) وكوريا الجنوبية (387 الف برميل) الا ان المهم ان النفط الإيراني مستمر في التدفق، وأن القرار الأمريكي بالحظر الكامل، او صفر صادرات، ما زال حبرا على ورق، ومجرد تهديدات جوفاء حتى كتابة هذه السطور على الأقل.
اللافت ان الادارة الامريكية رضخت يوم أمس الجمعة لضغوط دول عظمى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، وقررت تمديد اعفاءات لخمس دول من سبع دول من أي عقوبات إذا ما استمرت في التعاون النووي السلمي مع إيران في مفاعلات أراك، وبوشهر، وفوردو، وطهران للأبحاث، وكل مجالات تخصيب اليورانيوم وإنتاج الماء الثقيل، فهل التراجع عن إلغاء الإعفاءات النووية مقدمة لتراجع آخر عن الغاء الإعفاءات النفطية لثماني دول ورفض تمديدها؟ كل شيء جائز.
الرئيس الأمريكي يتخبط، وبات اسير جناح الصقور في إدارته، واصبح عاجزا عن تنفيذ قراراته الاستفزازية ضد إيران، أو حتى كوريا الشمالية ناهيك عن الصين وروسيا، وبات في صراع مباشر ليس معها فقط، وإنما الدول المستوردة لنفطها، ومن بينها دول عظمى مثل الصين، ولا ننسى في هذه العجالة، فشل الانقلاب العسكري في فنزويلا.
ومن المفارقة أن كوريا الشمالية الشمالية تعمدت يوم أمس إطلاق صاروخ قصير المدى في بحر اليابان في خطوة استفزازية مباشرة جاءت بعد زيارة الزعيم الكوري كيم جونغ اون لروسيا، وعقدة لقاء قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة فلاديفستوك.
الصمود الإيراني المدعوم بأوراق ضغط عسكرية وأمنية داخلية وفي دول الجوار، بات يحاصر أمريكا وحصارها، ويضعها في مواقف واختبارات حرجة تدمر هيبتها كقوة عظمى، وما استمرار تدفق صادرات النفط الإيرانية حتى الآن الا أحد الأمثلة في هذا المضمار.
لا نعرف كيف سيكون الرد الأمريكي من هذا التحدي الإيراني، مثلما لا نعرف متى سيخرج الرئيس ترامب عن صمته، او يعود مغردا على حسابه في موقع “تويتر”، ولكن ما نعرفه ان كل برميل نفط إيراني يعبر مضيق هرمز هو صفعة له، ولإدارته وصقوره، واحد العناوين الابرز لهزيمتها مهما صغرت في عين البعض، وحاول تبريرها، والتقليل من قيمتها.
حصارات ترامب هذه وما يرافقها من تهديدات رفعت أسعار النفط إلى 75 دولارا للبرميل (خام برنت)، وقد تؤدي الى انهيار منظمة أوبك وانسحاب دول منها على رأسها ايران، وحدوث فوضى في أسواق النفط العالمية بالتالي على أرضية خروج كل من السعودية والإمارات على اتفاقات الأعضاء وخضوعهما لمطالب ترامب بتعويض أي نقص ينجم عن غياب النفط الإيراني.
*
هل يرتكبت ترامب “حماقة” كبيرة في الأيام القليلة المقبلة بضغط من صديقه ومعمله نتنياهو واللوبي الاسرائيلي في الادارة الامريكية بزعامة صهره جاريد كوشنر، ويقدم على التحرش عسكريا بإيران او الدول المستوردة لنفطها؟
لا نستبعد ذلك، فترامب هذه الأيام مثل الثور الهائج يرفس، وينطح، يمينا وشمالا وفي كل الاتجاهات، بعد ان فقط البوصلة، ولعل كاريكاتير صحيفة “النيويورك تايمز” الذي صوره كأعمى يقوده نتنياهو، التعبير الاصدق عن حالته المزرية هذه.
نتنياهو سيقوده، وامريكا، الى هاوية بلاقرار، والصحيفة المذكورة ارتكبت خطيئة كبرى عندما اعتذرت عن هذا الرسم الساخر الأكثر تعبيرا عن حال هذه الدولة العظمى المتدهور.
من غزة بدأ الرد، وصواريخها الـ200 رسالة واضحة ومعبرة وقوية ليس موجهة لنتنياهو، وانما لترامب وحلفائه العرب أيضا.. تؤكد ان الزمن تغير.. والايام بيننا