قبل 1 اسبوع
عبد الباري عطوان
38 قراءة

ترامب واعترافاته المتأخرة بالهزيمة في غزة!

في العالم الغربي الذي نعيش فيه منذ أكثر من اربعين عاما قضيناها في متابعة أهم ملفين بحكم المهنة، وهما الاعلام والسياسة، لا يوجد هناك شيء اسمه “الصدفة” او زلة لسان، فكل شيء محسوب بعناية فائقة، وبعد دراسة معمقة، وبإشراف الخبراء.
نسوق هذه المقدمة بعد اطلاعنا على التصريحات المفاجئة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أدلى بها في لقاء استمر ساعة مع محرر موقع “ذا ديلي كولر”، اعترف فيها “ان النفوذ الإسرائيلي في الكونغرس يتراجع بل انتهى، وان نسبة “الكراهية” لإسرائيل في أوساط الشباب الجمهوري في ارتفاع مضطرد، حيث ارتفعت من 35 بالمئة عام 2022 الى 50 بالمئة في آذار (مارس) الماضي” (في غضون 3 أعوام فقط).
ad
وأخطر ما جاء في اعتراف ترامب غير المسبوق تأكيده “ان إسرائيل كانت تملك أكبر واقوى لوبي في الكونغرس، والآن بعد 20 عاما لم يعد هذا اللوبي موجودا”، واختتم تصريحاته بالقول “لم تعد لهم السيطرة على الكونغرس، والناس نسوا 7 تشرين اول (أكتوبر)، وقد يربحون (أي الإسرائيليين) الحرب، ولكنهم لا يربحون العلاقات العامة”.
الرئيس ترامب أقدم على ترتيب هذا اللقاء الصحافي ليقول ما قاله، وبتوجيه من الدولة الامريكية العميقة، لانه اصبح يدرك ان سياساته في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية والتجويع في قطاع غزة باتت تعطي نتائج كارثية ليس على الداخل الأمريكي فقط، وانما في العالم بأسره، وتقويض وفضح كل ما يسمى بـ”القيم” التي تقوم على أسسها الحضارة الغربية المحصورة في الديمقراطية وحقوق الانسان، والحريات وأبرزها التعبير والتفكير.
نحن لا نثق بترامب الذي دشن وصوله للبيت الابيض برفع كل أشكال الحظر على صفقات الاسلحة والمعدات والذخائر المتطورة التي فرضها سلفه الديمقراطي جو بايدن الذي كان يتباهى بصهيونيته، ودعمه لدولة الاحتلال ومجازرها، فخلاف ترامب مع “معلمه” بنيامين نتنياهو محصور في فشل الأخير في تحقيق أي من اهداف الحرب على قطاع غزة، رغم مرور 23 شهرا على بدئها، وخاصة القضاء على المقاومة برئاسة كتائب القسام التي تزداد قوة وصلابة وصمودا، والترحيل القصري لأكثر من مليونين ونصف المليون من أهل غزة المزروعين في أرضهم.
“إسرائيل” باتت عبئا على الغالبية الساحقة من داعميها في الغرب، وتجاوزت كل الخطوط الأخلاقية والانسانية بكل الألوان، وألحقت بسبب العقلية الاجرامية المتغطرسة لقادتها الحاليين المنتخبين ديمقراطيا سلسلة من الكوارث نلخصها في النقاط التالية:
أثبتت حرب غزة، وبفضل رجال المقاومة، ان “إسرائيل” ليست “معصومة” من الهزيمة، رغم الدعم الأمريكي العسكري والمالي اللامحدود.
ثانيا: أحدثت حرب الإبادة التي تمارسها السلطات الإسرائيلية في قطاع غزة منذ “طوفان الأقصى”، حالة من الانقلاب في الداخل الامريكي يقوده الشباب، وعنوانه الأبرز سحب الثقة من النظام السياسي الأمريكي، الذي يرتكز على الثنائية الحزبية، أي الجمهوري والديمقراطي، والدعم المطلق لدولة الاحتلال وجرائمها في وقت تتراجع فيه الزعامة الامريكية امام خصوم جدد أكثر قوة وتقدما في جميع المجالات وخاصة الاقتصادية والتكنولوجية وحتى العسكرية.
ثالثا: إسرائيل قاعدة الغرب في الشرق الأوسط لم تعد آمنة، ودخلت مرحلة التفكك المتسارع في جميع المجالات، مما يعني ان خطة الغرب في التخلص من اليهود وأعبائهم وتصديرهم الى فلسطين المحتلة وإقامة دولة لهم على حساب العرب والمسلمين، تتآكل بسرعة، وبات أكثر من 8 ملايين صهيوني يشدون الرحال للعودة الى أوروبا وامريكا الام الجنون، ونلخص ذلك بالعبارة الشهيرة “بضاعتكم ردت اليكم”.
رابعا: مزقت الحرب في غزة كل الأقنعة عن وجه المشروع الصهيوني الحقيقي، وسحبت أهم ورقة في يد اليهودية العالمية الصهيونية وهي “احتكار المظلومية” والمتاجرة بورقة “معاداة السامية”، وابتزاز العالم بأسره من خلالها، فما فعلته من حرب إبادة وتجويع لأهل القطاع، وقتل أكثر من 64 ألف مدني تقريبا معظمهم من الاطفال والنساء، ووفق خطة معدة بشكل دقيق ومتعمدة، لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، وبما يفوق جرائم النازية حسب اعتقاد نسبة عالية في العالم، بما في ذلك بعض اليهود والناجين من محارق الهولوكوست”.
خامسا: عمليات الاغتيال لقيادات في لبنان واليمن وغزة، واعتبارها تفوقا وانتصار واختراقا امنيا يعني انصر لاسرائيل الهزيمة للعرب والمسلمين، اكذوبة كبيرة وان صدقت بعض جوانبها، فعلينا ان نتذكر ان أكبر اختراق استخباري لدولة الاحتلال نفذه رجال المقاومة في السابع من أكتوبر، عندما اخترقوا الحدود ووصلوا الى العمق الإسرائيلي، وقتلوا 1219 إسرائيليا واسروا 251 مستوطنا وعادوا الى غزة سالمين.
ترامب لا يدلي بمثل هذه التصريحات انطلاقا من حرصه على أهل قطاع غزة ووقف حرب الابادة، فجريمته لا تقل فداحة عن جرائم نتنياهو، وكل مجرمي الحرب المحيطين به، ويتحمل وبلاده المسؤولية الأكبر عن حرب الإبادة فهو لا يملك ضميرا حتى يتحرك او يندم، وانما يدلي بها من موقع الفاشل سياسيا واخلاقيا وانسانيا، ولا يمكن ان ننسى له عدم اعترافه مطلقا بأن ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي النازي هو حرب إبادة، وظل ينفي حتى كتابة هذه السطور حدوث حرب تجويع في قطاع غزة.
خسارة إسرائيل والصهيونية العالمية لا تتمثل في خسارتها لمعركة العلاقات العامة المزورة، وانما الحرب في القطاع وقريبا لبنان واليمن وايران، وكل الجبهات السبع التي تقاتل عليها، والمرشحة للتوسع في الأيام والأشهر المقبلة.
***
من أكبر الأخطاء التي ارتكبها نتنياهو اعتقاده، وخبراؤه، انه بممارسة حرب الإبادة والتجويع، واتباع نظرية “الصدمة والترويع” التي تعود ملكيتها الفكرية للرئيس جورج بوش (الاب) يمكن ان يفرض الاستسلام على حركات المقاومة وأهل قطاع غزة، وها هي الأيام التي يتجسد فيها صمود كتائب القسام وسرايا القدس الجهادية في اروع صوره وتفضح فشل هذه المخططات، وترتد هزائم على أصحابها، فنفس المقاومة طويل جدا، وصبرها بلا حدود.
ترامب هو الوحيد الذي يستطيع إيقاف هذه الحرب في غزة ومنذ اليوم الأول لمجيئه الى السلطة، ولكنه لم يفعل لأنه يقف في خندق معلمه نتنياهو ويتباهى بأنه أكثر رئيس امريكي خدم “إسرائيل”، وأثبت ميدانيا ان غباءه بلا حدود عندما اعتقد، ان نتنياهو وجيشه سيحسمون الحرب لصالحهم، وفي الأسابيع الأولى من بدئها.
المقاومة تقترب من الانتصار الكبير، و”إسرائيل” تقترب من الهزيمة العظمى على كل الجبهات السبع، واعتراف ترامب هذا هو نقطة البداية للعدّ التنازلي لها.. الأيام بيننا..

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة


إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP