احتِفالات نتنياهو وجنرالاته بالإفراج عن الأسيرين كوميديّة قمّة في السّذاجة
حالة الفرح المُفتعلة التي تسود قيادات دولة الاحتلال بعد حشدها المِئات من الطّائرات والجُنود، وقتل أكثر من مئة مدني فِلسطيني للقيام بغارةٍ على جنوب رفح للإفراج عن أسيرين إسرائيليين، هذه الحالة تُضيف دليلًا جديدًا على هزيمة هذا الكيان، وبحثه عن أيّ “انتصارٍ صغير” لتضخيمه، وإخفائها، وتضليل رأيهم العام الغاضب.
بنيامين نتنياهو يصف هذه العمليّة بأنّها من أنجح العمليّات في تاريخ “إسرائيل”، ووزير حربه الجنرال يؤاف غالانت يقول “إن إنقاذ “الرهينتين” يشكل نقطة تحوّل في الحرب، ويظهر صورة ضعف حركة “حماس”، فالحركة أصبحت ضعيفة ويُمكن أن نطالها في أيّ مكانٍ وستكون هُناك عمليّات أخرى”.
هذا الانتصار الكبير، ونقطة التحوّل العُظمى في مسيرة العُدوان على غزة، وضعف حركة “حماس” المزعوم كلّها، وركّزوا معي، تأتي بعد 130 يومًا من الصّمود الأسطوري، وإلحاق خسائر كبيرة في صُفوف الجيش الإسرائيلي، فعدد القتلى في صُفوفه يقترب من الرّقم 2500، أما الجرحى فعشرات الآلاف حسب الأرقام غير الرسميّة، لأنّ دولة الاحتلال تُخفي الأرقام الحقيقيّة، والحَبْلُ على الجرّار.
إنّها قمّة العار والمهانة أن يُتابع نتنياهو وكبار جنرالاته بشكلٍ مُباشر هذه العمليّة دقيقة بدقيقة، في مشهدٍ مسرحيٍّ يُنقل حرفيًّا عن مسرحيّة مُتابعة الرئيس الأمريكي بارك أوباما وطاقم حُكومته، اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بعد اقتحام منزله بأربع طائرات عموديّة والعشرات من جُنود فرقة ” نيفى سيل” الخاصّة.
فلو كانت هذه الحكومة قويّة ومُنتصرة فعلًا مثلما تدّعي، هل تعقد اجتماعًا طارئًا لمُتابعة إطلاق سراح أسيرين مُسنّين، ومُصابان بموسوعة من الأمراض من بينها السّرطان، وأرادت حركة “حماس” التخلّص منهما، ووضعتهما في منزلٍ بسيط جنوب مدينة رفح، وكأنّها تقول تعالوا خذوهما ومن مُنطلقٍ إنسانيّ، وبعد تفجيرهم (إسرائيل) المنطقة، وشن أكثر من 50 غارة للمُسيّرات وللطّائرات الحربيّة المُتقدّمة جدًّا مِثل “إف 15″ و”إف 16” وضدّ من؟ ضدّ حركة لا تملك واحدا من المليون من قُدرات خصمها العسكريّة؟ ولا يزيد تِعداد كتائب قسّامها عن 25 ألفًا حسب التّقديرات الإسرائيليّة.. ولكنّ العدد في الليمون مثلما يقول المثل الشعبي.
ربّما يُفيد تذكير نتنياهو وتابعه الجِنرال غالانت وزير الحرب، أن هُناك 132 أسيرًا آخرين، وأن ارتباك جُنودهم في عمليّاتٍ سابقة لتحريرهم أدّى لمقتل 30 منهم “بنيرانٍ صديقة”، ممّا يعكس ضآلة انتصارهما هذا، وسعيهما إلى أيّ “إنجازٍ” عسكريٍّ مهما كان صغيرًا لتغطية فشلهما.
لو كانت “حماس” وفصائل المُقاومة الأخرى وعلى رأسها “الجهاد الإسلامي” ضعيفة، مثلما يؤكد نتنياهو وهو “نافش ريشه” أثناء ظُهوره في مُؤتمر صحافي، فهل استطاعت الصّمود 130 يومًا، وهل قدّم ثلاثة من كبار المسؤولين الاسرائيليين (نتنياهو، غانتس وغادي ايزنكوت) ثلاث مبادرات مُنفصلة إلى اجتماع القاهرة الاستخباري المُنعقد اليوم بحُضور رؤساء المُخابرات المصريّة والأمريكيّة والإسرائيليّة، ورئيس وزراء دولة قطر، للإسراع بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ووقف الحرب؟
نتنياهو يكذب والشّيء نفسه ينطبق على مُعلّمه جو بايدن، الذي لم ينطق حتى هذه اللّحظة بكلمةِ وقف إطلاق النّار، ناهيك عن فرضه، وهو رئيس الدولة الأعظم في التاريخ، وكُل تهديدات الأوّل (نتنياهو) باجتياح مدينة رفح، وتوفير الممرّات الآمنة للسكّان للهُروب من المدينة، مجرّد فيلم هوليودي، بل هندي، للوصول إلى وقفٍ لإطلاق النار في القطاع من خلال اتّفاق باريس، فالعالم كلّه، باستثناء أمريكا، بات ضدّه ودولته، ومجازرها التي فضحتهم، ودولتهم العنصريّة الإجراميّة قاتلة الأطفال والعجزة، وقد جاء توصيف جوزيف بوريل وزير خارجيّة الاتحاد الأوروبي مُصيبًا، وشكّل صفعةً لنتنياهو عندما قال “ممر آمن إلى أين.. إلى القمر”، وعلينا أن لا ننسى أنه، أي بوريل، كان من أكبر المُنخَدعين، وكان يُدافع عن حقّ “إسرائيل” في الدّفاع عن النّفس في بداية العُدوان.
الحرب ستنتهي في “يومٍ ما” قريبًا كان أو بعيدًا، ولكن سابقة هُجوم “طُوفان الأقصى” الذي سجّل بداية النّهاية للمشروع الصهيوني، وقهر جيش الاحتلال وعرّاه أمام مُستوطنيه والعالم بأسْره، سيظل هذا الهُجوم هو العلامة الفارقة، ونقطة التحوّل الرئيسيّة في الصّراع العربي الإسرائيلي، وستتبعه انتصارات أخرى أكبر منه بكثير، ولن يكون “بيضة ديك”.
نُعيد تذكير نتنياهو بأنّ المُجاهد يحيى السنوار ما زال حيًّا يقود وجنرالاته المعركة في القطاع من نفقٍ آمِن، ولم ولن يصلوا إليه، وحتّى لو وصلوا فلن يتم ذلك، لا قدّر الله، إلّا بعد قتاله حتّى آخِر رصاصة في بُندقيّته، قبل الشّهادة.
المُقاومة ما زالت قويّة وصامدة ويلتف حولها، ليس أبناء الشعب الفِلسطيني فقط، وإنّما كُل أبناء الأمّتين العربيّة والإسلاميّة وشُرفاء العالم، وهي التي ستُكَفِّن الاحتلال، وتُرسل تابوته إلى الذين أقاموا دولته على أرضِ فِلسطين الطّاهرة.. والأيّام بيننا.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة