هل ستتحول اسرائيل نحو الحلف الروسي الصيني و تترك امريكا؟
من كثرة إلحاح السّفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، جلعاد أردان، وتوسّلاته للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن برفع سمّاعة الهاتف والاتّصال ببنيامين نِتنياهو، رئيس وزرائه، أكّدت السيّدة جين بساكي المُتحدّثة باسم البيت الأبيض أمس أنّ الرئيس بايدن سيجعل من نِتنياهو أوّل رئيس يتّصل به في مِنطقة الشّرق الأوسط، ولكن دون أن تُحَدِّد أيّ موعد لهذا الاتّصال الذي قد يطول.
تَجاهُل بايدن لنِتنياهو، وعدم مُبادرته الاتّصال به رُغم مُرور ما يَقرُب من شهر مُنذ تولّيه السّلطة، أمرٌ غير مسبوق، أثار قلق الأخير، خاصّةً أنّه في حاجةٍ ماسّةٍ إليه لتوظيفه في خدمة حملته الانتخابيّة للفوز بالأغلبيّة في انتِخابات الكنيست التي من المُقرّر أن تجري في شهر آذار (مارس) المُقبل.
نِتنياهو اعترف بوجود خِلافات مع الرئيس الأمريكي الجديد، ولكنّه تحدّث في الوقتِ نفسه عن صداقةٍ تمتد لأكثر من عشرين عامًا، دُون أن يَكشِف عن هذه الخِلافات التي يَعرِفها جيّدًا، وأبرزها إهانته شخصًا، ورئيسه، باراك أوباما الذي عَمِل نائبًا له عندما تجاوزهما بشَكلٍ مُهين، وإلقى خِطابًا من خلف ظهرهما في الكونغرس ضدّ توقيع الاتّفاق النووي مع إيران الذي قال إنّه يُشَكِّل تهديدًا وجوديًّا لدولة إسرائيل، ووقف إلى جانب خصمه ترامب في الانتِخابات الرئاسيّة الأخيرة.
بايدن اعترف بأهميّة العُلاقات الاستراتيجيّة مع الدولة العبريّة، وأكّد في خِطابه الأوّل الذي ألقاهُ قبل عشرة أيّام على التِزام أمريكا بأمنِ إسرائيل، ودعمها بكُلّ الأسلحة اللّازمة للحِفاظ على تفوّقها العسكريّ، ولكن هذه التعهّدات شيء، وعدم الاتّصال بنِتنياهو “ملك إسرائيل” شيءٌ آخَر مُختلف تمامًا، بالإضافة إلى رَفْضِه تأييد السّيادة الإسرائيليّة على الجولان، وضمّ القدس، وتعهّد بالعودةِ إلى حلّ الدولتين رُغم صُعوبة تحقيقه حسب قوله، وجعل العودة إلى الاتّفاق النووي الإيراني قمّة أولويّاته.
***
أيوب قرة، عُضو الكنيست، ونائب الوزير السّابق في حُكومة الليكود، وهو “عربي” من أُصول درزيّة (لا يُمثّل الطّائفة الدرزيّة الكريمة العربيّة المُسلمة)، ربّما كان أكثر المُعبّرين عن مِحنَة نِتنياهو وقلقه، عندما هدّد في تغريدةٍ له على حسابه في “السوشيال ميديا” (التويتر) الولايات المتحدة بالتخلّي عنها كحليف إذا تراجعت إدارة بايدن عن اعتِرافها بالسّيادة الإسرائيليّة على هضبة الجولان السوريّة والعودة إلى الاتّفاق النووي الإيراني، واستِبدالها، أيّ الولايات المتحدة، بالصّين وروسيا، والانضِمام إلى حِلفهما المُضاد بدءًا بالمُضِي قُدمًا مع صفقة ميناء حيفا، وإحياء صفقة أسلحة بمليار دولار إلى الصين جرى إلغاؤها بطلبٍ أمريكيّ، وأرفق هذه التّغريدة بصُورةٍ تجمعه مع ديفيد فريدمان، السّفير الأمريكيّ السّابق المعروف بتطرّفه ووقوفه خلف قرار نقل السّفارة الأمريكيّة إلى القدس المحتلّة، والاعتِراف بالسّيادة الإسرائيليّة على هضبة الجولان، واتّفاقات التّطبيع الأخيرة بين إسرائيل وعدّة دول عربيّة.
