حقيقة أسم مدينة كركوك
لقد كانت مدينة كركوك ذات أهمية كبيرة في التاريخ القديم لموقعها الستراتيجي وأهميتها الدينية والأقتصادية والتجارية والعسكرية فهي في موقع وسط بين أقليم السهل والجبل ولهذه الأسباب مجتمعة ومنذ القدم كانت تعتبر عاصمة أقليم شمال سومر,وأستمرت كذلك لقرون طويلة, ولكن هذه الأهمية تراجعت فيما بعد وخصوصا بعد سقوط بغداد بيد المغول في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي
لقد كانت كركوك عام 1535 ميلادية عبارة عن القلعة الموجودة فيها فقط، باعتبارها الحي السكاني الوحيد فيها. وتظهر الوثائق التي تعود إلى 1548 أن المدينة مؤلفة من 145 دارا تقطنها العوائل و23 دارا يقطنها العزاب. ويعود أقدم مصدر تاريخي للطابع السكاني للمدينة إلى القرن الثالث عشر الميلادي. ويرد في نص أخر يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر بأن كركوك عبارة عن قلعة تقع فوق ارض منبسطة، وان المدينة برمتها تقع داخل أسوار القلعة. وقد ذكر الرحالة الفرنسي سينبور حينما وصف القلعة، عند زيارته لها عام 1766 بأنها عبارة عن بيوت قليلة متناثرة على سفح تل. وذكر الرحالة البريطاني كلوديس جيمس ريش انطباعاته عن المدينة التي زارها عام 1820 وزار القلعة التي ذكر أن ثمة أحياء سكنية خارج أسوارها. وذكر أيضا الرحالة البريطاني بوكينغام الذي زار المدينة عام 1822 بأنها مؤلفة من ثلاثة أقسام رئيسية، وأن الجزء الرئيسي يقع في الحي القائم في القلعة، ويبلغ عدد سكانها 5 أو ستة ألاف نسمة. ويؤيد هذا الرأي رحلة المنشي البغدادي، التي وصف فيها كركوك بأنها مدينة جميلة، واقعة على ربض مرتفع يبلغ عدد بيوتها الألف بيتا. وهذا دليل على أن المدينة بمرور الزمن بدأت تتوسع في إنتشار البيوت خارج أسوار القلعة.
آراء مختلفة عن أصل التسمية
قيل بأن اسم كركوك جاء من اسم (كركر) في حين أن نظرية أخرى تنص على ان تسمية كركوك جائت من الكلمة التي إستخدمها الآشوريون وهي كرخاد بيت سلوخ التي تعني المدينة المحصنة بجدار بينما تشير أقدم سجلات الألواح الطينية المكتوبة بالخط المسماري التي عثر عليها بالصدفة سنة 1927 في قلعة كركوك إلى ان قلعة كيرخي (كرخا / قلعة) كانت تقع في آررابخا (عرفة) . وهناك فرضية تستند على كتابات المؤرخ اليوناني القديم بلوتارخ حيث يذكر بلوتارخ أنه عندما قطعت القوات المقدونية البادية في سوريا وعبرت نهر دجلة في 331 ق.م. أتجه الإسكندر الأكبر بعد معركته المشهورة مع داريوش الثالث نحو بابل عن طريق ارابخي او اررابخا (عرفة) حيث أصلح قلعتها، أي قلعة كركوك. وأضاف الكاتب اليوناني بلوتارخ ان على ارض ارباخي (أي كركوك) تشاهد نيران مشتعلة دائمة وتغطيها انهار من النفط . اما موقع بابا كركر فقد اورد بلوتارخ اسمه بصيغة كوركورا. عرفت مدينة كركوك في عهد الساسانيين بكرمكان والتي تعني الارض الحارة الذي تحول إلى جرمقان أو جرميق في العربية و كرميان بالكردية. ويعتقد التركمان أن المدينة سميت بكركوك لاول مرة في عهد دولة قرة قويونلو حيث اشتقت اسم المدينة من كلمة كرك التي تعني الجمال بالتركية القديمة.وهنالك رأي بأن كلمة كركوك هي اختصار لكلمة كاركلوك مؤخودة من كلمة قارقلوك التوركمانية اسم لاحد افخاذ قبيلة قفجاق التوركمانية التي اسست امارة قفجاق في كركوك.في حين يرى الدكتور مصطفى جواد إن اجتماع ثلاث كافات في هذا الاسم من الأمور النادرة من حيث الحروف وتركيبه اللفظي، وهذا ما يدل على انه من الأسماء السامية الآرية أى الآرامية، ويقول أيضا إن هذه الصورة اللفظية قريبة من كلمة الكرخ السامية أيضا وكلتاهما تدل على الحصن أو القلعة. ويطلق على كركوك اسم كرخينى أيضا. وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي المتوفى عام 1228 ميلادية (كرخينى بكسر الخاء المعجمة ثم باء ساكنة ونون وياء.إن هناك من يعتقد إن اسم كركوك جاء من السومرية، بمعنى العمل العظيم فكار تعني عمل وكوك عظيم أي أن أسمها العمل العظيم ولكن هذه التسمية ومعناها ضعيفة التأويل وليس لها دلالة تطابق الحقيقة اذ كانت كلاكوك حينئذ مجرد قرية صغيرة .أما في زمن الملك سرجون الأكدي فقد كان لها أسم ثاني هو أريخا.وبسبب وجود النار الأزلية تحولت هذه المدينة إلى مركز لعبادة الإله (حدد) السامي. وتشير التنقيبات الأثرية إن منطقة عرفة في كركوك هي مدينة مقدسة لدى الملوك العراقيين القدماء، لأنها مدينة الآلهة، واتخذت معبدا مقدسا تقدم فيه قرابين الطاعة والغفران.ويرى الأثريان العراقيان باقر طه وفؤاد سفر ( ويعاضدهما الدكتور جمال رشيد) بأن اسم كركوك له صلة بكلمة ( كركر ).أما الأستاذ كريم زه ند فإنه يرى أنه في حدود القرن السادس قبل الميلاد أطلق على المدينة إسم كاركوك من قبل الأهالي وهذه الكلمة كانت متداولة أيام السومريين ، وهي في الأصل متكونة من ( كار ) بمعنى العمل و ( كوك ) أي الشديد والمنتظم أو العظيم ,لكن العلامة توفيق وهبي يرى ، بأن إسم كركوك الحالي مشتق من ( كرك ـ القلعة ). أما الباحث ش باشالار فيقول أن كلمة كركوك ليس لها اي مضّمون في اللغات العربية، الفارسية او الكرديةْ, وأقرب المفردات إلى كلمة كركوك هي كركلوك و كوركلوك في اللغة التركمانية. كركلوك تعني ألحجل و كوركلوك تعني الجمال. كوركلوك تعني ايضا المكان القيّم والجدير بالرؤيا
كركوك مدينة سومرية رسما وأسما
رغم الأختلاف بوجهات النظر في أصل الأسم لكن هنالك أتفاق بأن المدينة جذورها تعود الى مرحلة تاريخية موغلة بالقدم ذلك ان تاريخ مدينة كركوك يعود الى الالفيّة ألثالثة قبل الميلاد, ففي عام ۱۹٤٨ و اثناء التحرّيات الاثريّة وجِدت ادوات نحاسية وتمثال عجل في أطراف منطقة العرفة او كركوك ألجديدة تشير بان تاريخ المدينة يرجع الى القرن السادس والعشرون قبل الميلاد في العصر ألسومري .بعد تقييم الآراء أتجهت بنا بوصلة البحث عن أصل التسمية تجاه اللغة السومرية, فنحن نعتقد بأن أسم كركوك ليس أسما حديثا كما يدعي البعض وإنما هو أسم المدينة الأصلي الذي أستمر عبر العصور بالرغم مما طرأ عليه من أختزال وأنه ليس له علاقة بأسم بابا كركر المنطقة القريبة الواقعة للغرب من المدينة والتى تقع على رأس ممر جبلي, وما لهذا الموقع من علاقة في أصل التسمية ببابا كركر, فالممر هذا يفضي نحو الشمال الى أقليم الجبال فهو إذن (بوابة الجبال) والتسمية ببابا كركر تنطبق على المضمون وهي تسمية على مايبدو من الفترة السومرية الثانية ,مرحلة دخول مفردات أكدية في اللغة السومرية فنجد كلمة (بابا) وتعني باب وتعقبها كلمة (كركر) وتعني جبال ذلك أن تكرار مفردة كر التي تعني جبل مرتين تفيد الجمع . كلمة بابا في اللغة السومرية أيضا موجودة في أسطورة كيل كامش(قيل خامس) في أسم حارس الغابة (خم بابا) فمفردة خم تعني العسة والحراسة وبابا الباب أي أن أسمه (حارس الباب) والمقصود باب الغابة ,ولكن هنالك إحتمال ثاني هو أن منطقة بابا كركر كما سميت على عهد المؤرخ اليوناني بلوتارخ ب(كوركورا) من دون بابا, قد تعني جبل النار على أساس أن مفردة كور تساوي جبل ومفردة كورا النار الوقادة وفي هذه الحالة تكون بابا كر كر تعني بوابة النار الوقادة أي بصورة أخرى بوابة جهنم .أما بالنسبة للقول بأن كركوك جاء من كرخاد الآشورية وكرخا الآرامية أو كرخ السامية أو كرخيني فغير مقنع وبعيد عن مفردة كركوك ,وحتى كلمة كرك التي تعني قلعة لاتفي تماما بالغرض لأنها تغطي نصف كلمة كركوك فقط وتترك بقية الأسم أي أوك.بالنسبة لكل من التسميات الساسانية(كرمكان) أو التركمانية(قارقلوك ,كاركلوك)فالأولى بعيدة والثانية أقرب ولكنها تسمية حديثة نسبيا تعود لبداية القرن الثاني عشر الميلادي وتبدأ بكار وليس بكر كما في كركوك,وهو نفس الشيئ بالنسبة للرأي القائل بأن أسم كركوك جاء من التسمية السومرية (كاركوك) كار, العمل وكوك ,العظيم,وهو ما لاينطبق على المضمون إذ ما هو المراد بهذا العمل العظيم؟ وهل يمكن أطلاق مثل هذا الأسم على مدينة؟ أما ما يطرحه باشالار بأن التسمية جائت من التركمانية ,كركلوك وكوركلوك والأولى تعني الحجل والثانية الجمال ومع أنهما قريبتان نوعا ما ولكنهما حديثتان نسبيا فالتركمان في كركوك يرجع تاريخهم لتاريخ السلاجقة في المدينة أي بداية القرن الثاني عشر ومدينة كركوك تعود للقرن السادس والعشرون قبل الميلاد ولابد أنه كان لها أسم قبل قدوم التركمان أليها فأسماء المدن لاتمحى بسهولة.بالنهاية نحن نرى أن أصل التسمية هي سومرية أصيلة وهي (كركوككيو) مكونة من مقطعين مدمجين الأول كر والثاني كوككيو فأما الأول فيعني قرية أو المكان ففي السومرية مفردة (كي ) و(كر)تعني موقع و تجدها في مفردة (كي بالاء )السومرية أي قرية البلاء السومرية التي أصبحت فيما بعد مدينة كربلاء, ومن كر هذه تطورت في العربية مفردات قر وقرية ومقر …,وأما كوككيو فتعني قاتم أو معتم , أي بالمحصلة القرية المعتمة(أنظر قاموس السومرية ل جون أ .هالوران) ,ربما بسبب دخان وسخام النفط الأسود المحترق على مقربة من المدينة, ثم بعد ذلك أختصرت التسمية بالتقادم لتصبح كركوك بعد حذف الملحقة (كيو) الثقيلة اللفظ