الولايات المتحدة تتنصّل من المسؤوليّة القانونيّة للإرهاب
تخرج الإدارة الأمريكيّة من أزمةٍ لتقع في أُخرى أعمق منها وأخطر، ولكنّ الأهم من هذا وذاك أن مِصداقيّتها كدولةٍ عُظمى تنحدر إلى الحضيض، وبشَكلٍ مُتسارع هذه الأيّام، ونحن لا نتحدّث هُنا عن مِنطقتنا أيّ الشّرق الأوسط، وإنّما عن جبهاتٍ مُتعدّدةٍ، ابتِداءً من شرق آسيا، وانتهاءً بأوروبا الوُسطَى، وتحديدًا بالجِوار الأوكراني.
يُمكن ترجمة هذا التخبّط الأمريكي في عبارةٍ واحدة، وهي أن الولايات المتحدة تتنصّل من المسؤوليّة القانونيّة للإرهاب الذي تُمارسه حاليًّا في أكثرِ من جبهة، بمُمارسته وحُروبه الاستنزافيّة بالإنابة وعبر طرفٍ ثالث.
***
هُناك تطوّران على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة يحتلّان العناوين الرئيسيّة في أجهزة الإعلام الغربيّة والشرقيّة، ويُؤكّدان الخُلاصة التي أشرنا إليها في الفقرة السّابقة:
الأوّل: حالة الحرب الضّخمة المُتصاعدة حاليًّا داخِل أستراليا، ومُلخّصها خُروج جون ليندر الدّبلوماسي الأسترالي المُخضرم إلى وسائل الإعلام، واتّهام الولايات المتحدة بخلق الأزَمات في تايوان، والهمالايا، وبحر الصين وتصعيدها، من أجلِ جرّ الصين إلى مِصيَدةِ حربٍ استراتيجيّة، وتوريط أستراليا في خوضِ هذه الحرب على غِرار استِخدامها لأوكرانيا كطُعمٍ لاستِفزاز روسيا وجرّها لإرسال القوّات إليها.
الثاني: تسريب الإدارة الأمريكيّة تقريرًا إلى صحيفة “نيويورك تايمز” المُقرّبة من أجهزة الاستِخبارات ينسف تحقيقًا استقصائيًّا أجراهُ الصّحافي سيمون هيرش يُؤكّد أن غوّاصين من الأسطول البحري الأمريكي هُم الذين زرعوا المُتفجّرات تحت أنابيب غاز “نورد ستريم” الروسي الألماني، بالقول إن جماعة “دكتور إيفل” أو طبيب الشّر، الإرهابيّة المُوالية لأوكرانيا هي التي زرعت هذه الألغام، والمسؤولة عن التّفجير بالتّالي.
الإدارة الأمريكيّة تُريد أن تدفع بحُلفائها إلى محرقةِ الحُروب، وتبقى هي، وشعبها في الخلف، تدّعي البراءة من أيّ عملٍ إرهابيّ هُنا وهُناك، وتضع المسؤوليّة على كاهِل حُلفائها أو أتباعها، فكُلّ ما يهمّها هو تحقيق مصالحها، وليذهب الجميع إلى الجحيم، تمامًا مثلما فعلت في أفغانستان، والحرب العِراقيّة- الإيرانيّة، والحرب الحاليّة في سورية وقبلها في العِراق، والدّورُ قادمٌ على مِصر والأردن.
أمريكا استخدمت، وتستخدم، حِلف النّاتو كذراعها المُقاتل الدّاعم للحرب الأوكرانيّة المِصيَدة، وها هي تُؤسّس حِلفا مُوازيا في جنوب شرق آسيا، طابعه إنكلو سكسوني عُنصري (أوكوس) بضم أستراليا وبريطانيا إلى جانبها، والأنباء الواردة من شمال أستراليا تُؤكّد أنه تحوّل إلى قاعدةٍ عسكريّة أمريكيّة، ومنصّة انطِلاق لأيّ حربٍ شِبه مُؤكّدة ضدّ الصين في الأسابيع أو الشّهور المُقبلة حيث تتصاعد حدّة التوتّر بشَكلٍ مُتسارعٍ هذه الأيّام.