تصريحات النائب قرة وتهديداته هذه تأتي أهميّتها بحُكم قُربه من نِتنياهو، وهيئة اتّخاذ القرار داخِل حزب الليكود اليميني العُنصري المُتطرّف، والحاكِم مُنذ أكثر من عشرين عامًا، مُضافًا إلى ذلك أنّها المرّة الأُولى التي تَصدُر مِثل هذه التّهديدات عن مسؤولٍ أو نائب في هذا الحزب، الأمر الذي جعل كثيرون يعتقدون أنّه ربّما كان نِتنياهو شخصيًّا هو الذي يَقِف خلفها.
إنّها عمليّة “ابتِزاز” مكشوفة، خاصّةً أنها تأتي في تزامنٍ مع تحذيرات أطلقها بايدن لكُل من الصين وروسيا حذّر فيها الأولى (الصين) بأنّها ستدفع ثمنًا باهظًا من جرّاء انتِهاكها لحُقوق الإنسان، مُؤكّدًا “على التِزام بلاده ودورها العالمي في الدّفاع عن حُقوق الإنسان”، ومُهَدِّدًا الثّانية، أيّ روسيا، بأنّ “أيّام تراجُع أمريكا أمام روسيا وسِياساتها العُدوانيّة وتدخّلاتها في الانتِخابات الأمريكيّة، وهجماتها السبرانيّة وتسميمها للمُواطنين قد وَلّت”.
أن يَنقُل نِتنياهو البُندقيّة من الكَتِف الأيمن إلى الأيسر ليس مُفاجِئًا إذا ما تأمّلنا الأدبيّات والمواقف الصهيونيّة على مدى القرن الماضي، فرُغم أنّ الاتّحاد السوفييتي كان من أوائل المُعترفين بدولة إسرائيل في الأمم المتحدة والسّاعين إلى قِيامها، إلا أنّ الحركة الصهيونيّة في حينها انحازت إلى الولايات المتحدة، ووقفت في خندقها، والغرب عُمومًا، في مُواجهة الكُتلة الاشتراكيّة، ولهذا لا نَستغرِب إذا ما مارست “إسرائيل” السّياسة نفسها، وتخلّت عن حليفها التّقليدي الولايات المتحدة، وانضمّت إلى التّحالف الصّيني الروسي الذي يُشَكِّل نُواةَ التّحالف الاقتصادي العسكري الأقوى في السّنوات المُقبلة.
***
السّؤال المُهم في هذا الإطار هو عمّا إذا كانت أمريكا التي ضخّت مِئات المِليارات ومعها دول أوروبيّة لبقاء إسرائيل واستِمرارها، ودعمتها في حُروب كادت أن تخسرها، وجعلت منها قوّةً نوويّةً، ستقبل بسِياسة الابتِزاز واللّعب على الحِبال هذه، والسّماح لها، أيّ إسرائيل، بالوقوف في الخندق الآخَر المُعادي المُقابل؟ ثمّ هل تقبل روسيا والصين بهذا العِبء الاستِراتيجي الضّخم على عاتِقهُما، وتَخسَران بالتّالي العالمين العربيّ والإسلاميّ الحليفين؟
لا نملك إجابةً على هذين السّؤالين، وكُل ما يتفرّع عنهما من علاماتِ استِفهام، ولكن ما نستطيع رصده من جرّاء قراءة ما بين سُطور تغريدات السيّد القرة، واستِجداءات المندوب الإسرائيلي للرئيس بايدن لمُهاتفة رئيسه نِتنياهو، أنّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي تعيش أزمةً وجوديّةً مُقلِقَةً فِعلًا، بسبب مقدم إدارة أمريكيّة جديدة تضع الأولويّة لاستِعادة هيبة أمريكا وقِيادتها، وتقليص الخسائر الكُبرى التي ترتّبت على أربعِ سنوات من حُكم إدارة ترامب الصهيونيّة العُنصريّة المُتهوّرة.
خِتامًا، لا يُمكِن تَجاهُل المُتغيّرات الاستراتيجيّة التي طرأت على مِنطقة الشّرق الأوسط، وأبرزها صُعود محور المُقاومة، وامتِلاكه الرّدع الصّاروخي الاستِراتيجي، وأذرع عسكريّة ضاربة تُحيط بإسرائيل من ثلاثِ جوانب، الشّرق والشّمال والجنوب، وربّما قريبًا الغرب حيث البحر المتوسّط، بالغوّاصات والزّوارق السّريعة، ومِنصّات الصّواريخ تحت الماء.. واللُه أعلم.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً