اليمن على قائمة الإرهاب.. كيف احتفل اليمن بهذه “الخطوة المُشرّفة”
احتفل اليمنيّون أمس واليوم بالإعلان الأمريكي “بتفعيل” قرار وضع بلادهم على قائمة الإرهاب بقصف ناقلة نفط بريطانية كانت في طريقها إلى حيفا، عبر قناة السويس، تمسّكًا بموقفهم الصّلب بدعم أشقّائهم الذين يُواجهون التّجويع وحرب الإبادة في قطاع غزة.
السيّد مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى لحركة “أنصار الله” أكّد في الكلمة التي ألقاها في مُظاهراتٍ مِليونيّة في مُختلف أنحاء اليمن يوم أمس الجمعة “أن الحركة لن تتراجع عن موقفها في نُصرة قطاع غزة، وأهله، مهما كانت التحدّيات والنّتائج، ويأتي هذا الموقف من مُنطلقٍ أخلاقيٍّ، وإيمانيٍّ، وقيميّ، لن نتراجع عنه، ومن يعتدي على بلادنا سيواجه بالرّد مهما كانت النتائج”.
عندما سألنا أحد المسؤولين اليمنيين في حُكومة صنعاء عن ردّة فِعله الأولى على هذا القرار الأمريكي بوضع بلاده على قائمة الإرهاب، قال ساخِرًا “إن هذا الموقف الأمريكي أتفه من أن ننشغل بالرّد عليه، تمامًا مثلما تجاهلناه في المرّة الأولى قبل بضعة أعوام، واضْطُرّت الإدارة الأمريكيّة إلى إلغائه خوفًا ورُعبًا، فأمريكا التي ترتكب حرب إبادة في قطاع غزة أدّت إلى استِشهادِ 28858 شهيدا، وإصابة مئة ألف آخِرين هي الإرهاب في حدّ ذاته، ونحنُ ربّما نكون الوحيدين في العالَمين العربي والإسلامي الذين نُحاربها وجهًا لوجه، ونثأر لأشقّائنا في قطاع غزة، والأيّام القادمة ستكون حافلة بالمُفاجآت”.
ما قاله هذا المسؤول الذي تمنّى علينا أن لا نذكر اسمه ليس جُبنًا، وإنّما لأنّه يبتعد عن الظّهور الإعلامي، يُلخّص مشاعر كُل أبناء الشعب اليمني تقريبًا، فقد يختلف اليمنيّون على أشياءٍ كثيرة، داخليّة وخارجيّة، ولكن عندما يتعلّق الأمر بقضيّة فِلسطين، والعُدوان الإسرائيلي- الأمريكي المُشترك على غزة فإنّهم يقفون في خندقٍ واحد في مُواجهة هذا العُدوان، ويضعون كُل خِلافاتهم جانبًا.
اليمنيّون الخارجون من حربٍ دمويّةٍ استمرّت أكثر من ثمانية أعوام ربّما هُم الوحيدون من بين العرب الذين لا يخافون أمريكا، ولا طائراتها وأساطيلها وقوّاتها، لأنّ كلمة “الخوف” هذه غير موجودة أساسًا في قاموسهم، ولهذا هزموا، وعلى مرّ التّاريخ جميع من اعتدى عليهم دُونَ أيّ استثناء.
هذه المُواجهة التي تجري في البحر الأحمر بين حُكومة صنعاء وقوّاتها البحريّة، والتّحالف الأمريكي البريطاني الذي يضم ثماني دُول أُخرى، كلّفت الاقتصاد الغربي، والإسرائيلي على رأسه، عشَرات، إن لم يكن مِئات المِليارات من الدّولارات، إذا وضعنا في اعتِبارنا أن 15 بالمِئة من التّجارة الدوليّة و85 بالمِئة من التّجارة الإسرائيليّة تمرّ عبر هذا البحر، ومضيق باب المندب.
من المُؤلم بالنّسبة إلينا كعربٍ ومُسلمين أن تُسارع دُول عربيّة إلى إجهاض هذا الإنجاز اليمني الكبير المُعَمّد بالدّم والتّضحية والكرامة، بإقامة جسر برّي يمتدّ من الهند مُرورًا بالإمارات والسعوديّة والأردن، وصولًا إلى حيفا، لتعويض دولة الاحتِلال عن منع سُفنها وبضائعها من المُرور في مِياه البحر الأحمر، الأمر الذي يُظهر الفارق الأخلاقيّ والوطنيّ والقيميّ الضّخم بين هذه الدّول “العربيّة” المُتواطئة مع المجازر وحرب التّطهير العِرقي في غزة، وبين الشّعب اليمني وقِيادته التي تقف في خندق أهلنا في قطاع غزة المُواجهة لها.
وضع أمريكا لليمن على قائمة الإرهاب سيُعطي نتائج عكسيّة حتمًا، فجميع الدّول، والمُنظّمات، التي سبقت اليمن بالتشرّف بالوضع على هذه القائمة العُنصريّة الإرهابيّة الأمريكيّة خرجوا منها مُنتصرين بتسخيرها وتوظيفها بالاعتِماد على النّفس، وتصعيد المُقاومة، وتطويرها قُدراتها الذاتيّة العسكريّة والاقتصاديّة، ولنا في إيران المِثال الأبرز في هذا المِضمار.
اليمن سينتصر وسيخرج من هذه القائمة الإرهابيّة مرفوع الرّأس مثلما خرج منها في المرّة الأولى، وستدفع الولايات المتحدة وحُلفاؤها ثمنًا باهظًا لوقوفهم في خندق العُدوان الإسرائيلي على الأشقّاء المُجوّعين المُحاصَرين في القِطاع الصّامد المُدافع عن كرامة ومُقدّسات أُمّة لم تعد تعرف ما معنى الكرامة، وعزّة النفس، والسّيادة والإباء.
نحمد الله أن هُناك شُرفاء ومُقاتلين شُجعان يتسابقون على الشّهادة في هذه الأمّة، وعلى رأسِهم أهلنا في اليمن لا يهابون أمريكا والغرب الاستِعماري، وليسوا “مضبوعين” من “إسرائيل” مِثل الغالبيّة السّاحقة من الحُكومات العربيّة الأُخرى، ولهذا سيكون هؤلاء الشّرفاء أوّل المُحتَفِلين بالنّصر مع أشقّائهم في الضفّة وغزة وكُل جبهات المُقاومة الأُخرى في لبنان والعِراق وسورية بإذنِ الله.. والأيّام بيننا.