قبل 3 اسابیع
عبد الباري عطوان
44 قراءة

قصفٌ إسرائيليٌّ بالطّائرات والصّواريخ في قلبِ دمشق.. لماذا الآن

أن تقصف صواريخ الطّائرات الحربيّة الإسرائيليّة مبنى في قلبِ العاصمة السوريّة دمشق اليوم الخميس بذريعة أنّه يضمّ مكتبًا لحركة “الجهاد الإسلامي” فهذا يعني، وللوهلةِ الأولى، أنّ سورية وأيًّا كان يحكُمها، تُشَكّل خطرًا على دولة الاحتلال الإسرائيلي، فالأنظمة قد تتغيّر لكنّ الشّعب الأصيل باقٍ، والإرث السّياسي والعقائدي العربي والإسلامي عميق، ولم “ولن يتغيّر” والشّيء نفسه يُقال عن العدوّ أيضًا.
يسرائيل كاتس وزير الحرب الإسرائيلي كشف في بيان أذاعته هيئة البث الرسميّة يعكس هذه الاستراتيجيّة عندما قال “ريثما يتم تنظيم نشاط إرهابي ضدّ إسرائيل سيجد الجولاني الزعيم الإسلامي المُتطرّف طائرات سلاح الجو تُحلّق في السّماء وتُهاجم هذه الأهداف المُعادية”، وأضاف “لن نسمح لسورية أن تكون تهديدًا لدولة إسرائيل”.
أكثر ما يُقلق دولة الاحتلال ومُستوطنيها أن تتحوّل سورية إلى حاضنةٍ “عمليّةٍ” للمُقاومة العربيّة والإسلاميّة، تنطلق منها العمليّات الفدائيّة ضدّها في هذا العصر أو غيره، لأنّ احتِمالات تحوّلها إلى جبهةٍ مُقاومة ضدّ “إسرائيل” على غرارِ ما حدث في لبنان في السّبعينات والثّمانينات، وقبلها الأردن، ما زالت قويّة، فالشّعب السّوري يعتبر فِلسطين قضيّته، وامتداده الجُغرافي والعِرقي، وهذا ما يُفسّر رفضه، وقيادته لكُلّ أشكال التّطبيع مع العدو الإسرائيلي لأكثر من سبعين عامًا، فسورية الآن غابة سلاح ومُقاتلين أشدّاء، وهُناك حواليّ نصف مِليون منهم على درجةٍ عاليةٍ من التّدريب والجاهزيّة بانتظار لحظة الصّفر للانطِلاق لمُواجهة الاحتلال.

لسنا مع النظريّة التي تُروّج لها بعض وسائل الإعلام الإسرائيليّة التي تقول إنّ دولة الاحتلال تخشى تمدّد النّفوذ التركي في المِنطقة، ووصوله إلى الجنوب السّوري، وتأسيس حركات مُقاومة فِلسطينيّة إسلاميّة لمُحاربتها، لأنّ النّظام التركي الإسلامي الحالي ليس مُخَلَّدًا أوّلًا، وقد لا يُقيم في كرسي السُّلطة إلى الأبد ثانيًا، مُضافًا إلى ذلك أنّ تركيا لم تُقدّم للشّعب الفِلسطيني، وعلى مدى قرن بُندقيّةً واحدة، ولم تَخُضْ أي من الحُكومات المُتعاقبة، إسلاميّة كانت أو علمانيّة في أيّ حربٍ مُباشرة أو غير مُباشرة مع دولة الاحتلال ثالثًا.
“إسرائيل” تخشى سورية عربيّة كانت أو إسلاميّة، يساريّة أو يمينيّة، وهذا ما يُفسّر شنّها أكثر من 650 غارة جويّة لتدمير الطّائرات والمطارات والموانئ والسّفن الحربيّة، والدبّابات السوريّة ليلة سُقوط النظام السوري البعثي، ويوم الاثنين الماضي أغارت 22 طائرة حربيّة إسرائيليّة مُقاتلة على قواعد عسكريّة للنّظام السّابق جنوب سورية، تضم رادارات، وأجهزة استطلاع، وأسلحة ومعدّات ثقيلة تابعة للنّظام السّوري السّابق، تمهيدًا لإقامة مِنطقة عازلة منزوعة السّلاح في الجنوب السوري، لا تَبعُد عن العاصمة اكثر من 40 كم، لمنع أي جماعات مُسلّحة من الاقتراب من حُدودها، سواءً كانت تابعة للنّظام الحاكم أو مُعارضة له، وهذا احتلالٌ سافرٌ و”دائم”.
هذه الغارات الجويّة الإسرائيليّة سواءً استهدفت شِمال سورية، أو وسطها، أو جنوبها، هي الامتحان الحقيقي للنظام السوري الحالي في دمشق بقيادة هيئة تحرير الشّام، ورئيسها أحمد الشرع وحُلفائه، والانتقادات التي كانت تُوجّه للنّظام السّابق من قِبَل مُعارضيه بعدم الرّد على هذه الاعتِداءات الاستفزازيّة المُباشرة ستُوجّه للرئيس الشرع، مع فارقٍ أساسيٍّ أنّ النّظام السّابق كان يُواجه حِصارًا أمريكيًّا وغربيًّا وعربيًّا خانقًا، بينما يحظى النّظام الحالي بدعم ومُساندة جميع هؤلاء، وفوقهم روسيا، الذين احتفلوا بوصوله إلى السُّلطة، وفتحوا العواصم على مِصراعيها، لقيادته الزّائرة، وفرشوا لها السجّاد الأحمر.

البوصلة الحقيقيّة للكرامة العربيّة والإسلاميّة هي قضيّة فِلسطين العادلة، ومُؤشّرها الرئيسيّ يُشير إلى مُقاومة العدو الإسرائيلي، واحتِلاله للأرض والمُقدّسات.
أي نظام عربي، لا يُقاوم الاحتِلال، ويدعم المُقاومة الفِلسطينيّة التي أنجزت “طُوفان الأقصى” انتصار العصر، سواءً كان في سورية أو أيّ دولة عربيّة أُخرى، لن يعرف الأمن والاستقرار، إنْ عاجلًا أو آجلًا، مهما حظي بالدّعم من الاستِعمار الغربيّ وحُكوماته، أمّا العدو المُحتل، الذي يُواصل ارتكاب مجازر حرب الإبادة والتّطهير العِرقي، ويُعلن حرب التّجويع على أهلنا في قطاع غزة، فالعدّ التنازليّ لهزيمته الكُبرى قد بدأ، وبشَكلٍ مُتسارع.. والأيّام بيننا.


لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP