الضفّة الغربيّة لا تقلّ خُطورةً عن إيران و”حزب الله”!
التّقديرات الأمنيّة الإسرائيليّة حول الأوضاع في الضفّة الغربيّة من حيث تصاعد أعمال المُقاومة، تَرسُم صورةً سوداويّةً تُرعب قِيادة دولة الاحتِلال، وتقول أبرز عناوينها إن الانتِفاضة المُتصاعدة في الضفّة الغربيّة باتت تُشَكِّل خطرًا ربّما أكبر على الكيان الإسرائيلي من الخطر الإيراني، لأنّها تُقوّض هذا الكيان من الدّاخل وتنسف أهم أعمدة وجوده وهو الأمن والاستقرار.
أخبار الاشتباكات المُسلّحة مع القوّات الإسرائيليّة باتت ظاهرةً يوميّةً مُتصاعدة ومُقلقة، وحدثًا عاديًّا في مُعظم مُدن وقُرى ومُخيّمات الضفّة الغربيّة، ولم تَعُد مُقتصرةً على جنين ونابلس، وأعداد الشّباب المُقاومين، وغير المُؤدلجين المُشاركين فيها تتضاعف يومًا بعد يوم.
***
الانتفاضة الجديدة التي تتوسّع فعاليّاتها في الضفّة هي مَزيجٌ من كُلّ الانتِفاضات السّابقة، وتجمع بين الحجر، والزّجاجات الحارقة، والأسلحة الناريّة، والمُنخرطون فيها مُعظمهم تحت الخامسة والعشرين من العُمر، وينطلقون من قناعاتٍ ذاتيّة مُستقلّة لا يتبعون رسميًّا لأيّ تنظيم، والجديد أنّ أعداد الفِتيان فيها تتزايد.
ضعف السّلطة الفِلسطينيّة المُتفاقم، وتزايد أعمال القمع الإسرائيليّة، وتآكُل مشروع التّنسيق الأمني، وانتهاء العُمر الافتراضي لمُعظم، إن لم يكن كُل، الفصائل السّابقة، كلّها عوامل، مُتفرّقة أو مُجتمعة، أدّت إلى صُعود خريطة مُقاومة جديدة أكثر خُطورةً، وهذا ما يُؤكّد فشَل كُل المُخطّطات الإسرائيليّة في القضاء عليها، وآخِرها عمليّة “كاسِر الأمواج”.
القوّات الإسرائيليّة كانت تقتحم المُدُن والمُخيّمات وتعتقل من تُريد من النّشطاء دُونَ مُقاومة أو خسائر، الآن تغيّرت الصّورة، وباتت هذه الاقتِحامات تُواجَه بمُقاومةٍ شرسة، حيث يُقاتل المُستَهدفون بالاعتقال بالذّخيرة الحيّة حتّى الشّهادة التي يُفضّلونها على الاعتِقال لمُعظم سنوات عُمرهم في هوانِ سُجون الاحتِلال.
القيادة الشابّة الجديدة تُتابع الأوضاع الإسرائيليّة الداخليّة عن كثب، وتوصّلت إلى قناعةٍ راسخة بأنّ “إسرائيل” تتفكّك وتُواجه مصير الانهِيار الدّاخلي بسبب العُنصريّة والمذهبيّة، والفساد، والترهّل، علاوةً على انشغال حُلفائها الأوروبيين والأمريكان بحربِ أوكرانيا، وتوصّلت هذه القِيادات بسبب ذلك إلى قناعةٍ راسخة بحتميّة تصعيد المُقاومة، ومُضاعفة عمليّاتها بالطّرق كافّة لـ”التعجّل” بهذا الانهِيار.
الأسرى في سُجون الاحتِلال توصّلوا إلى هذه القناعة أيضًا، وبدأوا يلجأون إلى تكثيف المُقاومة بأمعائهم، وفضح أُكذوبة حُقوق الإنسان الإسرائيليّة في العالم بأسْرِه، وباتوا يفرضون شُروطهم ومطالبهم بمُجرّد التّهديد بالإضراب عن الطّعام، ولعلّ انتصار المُناضل خليل العواودة بعد 173 يومًا من الإضراب، وانتِزاعه لحُريّته، أحد الأمثلة النّاصعة في هذا المِضمار.
المعلومات المُتوفّرة لدينا، ومن فَمِ الأسد، تؤكّد أن الرئيس الفِلسطيني محمود عباس لم تعد له أيّ علاقة فاعلة مع حركة “فتح” التي بدأت تُجَدِّد شبابها، وقِياداتها، وتعود إلى ينابيعها الأولى، وأنّ التحرّك الإسرائيلي الأمريكي بفرض قِيادة بديلة للرئيس عبّاس تُواجه رفضًا جذريًّا، وعقبات عديدة تُؤذِن بفشلها.
الأهم من كُل هذا وذاك أن هُناك مُؤشّرات عن وجود حالة من التمرّد المكتوم في أوساط بعض كوادر وقيادات التّنسيق الأمني التّابعة للسّلطة، بالتّوازي مع تطوّرٍ جديد مُقلِق للاحتِلال يتمثّل في تزايد عمليّات تهريب الأسلحة إلى الضفّة الغربيّة عبر الحُدود مع الأردن، وبات المُسلّحون الشبّان يتفاخرون ببنادقهم ومُسدّساتهم في جنازات الشّهداء في نابلس وجنين، وبُدون اللّثام لإخفاء ملامحهم في مُعظم الأحيان، في تَحَدٍّ علنيّ استفزازيّ لكاميرات الاحتِلال وعَسَسِه.
***
شباب الانتفاضة الجديدة المُختلفة في الضفّة لا يعرفون، بل لا يُؤمنون بالانقسامات التنظيميّة، والتّعاون والتّنسيق في ذروته بين كُل الكوادر، سواءً كان ماديًّا أو تسليحيًّا حسب ما ذكرت لنا مصادر موثوقة من الدّاخل المُحتل، ولم تَعُد هُناك أيّ فوارق بين شبّان الضفّة أو زُملائهم داخِل ما يُسَمَّى بالخطّ الأخضر، أيّ المناطق المُحتلّة عام 1948.
الضفّة الغربيّة المُحتلّة تعيش هذه الأيّام مرحلة تحوّل مفصليّة تاريخيّة عُنوانها المُقاومة، وتصعيد كُلفة الاحتِلال ماديًّا ومعنويًّا وبشريًّا، وتقويض دولته من الدّاخل، وعدم انتِظار أيّ دعم خارجي، والأيّام والأسابيع المُقبلة ستكشف عن الكثير من المُفاجآت.. والأيّام بيننا.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.