هل كسبت بكين الحرب التجارية بالضربة القاضية؟
كشفت شبكة “سي ان ان” الإخبارية يوم امس إتخاذ وزارة الحرب الامريكية (البنتاغون) قرارا من حيث المبدأ بتزويد أوكرانيا بصواريخ “توماهوك” بعيدة المدى الأمر الذي يمكنها من ضرب اهداف عسكرية في العمق الروسي، بما في ذلك العاصمة موسكو، واذا جرى ترجمة هذا القرار عمليا، وحصل الجيش الاوكراني على هذا النوع من الصواريخ، فإن المواجهة العسكرية، وربما النووية، باتت تقترب بسرعة بين أمريكا وروسيا.
هذا التصعيد الأمريكي جاء بعد لقاء القمة بين الرئيس ترامب ونظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث طالب الأخير بدعم عسكري نوعي يؤدي الى تغيير معادلة الحرب على الأرض في أوكرانيا، ويبدو ان وزارة الحرب الامريكية تتجاوب مع هذا الطلب، وأعلنت انها تستطيع تقديم 1500 صاروخ “توماهوك” دون ان يتأثر مخزونها منها.
***
وصول صواريخ “توماهوك” الى الجيش الاوكراني يعني نقل الحرب بالنسبة الى أوكرانيا من المستوى الدفاعي الى الهجومي البعيد المدى، ولهذا السبب سارع ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي الى التحذير من حدوث نتائج كارثية على الجميع، أي امريكا والدول الأوروبية وليس أوكرانيا فقط، في تلميح مباشر للحرب النووية، ولعل قرار الرئيس ترامب بالعودة الى استئناف التجارب النووية بعد تجميد استمر لعشرات السنوات، هو أحد أبرز الاستعدادات لمواجهة مثل هذا الاحتمال اذا ما استمرت القطيعة بين “الصديقين” السابقين، أي ترامب وبوتين.
التلويح بتقديم 1500 صاروخ “توماهوك” لأوكرانيا من قبل وزارة الحرب الامريكية جاء ردا سريعا على إعلان الرئيس بوتين شخصيا عن تطوير الصناعة العسكرية لبلاده، صاروخ “بوريفيستنيك” او “نذير العاصفة” المزود بمحرك نووي ويستطيع قطع مسافة 14 الف كيلومتر في 15 دقيقة، ومجهز بأنظمة تمكنه من إجتياز كل الرادارات والتحليق المتواصل لمدة 15 ساعة، ولا يوجد أي مثيل له في أمريكا والغرب حتى الآن.
صحيح ان صاروخ “توماهوك” درة التاج في الصناعة العسكرية الامريكية يتراوح مداه بين 1600 الى 2500 كيلومتر، ويصل وزنه 450 كيلوغراما، ويحلق على ارتفاع منخفض لتفادي الكشف الراداري، ويتمتع بدقة عالية، الا انه لا يقارن بالصاروخ الروسي الجديد.
ترامب الذي يخسر حروبه التجارية، لن ينتصر في أي حرب عسكرية، وتكراره لعزمه التركيز على السلام ووقف الحرب (تباها بأنه أوقف سبعا منها حتى الآن) هو هروب من الاعتراف بهذه الخسارة، واكد الكاتب الروسي ألكسندر نازاروف في مقاله الأخير، ان لقاء القمة الذي انعقد في كوريا الجنوبية وجمعه مع نظيره الصيني شي جين بينغ لم يحقق أهدافه، ومني بالفشل، وما لم يقله نازاروف انه لم ينجح في دق أسفين الخلاف بين الصين وروسيا مثلما كان يحلم.
مجلة “الايكونوميست” البريطانية الشهيرة خصصت غلاف عددها الأخير، وافتتاحيتها الرئيسية للتأكيد بأن الصين انتصرت في الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس ترامب، وأكدت ان من أسباب هذا الفشل الاعتقاد الراسخ داخل البيت الأبيض بأن أمريكا تملك اليد العليا في حرب الاعصاب مع الصين، وان الأخيرة ضعيفة، ولكن الدهاء الصيني اثبت العكس تماما، ولهذا خرجت منتصرة من هذه الحرب.
كاتب هذه الافتتاحية في الايكونوميست كان جريئا ومصيبا عندما أكد ان القيادة الصينية، وربما الروسية أيضا، توصلت الى قناعة راسخة بأن الرئيس ترامب “جبان” يعلّي من تهديداته، وخاصة في الحرب التجارية، بل والعسكرية أيضا، ثم يتراجع عنها، وتجلى ذلك بوضوح عندما رفع من سقف الضرائب على المنتوجات الصينية ليعود ويتراجع بسرعة مع أول هزة لسوق أسهم بورصة “الوول ستريت” في نيويورك.
***
الرئيس ترامب بغبائه، وإحاطة نفسه بمجموعة من السماسرة العقاريين، ومعظمهم من الصهاينة، والمستشارين الأغبياء، يدمر هيبة بلاده كقوة عظمى، ويقودها الى الإنهيار والتفكك، والصين وروسيا يدركان هذه الحقيقة، وتدركان جيدا ان سقوطه المريع سيتحقق بعد عام، وبالتحديد بعد الانتخابات النصفية للكونغرس ومجلس الشيوخ في تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل، حيث من المتوقع ان تكون نتائج صناديق الاقتراع صادمة لحزبه الجمهوري.
الرئيس الصيني الذي قاد الحرب التجارية ضد ترامب بتفوق ساحق يفرك يديه فرحا بعد ان أذله في لقاء سيول في كوريا الجنوبية، وأجبره على التراجع عن كل عنترياته الضرائبية التجارية، اما رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ اون الذي هزم ترامب مرتين في ولايته الأولى في اللقاءين معه في سنغافورة وفيتنام، فلم يتحمس مطلقا للاستجابة لطلبه للقاء ثالث.
أخيرا فإن صاروخ بوتين الجديد “بوريفيستنيك” العملاق قزم كل الصواريخ الامريكية وعلى رأسها “توماهوك”، والمستقبل يبدو حالك السواد “للمهرج” ترامب داعم حرب الإبادة في قطاع غزة، واللهم لا شماته.