خديعة “الحِماية” التي استخدمتها الولايات المتحدة لامتِصاصِ ثروات دول الخليج وإيران تُعيد تِكرارها هذه الأيّام في أستراليا، بإقناع الحُكومة الأسترالية بأنّ الصين تُشَكّل التّهديد الوجوديّ الأكبر لأمنها واستقرارها، وأنّ عليها أن تتهيّأ للحرب لوقف هذا الخطر، حتى أن وزير أسترالي سابق (مالكولم تيرنبل) قال في مُقابلةٍ تلفزيونيّةٍ “إن أستراليا تُضحّي بسِيادتها من أجلِ الحِفاظ على سيادتها”، وترصد 70 مِليار دولار لبناءِ غوّاصةٍ نوويّةٍ بمُشاركة أمريكا.
التّصعيد الأمريكي ضدّ الصين مُتشعّبُ الأسباب، وخاصّةً التفوّق الاقتصادي المُتسارع لها، واتّساع دائرة نُفوذها عالميًّا، وعملها بصمتٍ لإقامة نظامٍ ماليٍّ عالميٍّ جديد على أنقاض الدّولار، وبنائها أكبر قوّة بحريّة في العالم، واستِعدادها المكتوم لتزويد روسيا بالأسلحة والذّخائر والذّكاء الاصطناعي، ولكن ما دفع الغضب الأمريكي يعوم على السّطح في الأيّام الأخيرة هو رفض شي جين بينغ زعيم الصين مُمارسة ضُغوط جديّة على حليفه الروسي الرئيس بوتين لوقف الحرب الأوكرانيّة.
أمريكا هي الدّاعم الأكبر للإرهاب في العالم، وأقدمت على تفجير خط أنابيب “نورد ستريم” لخلق أزمة بين ألمانيا وروسيا، ومنع وصول الغاز الروسي إلى أوروبا، وحتّى لا يظهر وجهها البَشِع على حقيقته رفضت أيّ تحقيق أُممي حِيادي عِلمي حول هذا التّفجير خشيّة أن يتوصّل إلى حقائقٍ تكشف الدّور الأمريكي.
سكوت بينيت الجِنرال السّابق في الجيش الامريكي، وأحد أبرز مُحلّلي مُكافحة الإرهاب في وزارة الخارجيّة الأمريكيّة سابقًا، أكّد أنّ غوّاصَين أمريكيين تسلّلوا إلى مِنطقة التّفجير أثناء مُشاركتهم في مُناورةٍ لحِلف النّاتو في المِنطقة، ووضعوا الألغام تحت الأنابيب، وقامت النرويج لاحقًا، وبتَنسيقٍ مع واشنطن بتفعيلها، وتدمير الخطّ كُلّيًّا، وختم تصريحه بالقول إن التّخطيط لهذا العمل الإرهابي جاء بمُشاركةٍ أمريكيّة بريطانيّة.
***
أمريكا تخسر الحرب في أوكرانيا، وسيكون ثمن هذه الخسارة باهظًا سياسيًّا وعسكريًّا، واقتصاديًّا، بوتين قال إنّه لا يُوجد شيء اسمه أوكرانيا، ووصف الحرب الحاليّة أمريكيّة غربيّة بأنّها دينيّة تُريد تدمير الدّيانة المسيحيّة الأرثوذكسيّة، ومُحاولة تدمير روسيا وتفكيكها، وتكون أوكرانيا هي قاعدة الانطِلاق.
من المُفارقة أن الرئيس الصيني يُؤيّد توصيف نظيره الروسي هذا، وأمَرَ بتعميمه على سياسيّيه ودبلوماسيّيه وأجهزة إعلامه، لقناعته بأنّ الصين تُواجه الاستِهداف والمصير التّدميري نفسه، وقال، أيّ الرئيس الصيني، عبارة تاريخيّة في خِطابه الأخير الذي هاجم فيه أمريكا بشدّة وهي “التّحديث لا يعني التّغريب” وليت قومي يعلمون ويعملون.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة