أربع نُبوءات بزوال وشيك لـ”دولة إسرائيل”.. أيّهما ستتحقّق أوّلًا ولماذا؟
عام 1998، وبمُناسبة احتِفال الإسرائيليين بمُرور 50 عامًا على تأسيس كيانهم على الأراضي الفِلسطينيّة المُغتَصبة، أعدّ جون سمبسون، المحرّر السياسي لشبكة BBC البريطانيّة، ثلاثة تقارير تلفزيونيّة ميدانيّة بثّتها القناة الأولى في حينها، وكانت تتّسم بالكثير من الموضوعيّة والمهنيّة، أو الحدّ الأدنى منها، أظهر فيها مُعظم تناقضات هذا الكيان الداخليّة، ومصادر التهديد الوجودي له من خِلال لقاءات مع مُختلف ألوان الطّيف السياسي والعسكري، وتنبّأ في خِتامها، بأنّه لا يعتقد أنه (أيّ الكيان) سيكون من الصّعب عليه، وشعبه، الاحتِفال بالعيد المئة لتأسيسه.
تذكٍرت “نُبوءة” سمبسون هذه الذي أعرفه جيّدًا، وشاركت في العديد من برامجه الإخباريّة والحواريّة، عندما قرأت تقريرًا للزّميل والصّديق زهير أندراوس نشرته “رأي اليوم” يوم أمس ينقل فيه ثلاث شهادات، أو بالأحرى توقّعات، لثلاثة خُبراء ومحلّلين إسرائيليين، تؤكّد ما ذكره الزميل سمبسون، بل تعكس صُورةً أكثر تشاؤمًا:
الأوّل: الجنرال المُتقاعد شاؤول أرئيلي المُستشرق المُختص في الصّراع العربي الإسرائيلي الذي نشر مقالًا في صحيفة “هآرتس” قال فيه إن الحركة الصهيونيّة فشلت في تحقيق حُلم إقامة “دولة إسرائيليّة ديمقراطيّة، بأغلبيّة يهوديّة، وإن الوقت ليس في صالح إسرائيل، وإن هذه النظريّة سقطت”.
الثاني: المحلّل الإسرائيلي المُخضرم آري شافيط، الذي نشر مقالًا في الصّحيفة نفسها كان أكثر تشاؤمًا، وقال فيه ما معناه “اجتزنا نقطة اللّاعودة، وإسرائيل تَلفُظ أنفاسها الأخيرة، ولا طعم للعيش فيها، والإسرائيليّون يُدركون مُنذ أن جاءوا إلى فلسطين أنهم ضحيّة كذبة اختَرعتها الحركة الصهيونيّة استخدمت خِلالها كُل المَكر في الشخصيّة اليهوديّة عندما ضخّمت المحرقة واستغلّتها لإقناع العالم أن فلسطين أرض بلا شعب، وأن الهيكل المزعوم تحت الأقصى” واختتم مقاله بالقول “حان وقت الرّحيل إلى سان فرانسيسكو أو برلين”.
الثالثة: جاءت في مقالة للكاتب الإسرائيلي اليساري جدعون ليفي يقول فيها “إنّنا نُواجه أصعب شعب في التّاريخ، وعمليّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائيّة، ولا سبيل للعِلاج بالقبب الحديديّة، ولا بالأسوار، ولا بالقنابل النوويّة”.
***
نقطة التحوّل الرئيسيّة التي أدّت إلى رسم هذه الصّورة التشاؤميّة من قبل هذه الشخصيّات الإسرائيليّة، هي وجود حركات مُقاومة فِلسطينيّة في قِطاع غزّة، وأُخرى تتبلور في الضفّة الغربيّة مستقلّة كليًّا عن الحُكومات والدول العربيُة، خاصّةً ما يُسَمُى بدُول المُواجهة (سابقًا) التي رفعت راية الاستِسلام واعترفت بالكيان، وانخرطت في التّطبيع، ومعها نِتاجها “المُشوّه” الذي أسمته منظمة التحرير الفِلسطينيّة التي سارت قِيادتها على النّهج نفسه، أيّ الاستِسلام والتطبيع وحماية الاحتِلال ومُستوطنيه، والتجسّس على شعبها الشّريف المُقاوم.
تكنولوجيا الصّواريخ، وحاضنة محور المُقاومة بزعامة إيران وسورية وجُزء من العِراق، وحزب الله في لبنان، وأنصار الله في اليمن، هي التي غيّرت جميع المُعادلات العسكريّة والسياسيّة على الأرض، وأنهت التفوّق الإسرائيلي الذي كان يحسم الحُروب مع الحُكومات العربيّة في ساعات، بتسليحها الذّاتي ومُقاتليها البَواسل.
للمَرّة المِليون نقول إن معركة “سيف القدس” في أيّار (مايو) الماضي كانت بمثابة الصّدمة للإسرائيليين، لأنها عزلتهم عن العالم لأكثر من 11 يومًا، ودفعتهم للهرولة إلى الملاجئ في حالةٍ من الرّعب والهلع، وأغلقت كُل أبواب الهُروب في وجوههم بقصف مطاريّ اللّد (تل أبيب) و”رامون” في النّقب للمرّة الأُولى مُنذ نكبة عام 1948، والأهم من ذلك أن قرار إطلاق الصّاروخ الأوّل في هذه المعركة كان فِلسطينيًّا وللثّنائي محمد ضيف ويحيى السنوار وجِنرالاتهم تحت الأرض.
الحُكومة الإسرائيليّة الحاليّة ومن سبقتها تستخدم ورقة “سلام أبراهام” والتطبيع مع حُكومات عربيّة هامشيّة للتّغطية على هذه الصّورة القاتمة، ولكن حتى هذه الورقة على هزالتها انفضح زيفها، وشاهدنا أوّل زيارة لرئيس إسرائيلي لأبو ظبي تُستَقبل بالصّواريخ اليمنيّة، ولا نعرف كيف نام ليلته الأولى في العاصمة الإماراتيّة، تحت الأرض أو فوقها.
الرّهان الصّهيوني على محو ذاكرة الأجيال الفِلسطينيّة فَشِلَ فشلًا ذريعًا، فالجيل الأوّل أطلق رصاصة المُقاومة الأولى عام 1965 وتوسيع الدّائرة بعد هزيمة حزيران 1967، والثاني فجّر انتِفاضتين الأولى بالحجارة عام 1987، والثانية مسلّحة عام 2000، وها هو الجيل الثالث يُشعِل فتيل حرب الصّواريخ والمُسيّرات والأنفاق والانتِفاضة الثالثة في الضفّة والمخفي أعظم.
بنيامين نِتنياهو قال في تصريحٍ نُسِبَ إليه “سأجتهد لكيّ تبلغ إسرائيل عيدها المئة، لأنً التاريخ يُعلّمنا أن أطول عُمر لأيّ دولة للشّعب اليهودي لم تَدُمْ أكثر من 80 عامًا، (دولة الحشمونائيم)، نِتنياهو لن يُحَقِّق حُلمه هذا، لأنّه سيقضي ما تبقّى من حياته خلف القُضبان، ومن جاء بعده يتعلّق بالسّلطة بصَوت برلماني عربي واحِد خائن في الكنيست.
***
الرئيس الراحل ياسر عرفات قال لي قبل أيّام من عودته إلى غزّة بمُقتَضى اتّفاقات أوسلو التي عارضتها بقُوّةٍ في تمّوز (يوليو) عام 1994، ونحن نتمشّى في ساعةٍ مُتأخّرةٍ من اللّيل حول مكتبه في بوغرطة التونسيّة، هربًا من أجهزة التنصّت، “اليهود سيهربون من فِلسطين ذُعرًا مِثل هُروب الفِئران من السّفينة الغارقة، ليس في زماني لأني لن أعيش حتى هذه اللّحظة، ولكن في زمانك.. إنّه شعب الجبّارين يا عباري”.
أيّ النّبوءات ستتحقّق قبل الأُخرى، نُبوءة الزميل البريطاني سمبسون، أم الجِنرال أرئيلي، أم المُخضرم شافيط، أم اليساري ليفي، أم أخيرًا المرحوم الشهيد ياسر عرفات؟
نَتْرُك الإجابة للأيّام المُقبلة، فالمُستقبل حافِلٌ بالمُفاجآت.. ونحن في ذروة التّفاؤل.. واللُه أعلم.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.