قبل 4 سنە
عبد الباري عطوان
429 قراءة

أيّ حِياد هذا في ظِلّ تغوّلٍ أمريكيّ، وقانون قيصر؟

في الوقتِ الذي تَكشِف فيه عمليّات التّدقيق الرسميّة في حِسابات وزارة الماليّة في الفترة مِن 1993 إلى 2017 عن اختِفاء حواليّ 27 مِليار دولار، أيّ ما يُشكّل ثُلث الدّين العام تقريبًا، يخرج علينا البطريرك بطرس الراعي بتصريحاتٍ يُلقِي فيها اللّوم على “حزب الله” ويُحمّله مسؤوليّة عدم وصول المُساعدات الماليّة من الدّول الغربيّة والخليجيّة، ممّا أوصَل لبنان بالتّالي إلى حالةِ الانهِيار والتأزّم الاقتصاديّ التي يعيشها حاليًّا.
ما يجعلنا نأخذ هذا الكشف المُهم عن أحد أبرز عمليّات النّهب والسّرقة للمال العام أنّ مُعظم وسائل الإعلام اللبنانيّة، ومحطّة تلفزيون “M T V” على وجه الخُصوص، هي التي سارعت بنقل التّفاصيل، المُعزّزة بالوثائق في هذا المِضمار، مثلما سلّطت الأضواء قبلها على تحويل عشرات المِليارات من الأرصدة في البُنوك والمصارف اللبنانيّة إلى حساباتٍ بنكيّةٍ في أوروبا وأمريكا، بعِلم المصرف المركزيّ اللبنانيّ، ومُوافقته، في إطار خطّة مدروسة لتدمير القِطاع الماليّ اللبنانيّ، وإفقاد العُملة الرسميّة (اللّيرة) 80 بالمِئة من قيمتها، وإفلاس عشَرات الآلاف مِن الشّركات وتجويع الشعب اللبناني وبِما يؤدّي في نِهاية المطاف إلى إشعال فتيل الحرب الطائفيّة، وإغراق البِلاد في الفوضى والحرب الأهليّة.
***
لا نعتقد أنّه من قبيل الصّدفة أن تأتي تصريحات البطريرك الراعي في ظِل الحملة المسعورة على حُكومة السيّد حسان دياب، وانخِراط مُعظم الأحزاب والكُتل السياسيّة المُعادية لها وللتّحالف الدّاعم لها في حملاتِ تشويهٍ لتقويضها، بالتّعاون مع جهاتٍ خارجيّةٍ تتزعّمها الولايات المتحدة الأمريكيّة.
السيّدة دوروثي شيا السفيرة الأمريكيّة في بيروت التي تُشكّل رأس حربة في عمليّة التّحريض ضدّ الحُكومة و”حزب الله” كانت جريئةً إلى درجةِ الوقاحة، عندما اتّهمت الحزب بنَهب الخزينة اللبنانيّة، وتأكيدها بأنّه لن تكون هُناك أيّ مُساعدات خارجيّة للبنان في ظِل وجود الحزب في الحُكومة، واحتِفاظه بسِلاحه، ومِن المُفارقة أنّه بعد هذه التّصريحات انهارت قيمة اللّيرة بشكلٍ قياسيّ، ووصل سِعرها إلى أكثر من 9000 ليرة مُقابل الدولار في أيّامٍ معدودةٍ، وجاء انهِيار المُفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحُصول على قرضٍ بعِشرين مِليار دولار، وفكّ تجميد 11 مِليارًا أُخرى قرّرتها الدّول المانحة في مُؤتمر باريس للأسبابِ والمطالبِ التّعجيزيّةِ نفسها.
الذين يشنّون الحرب لإسقاط حُكومة السيّد حسان دياب باعتِبارها حُكومة “حزب الله” في نظرهم، يُريدون أحد خِيارين، الأوّل هو عودة أحد رؤوساء الوزراء السّابقين الذي جرى نهب الـ 27 مليار دولار وربّما ما هو أكثر منها في زمن حُكوماتهم، أو انزِلاق البِلاد إلى الفوضى والحرب الأهليّة بالتّالي، ومصلحة المُواطن اللّبناني الفَقير المُعدم المَسحوق هو آخِر اهتِمامات قادة هذه المُؤامرة والدّاعمين لها.
