هل تقف أمريكا امام فيتنام “استنزافية” اخرى؟
تحشد الولايات المتحدة الامريكية عشرات الآلاف من الجنود وأكثر من 11 فرقاطة عسكرية، وحاملة الطائرات الأكبر جيرالد فورد ومئات الطائرات المسيّرة والثابتة الاجنحة إرهابا لفنزويلا، واستعدادا لغزوها وتغيير نظام الحكم فيها، وربما في كولومبيا المجاورة ايضا، والذريعة المعلنة هي منع تهريب المخدرات، وقال الرئيس الامريكي دونالد ترامب ان الاقتحام البري لقواته بات وشيكا، وان أيام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو باتت معدودة.
إنها البلطجة في أبشع صورها، وبلغت ذروتها في استيلاء السفن الحربية الامريكية على ناقلة نفط عملاقة في المياه الفنزويلية أمس، وإعطاء الرئيس ترامب المحب للسلام وانهاء الحروب، الضوء الأخضر لقواته الخاصة بتنفيذ عمليات إرهابية داخل فنزويلا.
ترامب يعبد المال، ويعاني من عقدة نفسية اسمها الاستيلاء على نفط الآخرين وعوائده، والمعادن الثمينة في باطن أراضيهم، وفنزويلا هي التجسيد الأكبر لهذه العقدة، فهي تملك في جوف أراضيها أكبر احتياطي للنفط غي العالم (303.3 مليار برميل) والاقرب الى حدود بلاده، وقالها صراحة اثناء حملته الانتخابية الرئاسية عام 2024 بأنه يتطلع، إذا فاز بالسلطة، ووصل الى البيت الأبيض الى الاستيلاء على النفط الفنزويلي دون تعويض، أي سرقة وبقوة السلاح في وسط النهار.
إذا أقدم ترامب على هذه الجريمة ونفذ تهديداته بإقتحام فنزويلا برا وبحرا وجوا فقد يجد نفسه في وسط حقل الغام سيكون من الصعب عليه تحمل تكاليفه الباهظة سياسيا وبشريا وماليا، وقد يغرق في فيتنام أخرى، ولكن في فناء بلاده الجنوبي وليس على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات.
هناك نظريتان تترددان حاليا في قراءات متعددة حول مستقبل هذه الازمة التي وجد ترامب نفسه غارقا فيها بإرادته وغبائه، ومن صنع يديه وبتحريض من مجموعة السماسرة العقاريين المحيطين به بصفة المستشارين:
الأولى: تقول ان ترامب، وبحكم العديد من التجارب والتهديدات السابقة، رئيس جبان ينطبق عليه المثل الشعبي العربي الذي يقول (من يريد ان يضرب لا يكبر حجره)، فقد هدد بقصف موسكو، وضم كندا، وجزيرة غرينلاند، وقناة بنما، وفتح أبواب جهنم على غزة وسحق حماس، وإقامة ريفيرا الشرق الأوسط، وازالة ايران من الوجود وتغيير نظامها، وتدمير كامل لمنشآتها النووية، ولكنه لم ينفذ أيا من هذه التهديدات، باستثناء ارسال قاذفاته لقصف منشآت نووية “ثانوية” في ايران جرى الرد عليها بقصف قاعدته العسكرية في العيديد بقطر، أي ان تهديداته مجرد حرب نفسية لا تعطي نتائجها في معظم الأحيان، ولنا في تخليه عن خمس الأراضي الأوكرانية لروسيا من خلال مبادرته للسلام اكبر مثال.
الثانية: ان ينفذ ترامب تهديداته ويغزو فنزويلا، وربما كولومبيا جارتها ايضا، والدولتان تمردتا علنا على الهيمنة الامريكية، وقطعتا العلاقات مع حليفتها إسرائيل، واتجهتا نحو الصين، وروسيا ومنظومة “بريكس” واي عدوان امريكي قد يؤدي الى توحيد معظم دول امريكا الجنوبية شعوبا وحكومات ضده، هذا اذا بقي في السلطة، فشعبيته ستزداد انهيارا بسبب سياساته وادارته الفاشلة والمرفوضة شعبيا من الأغلبية.
صحيح ان الرئيس الفنزويلي مادورو يجلس فوق أكبر احتياط نفطي في العالم، ولكنه ليس مثل زملائه النفطيين الحكام في العالم، والشرق الأوسط على وجه الخصوص، فلن يرضخ لتهديدات ترامب، ويغادر السلطة طوعا تلبية لطلبه او يقدم التريليونات، وقرر الوقوف في خندق المقاومة لمواجهة أي عدوان امريكي، وقال بالحرف الواحد “فنزويلا مستعدة لكسر أنياب الإمبراطورية الامريكية الشمالية اذا لزم الامر”، وجاء هذا الموقف الشجاع ردا سريعا على اعلان السفن الامريكية الحربية احتجاز ناقلة نفط فنزويلية.
والأكثر من ذلك، فتحه الأبواب للتطوع في كتائب المقاومة الشعبية التي أمر بتأسيسها، وبلغ عدد المنضمين اليها أكثر من 4.3 مليون متطوع حتى الآن، ويتطلعون الى الشهادة دفاعا عن بلدهم وكرامتها وسيادتها.
***
قادة أمريكا الجنوبية ليسوا مثل معظم نظرائهم العرب، نقولها وفي القلب مرارة، ويتزعمهم رئيس مثل لولا دا سيلفا البرازيلي الذي يتباهى بأنه كان ماسح أحذية، وعدم وجود تلفزيون في بيته اثناء طفولته، ويذهب الى بيت الجيران لمشاهدة مباريات كرة القدم التي يعشقها، ووصل الى السلطة مرتين بأصوات شعبه في تحد مباشر للمؤامرة الامريكية.
أمريكا ترامب المحكوم بيتها الأبيض من اللوبي الصهيوني وقيادته في تل ابيب تقف الآن امام اختبار تاريخي خطير وفاضح في فنزويلا، فهي خاسرة ومهانة في جميع الحالات، غزوا او تراجعا، ولعل موقف اسبانيا (الام الكبرى) المشرف من حرب الإبادة في غزة، وتحديها لامريكا وإسرائيل هو أحد الأدلة والمؤشرات التي قد تؤكد ما نقول.
مقتل البلطجة الامريكية وتمزيق قناع الكذب الذي اخفى وجهها الدموي القبيح على مدى عقود، بالحديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان قد يتحقق في فنزويلا، وامريكا الجنوبية عموما، فعمر الكذب قصير جدا.. وتفاءلوا بالخير تجدوه.