هل بدأت المُقاومة الشعبيّة المُسلّحة للاحتِلال الأمريكي في شرق الفُرات؟
الخِطاب الذي أدلى به الرئيس السوري بشار الأسد بمُناسبة أدائه القسَم الدّستوري بعد فوزه بولايةٍ رابعة لسبع سنوات في انتِخاباتٍ شَهِدَت إقبالًا شعبيًّا ملحوظًا في 26 أيّار (مايو) الماضي يُشَكِّل خريطة طريق مدروسة لنُهوض سورية المُستقبل على الصُّعُد كافّة، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة،
وإعلان هزيمة المشروع الأمريكي لتفتيتها عمليًّا.الرئيس الأسد، ولأوّل مرّة من عشر سنوات، عاشت خلالها بلاده ظُروفًا صعبةً تمثّلت في تحالف 65 دولة لتفتيتها وإسقاط نظام الحُكم فيها بزعامة الولايات المتحدة الأمريكيّة، بدا أكثر ثقةً وارتياحًا، وإيمانًا بالمُستقبل في هذا الخِطاب، واتّضح ذلك في عودته بقُوّةٍ للتّأكيد على الثّوابت السوريّة والعربيّة التي باتت عُملةً نادرة، وخاصّةً العُروبة كعقيدة وانتِماء وفِلسطين كقضيّة مصير، خاصّةً أنّنا نعيش حاليًّا زمن التّطبيع والاستِسلام للعدوّ الإسرائيلي في أسوَأ أشكاله، واستِفحال سياسة “النّأي بالنّفس” عن هذه الثّوابت، وتبلور قناعة دخيلة لدى بعض “المُستَعربين” بأنّ العُروبة “لم تَعُد تتناسب مع مُتطلّبات العصر”، حسب ما جاء في الخِطاب.
***
هُناك عدّة نُقاط “جوهريّة” ميّزت خِطاب الرئيس الأسد هذا عن جميع خِطاباته السّابقة نَجِدُ لِزامًا علينا أن نُسَلِّط الأضواء عليها من خِلال مُتابعتنا للخِطاب الذي استَغرق 60 دقيقة، ومُحاولتنا استِشراف معانيه، وما بين سُطوره:
الأولى: التّأكيد على أنّ الدّولة السوريّة ستدعم أيّ مُقاومة شعبيّة، سلميّة أو مُسلّحة، ضدّ المُحتلّين الأمريكان وعُملائهم حتّى تحرير جميع الأراضي السوريّة والعربيّة، وطرد آخِر إرهابي، ولعلّ القصف الصّاروخي المُتكَرِّر للقواعد الأمريكيّة شرق دير الزور، وحقل العمر النّفطي والغازي السّوري في الأُسبوعين الماضيين هو “أوّل الغيث” في هذا المَيدان.
الثّانية: إعادة بناء الدّولة السوريّة التي تأثّرت دمارًا “بالعشريّة السّوداء” على أُسس أبرزها “أنّ قوّة الدّولة لا تأتي إلا من داخِل الوطن، وأنّ الاستِقرار لا يتَحقّق بالأمن فقط، بل بالأمان للمُواطن والإصلاح بالتّطوير لا بالتّدمير”.
الثّالثة: مُكافحة الفساد بأشكاله كافّة ومُحاسبة الفاسدين، ويأمَل الكثيرون، ونحن من بينهم، أن يتم استِئصال المحسوبيّة أيضًا التي تُشَكِّل أوسع بوّاباته، بحيث تشمل المُحاسبة الجميع دُون أيّ استِثناء، أمام مُحاكمة عادلة وقضاء مُستقل شفّاف.
الرابعة: الأزمة الاقتصاديّة الطّاحنة التي أدّت إلى وجود 80 بالمِئة من الشّعب السّوري تحت خطّ الفقر حسب تقديرات الأُمم المتحدة ستحظى حُلولها بالأولويّة حتمًا، مع الإشارة بأنّها تعود إلى سببين رئيسيين، علاوةً على الفساد وسُوء الإدارة في بعض الأحيان، وهُما الحِصار الاقتِصادي التّجويعي، ووجود حواليّ 40 ـ 60 مِليار دولار من الأموال السوريّة المُجَمَّدة في المصارف اللبنانيّة، ورُغم كُل ما تقدّم فإنّ اللّيرة السوريّة تبدو أكثر تَماسُكًا من نظيرتها اللبنانيّة، وما زالت في حُدود 3000 ليرة مُقابل الدّولار، بينما وصل سِعر اللبنانيّة حواليّ 30 ألف ليرة ومُرشّحة للهُبوط أكثر في الأيّام القليلة المُقبلة بعد تفاقم الأزَمة الوِزاريّة باعتِذار السيّد سعد الحريري عن تشكيل الحُكومة.
الخامسة: رُغم “عُقوق” بعض الفصائل الفِلسطينيّة وسُوء تقديرها للأوضاع بداية الأزمة السوريّة، حرص الرئيس الأسد على التّأكيد أنّه “لا انفِصال بين القضيّة الفِلسطينيّة والقضية السوريّة، وفِلسطين أقرب القضايا إلينا، والتِزامنا بِها ثابِتٌ لا تُبَدِّله الظّروف”، وقد تَجسّد هذا الموقف عمليًّا في ذروة الأزمة، و”العُقوق” المَذكور آنِفًا وآلامه، عندما استجاب الرئيس الأسد لطلب السيّد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله” تزويد قِطاع غزّة وفصائل المُقاومة فيه بصواريخ “كورنيت” المُضادّة للدبّابات التي منعت أيّ اقتِحام إسرائيلي للقِطاع المُحاصَر.
السّادسة: إعادة التّأكيد على رُوح التّسامح، والعفو، والمُصالحة، وفتح الأبواب مُجَدَّدًا أمام جميع السّوريين الذين جرى التّغرير بهم، وتَوظيفهم ضدّ دولتهم، وطعنها وجيشها من الظّهر، فسورية تتّسع للجميع إذا صدقت النّوايا، وكانت التّوبة نَصوحًا.
***
سورية باتَت عُضوًا أصيلًا مُؤسِّسًا في محور المُقاومة الأقوى حاليًّا في المنطقة، محور يعتمد بالدّرجة الأُولى على تسليحه الذّاتي الفاعِل في مُعظمه (الصّواريخ)، والاستِناد إلى حُلفاء أقوياء (الصين وروسيا وإيران) باتوا على وشك الإطاحة بالولايات المتحدة وهيمنتها على العالم عسكريًّا واقتصاديًّا في غُضون خمس إلى عشر سنوات على الأكثر، ولعَلّ الزّيارة التي سيقوم بها وزير الخارجيّة الصيني إلى دِمشق غدًا ولأوّل مرّة مُنذ سنوات هي أحد ثِمار التّكتّل العالمي الجديد الصّاعد الذي سيُغَيِّر موازين القِوى في سقف العالم ويقلب كُلّ المُعادلات القائمة مُنذ مئة عام.
الاحتِلال الأمريكي للأراضي السوريّة يقترب سِلمًا أو حربًا (نُرَجِّح الأخيرة)، ومثلما انتهى الاحتِلال الأمريكي مهزومًا ذليلًا في أفغانستان سيُواجِه المصير نفسه في سورية والعِراق، وأسرَع ممّا يتَصوّره الكثيرون.
سورية الجديدة قادمة، تخرج من وسط رُكام المُؤامرة قويّة مُعافاة مُنتصرة.. والأيّام بيننا.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.