لماذا كشّر "بوتين" عن أنيابه؟
كشّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن أنيابه امس الاثنين عندما أعطى الأوامر لقوّاته بقَصفٍ صاروخيّ للبُنَى التحتيّة لعدّة مُدُنٍ أوكرانيّة من بينها كييف العاصمة كرَدٍّ فوريٍّ، ومُباشر، على هُجومٍ بالمُسيّرات على الأُسطول الروسي في شِبه جزيرة القِرم تُؤكّد موسكو أن الجيش الأوكراني يقف خلفه وبتَحريضٍ أمريكيّ.
الرئيس بوتين لم يَكتَفِ بهذا القصف الصّاروخيّ، بل زادَ عليه بالانسِحاب من اتفاقيّة نقل الحُبوب الأوكرانيّة من موانئ البحر الأسود إلى أجَلٍ غير مُسَمّى ممّا يعني وقف الصّادرات كُلِّيًّا، الأمر الذي سيُؤثّر بشَكلٍ سلبيّ على أكثر من مِئة مِليون إنسان في العالم على الأقل، عددٌ كبيرٌ منها من الدّول العربيّة خاصَّةً لبنان ومِصر لحُدوثِ عَجزٍ عالميٍّ بالإمدادِ أوّلًا، وارتِفاع أسعار الحُبوب أكثر ممّا هي مُرتفعة مُنذ بداية الحرب الأوكرانيّة.
شتاء أوكرانيا سيكون أكثر “جليديّة” من نُظرائه في دول شمال أوروبا، ليس للنّقص الحاد في الطّاقة، وإنّما لقصفِ بُناها التحتيّة أيضًا، الأمر الذي سيُحَوّل حياة أكثر من 44 مِليون أوكراني إلى جحيم.
دينيس شميهال رئيس الوزراء الأوكراني أكّد أن روسيا أطلقت 50 صاروخًا من الأنواعِ الدّقيقة دمّرت 18 مُنشأةً مُعظمها مُرتبطة بقِطاع الطّاقة في عَشْرِ مناطق ممّا أدّى إلى انقِطاعِ التيّار الكهربائي عن مِئات التجمّعات السكنيّة.
***
العاصمة كييف كانت أكثر المُدُن تضرّرًا، ولأوّل مرّة مُنذ بداية الحرب، حيث أشار ميتالي كليتشكو رئيس بلديّتها في مُؤتمرٍ صحافي أن المياه انقطعت عن 80 بالمِئة من المُستَهلكين، وأن الضّربات الروسيّة قطعت التيّار الكهربائي عن 350 ألف منزل، ولم يتم بثّ أيّ معلوماتٍ رسميّةٍ مُوثّقةٍ عن الأضرار في المُدنُ والمناطقِ الأُخرى.
من الواضح أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الغائب عن الأضواء هذه الأيّام، أساءَ تقدير غضب الرئيس الروسي، ورُدود فِعله عندما أقدم على الإيعاز لجيشه بقصف جسر القِرم المدنيّ أوّلًا، وألحقها بالهُجومِ على الأسطول الروسيّ المُرابِط فيها يوم أمْس الأوّل (السّبت) لأنّه بمِثل هذه الهجمات التي رأت فيها القِيادة الروسيّة استِفزازًا، وفّر الذّرائع لقصف البُنَى التحتيّة المدنيّة الأوكرانيّة مِثل محطّات الماء والكهرباء من قِبَل الجيش الروسي، ووقف الصّادرات الأوكرانيّة من الحُبوب التي تُوصَف بأنّها “بترول أوكرانيا”.
نهاية الحرب الأوكرانيّة باتت بعيدة المنال أكثر من أيّ وَقتٍ مضى، وضمّ روسيا للأقاليم الأربعة في شرق البِلاد باتَ يتكرّس يومًا بعد يوم، حيث أفادت بعض التّقارير البريطانيّة أن شركة فاغنر الروسيّة العسكريّة شِبْه الرسميّة بنت سُورًا إسمنتيًّا ضَخْمًا على طُول الحُدود مع أوكرانيا، وخندقًا عميقًا بعرض عدّة أمتار لمنع أيّ هُجوم بالدبّابات لاستِعادتها، ممّا يعني أن أبرز شُروط أيّ تسوية سياسيّة في المُستقبل يجب أن تعترف بهذا الضّم.
أوروبا مُنقسمةٌ تُجاه كيفيّة إدارة هذه الحرب وإنهائها بالتّالي، وبدأت فرنسا الرئيس ماكرون تقود تَمَرُّدًا ضدّ الهيمنة الأمريكيّة وتُطالب باستراتيجيّةٍ دفاعيّةٍ مُستقلّةٍ كُلِّيًّا عن واشنطن، ومِن المُؤكّد، ومع مقدم موسم الشّتاء رسميًّا في أوروبا يوم أمس الأحد، أن الاحتِجاجات الشعبيّة ستَعُمّ مُعظم العواصم في الأسابيع القليلة المُقبلة بعد تدهور الأحوال المعيشيّة وتفاقم التضخّم، وانهِيار العُملات والأسواق الماليّة.
***
الرئيس جو بايدن المسؤول الأكبر عن هذه الكارثة التي حلّت بأوكرانيا والقارّة الأوروبيّة عُمومًا، يقول إنّه لن يلتقي بالرئيس بوتين أثناء مُشاركته في قمّة الدّول العشرين القادمة في إندونيسيا، ممّا يعني استِمرار الغطرسة، والتمسّك بالحلّ العسكريّ، ممّا سيُؤدّي حتمًا إلى تفاقم هذه الحرب، وزيادة مُعاناة الشّعوب الأوروبيّة، وربّما العالم بأسْرِه أيضًا.
الرئيس بوتين استكمل التّعبئة العامّة الجُزئيّة لقوّات احتِياطِه، وشارك في حُضور مُناورات للدّفاعات النوويّة أجراها الجيش الروسي الأُسبوع الماضي تحوّطًا من تفجير أوكرانيا “قنبلة قذرة” تتسبّب في إشعاعاتٍ نوويّةٍ واتّهام روسيا بالوقوف خلفها، ولعَلّ زِيادة شِراء “حُبوب اليود” في روسيا المُضادّة للإشعاعات بمِقدار الضّعفَين مُؤشِّرًا إضافيًّا على أن كُلّ الخِيارات في هذه الحرب واردة، بِما في ذلك الخِيار النووي.. واللُه أعلم.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.