عواقب حماقات نتنياهو
وجّهت إسرائيل خلال الأيّام الثّلاثة الماضية تَهديدين على درجةٍ كبيرةٍ من الخُطورة، لا نَعتقد أنّها ستَجرؤ على تَنفيذ أيٍّ مُنهما لأنها تُدرك جيّدًا أنّها ستَدفع ثَمنًا باهظًا ربّما يَكون عُنوانه الرّئيسي وجودها في المِنطقة.
التّهديد الأوّل: كَشَفَ عنه إيهود يعاري، مُحلّل الشؤون العَربيّة في القناة الثانية الإسرائيليّة، والمُقرّب من الجِهات العَسكريّة والأمنيّة والسياسيّة، عندما قال أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، بَعثَ برسالةٍ إلى الرئيس السوري بشار الأسد، عبر طَرفٍ ثالث، مَفادُها أنّه ونِظامه في خَطرٍ إذا سَمح لإيران بإقامةِ قواعد عسكريّة على أرضِ بِلاده، وسيَدفع إسرائيل إلى التخلّي عن سياسة “عدم التدخّل” التي اتّبعتها مُنذ بِداية الأزمة السوريّة عام 2011.
التّهديد الثاني: أماطَ اللّثام عنه الجِنرال غيرشون هكوهين، ويُؤكّد أن الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة تُخطّط لاغتيال اللواء قاسم سليماني، رئيس “فَيلق القُدس″ في الحَرس الثّوري الإيراني.
***
إيران لا تَحتاج إلى إقامةِ قواعد عَسكريّة لها في سورية، وإن احتاجت فلَنْ تُعير اهتمامًا لمِثْل هذهِ التّهديدات، والحَال نفسه يَنطبق على السّلطات السوريّة، فالتّحالف القائم بينها وبين دِمشق تحالفٌ استراتيجيٌّ صَلبْ، والقوّات الإيرانيّة تتواجَد على الأرض السوريّة مُنذ سَبعِ سنوات، وخاضت المَعارك دِفاعًا عن النّظام في مُواجهة أكثر من ألفِ تنظيمٍ مُسلّح مَدعومٍ أمريكيًّا وعَربيًّا طِوال السّنوات السّبع الماضية، وخَسِرت المِئات، إن لمْ يَكن الآلاف، من ضُبّاطِها وجُنودِها في هذهِ المَعارك والمُواجهات، مُضافًا إلى ذلك ضَخّت المِليارات في قنواتِ الاقتصاد السّوري لمَنْعِ انهياره، وحَقّقت نجاحًا كبيرًا في المَجالين.
إذا أرادت إيران فِعلاً إقامةَ قواعدَ عَسكريّةٍ فلَن تَجِد غير التّرحيب الواسع، بالطّريقة نَفسِها التي جَرى فيها التّرحيب بقاعدة “حميم” الروسيّة في اللاذقية، فليس هُناك تَحالفاتٍ “مَجانيّةٍ” ومن اتجاهٍ واحد، وعَبّر سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الرّوسي، عن هذهِ المَسألة في أحد مُؤتمراتِه الصحافيّة الأخيرة بقَوله “التّواجد العَسكري الإيراني في سورية تواجدٌ شرعيٌّ وقانونيٌّ لأّنه تَمّ بمُوافقةِ الحُكومة الشرعيّة السوريّة”.
نتنياهو قَلِقٌ من تَنامي التّحالف الإيراني السوري المَسنود بقوّات “حزب الله”، ويَعتبره تَهديدًا استراتيجيًّا للأمن القومي الإسرائيلي، لأن القوّات الإيرانيّة باتت على حُدوده أوّلاً من الشمال ومن الشرق، ولأنّه، أي التّحالف، باتَ يَملِكُ خِبرةً عَسكريّةً عاليةً جدًّا على صَعيد الحَرب التقليديّة، أي الجُيوش النظاميّة، أو عن طريق حَرب العِصابات ثانيًا، وصَبَرَ طَويلاً على الاستفزازات الإسرائيليّة، وجاء وقت الرّد ثالثًا.
أمّا إذا تناوَلنا التّهديد الثّاني، أي اغتيال الجنرال سليماني على أيدي خليّةٍ لجِهاز “الموساد”، فإن هذا الاغتيال غير مُستبعد، لأن هذا الرّجل دَوّخ إسرائيل وعُملائها في الدّاخل والخارج، وهَزم حُلفاءها في كُردستان العٍراق، وأسّس قوّات “الحشد الشعبي” العِراقي، وسَلّحها ودَرّبها، وحَوّلها إلى قوّةٍ ضاربة، وهي القواعد غير تقليديّة مُوازية للجَيش العِراقي، وباتت تُحاكي نَموذج “حزب الله” في لبنان، وجَماعة “أنصار الله” في اليمن، وحَركتيّ “حماس″ و”الجِهاد الإسلامي” في فِلسطين المُحتلّة، فزَمن الجُيوش الكلاسيكيّة التي تَهربْ من أوّل غارةٍ جويّةٍ انتهى إلى غَيرِ رَجعة.
إقدام أجهزة الأمن الإسرائيليّة على حملة اغتيالات ضِد إيران وقادَتِها وحُلفائها، ربّما تَنعكس دمارًا عليها، لأنّها ستَجعل سَفاراتها ووفودها وقِيادَاتِها ومَصالِحها، هَدفًا لأعمال اغتيالٍ انتقاميّة في جميع أنحاء العالم، وإسرائيل في هذهِ الحالة لن تُواجه إيران وَحدها، وإنّما العَديد من الحَركات المُتضامنة مَعها، في العِراق ولبنان وفِلسطين أيضًا، فهل تَستطيع إسرائيل الخُروج مُنتصرةً في هذهِ الحَرب إذا ما تَجرّأت على إشعالِ فَتيلِها؟
صحيح أن إسرائيل اغتالت، عَبرَ عُملائِها، بعضَ عُلماء الذرّة الإيرانيين، وكذلك بعض قِيادات “حزب الله” مثل الحاج عماد مغنية، وسمير القنطار، وجهاد مغنية، وبَعض قادَتِها المَيدانيين الآخرين، ولكن الرّد عليها ربّما لم يَكُن أولويّةً بسببِ انشغالِ هذا المِحور في الأزمة السوريّة وأعطائها الأولويّة المُطلقة، أمّا الآن، وبعد أن اقتربت هذهِ الأزمة من نهايَتِها، فإنّ الوَضع قد يَتغيّر تَغييرًا جَذريًّا.
***
نتنياهو قَلِقٌ من التهديدات الإيرانيّة الوجوديّة لكَيانِه، مِثلما هو قَلِقٌ من تزايدِ قوّةِ “حزب الله” العَسكريّة والسياسيّة والعلاقة التحالفيّة الوثيقة مع حركة “حماس″ و”الجِهاد” في فِلسطين المُحتلّة، ولا نَستبعد أن يُقدم على “حماقةٍ ما” خاصّةً أن حبل الفَساد يَشتدْ حول عُنقه، ولكن هذهِ “الحَماقة” قد تُلحِق به وإسرائيل هزيمةً قاسيةً لن تَفوق مِنها مُطلقًا، وإن أفاقت ستكون مُنهكة ضَعيفة، مَنزوعة الهَيبة والكرامة والقوّة، وستَعتمد في بِقائها على قِوىً خارجيّة تمامًا، مِثلما هو حال ألمانيا بعد الحَرب العالميّة الثانية.
سَيَظلُّ نتنياهو يُهدّد من الخَطر الإيراني، وربّما حُلفاءه العَرب الجُدد ويُثلج صُدورهم، ولكنّه لن يَجرؤ على تَنفيذ تَهديداتِه هذه، لأنّه يَعرف ما يَنتظره، من صواريخٍ وحَربْ عِصابات شاملة، وطائراتٍ بدونِ طيّار مُفخّخة، وعشراتِ الآلاف من المُقاتلين الذين يَحملون أكفانهم على أكتافِهِم، طَلبًا للشّهادة في “أُم المَعارك” الحَقيقيّة.