تحذيرات السيّدة ميشيل باشيليت، مفوّضة الأمم المتحدة لحُقوق الإنسان، التي أطلقتها قبل أسبوع وقالت فيها “إنّ الوضع في لبنان بات خارجًا عن السيطرة، وأنّ هُناك مِئات الآلاف الذين يُواجهون خطر المجاعة في ظِل إفلاس الشّركات وتفاقم مُعدّلات البِطالة، وانقِطاع الكهرباء، هذه التّحذيرات قُوبِلت بالتّجاهل المُطلق مِن قَبَل “القِطط السّمان” والمُتآمرين، الذين يأخُذون تعليماتهم مِن السّفيرة الأمريكيّة السيّدة شيا، والأخطر من ذلك أنّهم صَعّدوا تآمُرهم.
هذه الحملة على “حزب الله” وسِلاحه، والرئيس ميشال عون المُتمسِّك “بشجاعةٍ” غير مسبوقة، بالتّحالف معه، حِفاظًا على أمن لبنان واستِقراره وهُويّته الوطنيّة، تأتي بهدف إطلاق مُفاوضات ترسيم الحُدود اللبنانيّة، البريّة والبحَريّة، مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وتمرير أطماع الأخيرة في الاستِيلاء، ونهب احتِياطات لبنان مِن النّفط والغاز وإعطاء المُتآمرين بعض الفُتات مُقابل تواطئهم حتى تتضخّم مِلياراتهم المُحرّمة في البُنوك الخارجيّة.
سِلاح “حزب الله” المدعوم من الشرعيّة النيابيّة والرئاسيّة المُنتخبة، هو الذي يَحمِي الحُقوق النفطيّة والغازيّة اللبنانيّة، ويمنع التغوّل الإسرائيلي، وانتِهاكه للسيادة اللبنانيّة، ولهذا يُريدون نزعه في أسرعِ وقتٍ مُمكنٍ حتّى لو أدّت هذه الخطوة لدمار لبنان وإغراقه في حربٍ قد تكون أطول وأكثر دمارًا من الأُولى في مُنتصف السّبعينات.
إذا جرى تخيير الشعب اللّبناني بين الحرب أو الموت جُوعًا، فأنّه سيختار الأُولى مُكرَهًا، فهذا الشّعب، أو الشّرفاء منه، الذين يَقِفون في خندق المُقاومة، لا يخشى الحرب، وسيُدافع عن كرامته وسِيادته الوطنيّة، ولن يقبل بحُكومةٍ تُديرها السيّدة دوروثي شيا السّفيرة الأمريكيّة التي تضع دولتها المصالح والأطماع الإسرائيليّة فوق كُل الاعتِبارات.
***
خِتامًا نَجِد لزامًا علينا تحذير كُل الواقفين في الخندق الأمريكيّ الإسرائيليّ مِن أنٍ الزّمن تغيّر جذريًّا، فمَن يُحافظ اليوم على أمن لبنان وسِيادته وكرامته مِحور لبناني صِرف يقوده تحالف غير طائفيّ، يَضُم المسيحي جنبًا إلى جنبٍ مع شقيقه المُسلم مِن مُختلف المذاهب، مُضافًا إلى ذلك أنّ أمريكا وحُلفاءها اليوم، والإسرائيليين منهم خاصّةً، لَيسُوا بالقوّة التي كانوا عليها قبل ما يَقرُب مِن النّصف قرن عندما اشتعلت الحرب الأهليّة الأُولى، وتكتّل المُقاومة اللبنانيّة الهُويّة والانتِماء، أكثر قوّةً وأعمق خِبرةً، وأفتَك تسليحًا، وليس له أيّ وطن آخَر غير لبنان.
لبنان اليوم لن يكون مُحايِدًا ولا يجب، لأنّه ليس سويسرا، ولا هو عُضو في الاتّحاد الاسكندنافي، وأيّ مطالب في هذا الخُصوص تَعكِس جَهلًا مُتعمّدًا بالواقع بكُل تفاصيله، فأيّ حِياد هذا في ظِلّ تغوّلٍ أمريكيّ، وقانون قيصر ومُخطّط تجويعيّ، وجارٍ إسرائيليّ مُتعطّشٍ للهيمنة وسَفكِ الدّماء؟
نحنُ مع السّلام والتّعايش بين كُل مكوّنات النسيج اللّبناني، بشقّيه السياسي والاجتماعي، وتجنّب أيّ حرب بكُل الطّرق المُمكنة، ومهما كان الثّمن، لأنّ الكُل اللّبناني، دون استثناء، سيكون ضحيّة هذهِ الحرب في حالِ اشتِعال فتيلها، والحَكيم مَن اتّعظ بغيره، ونحنُ على ثقةٍ بأنّ عدد الحُكماء في لبنان أضعاف أضعاف أعداد الحمقى.. ونأمَل أن نكون مُصيبين.. واللُه أعلم.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً

 

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP