هل حدّد السيّد نصر الله “ساعة الصّفر” لتدمير منصّات الغاز الإسرائيليّة؟
ربّما حدّد السيّد حسن نصر الله “ساعة الصّفر” للحرب القادمة، والوشيكة عندما قال في خِطابه الذي ألقاه بالتّزامن مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فِلسطين المُحتلّة، “إن أمام اللبنانيين شهرين فقط لاستِغلال الفُرصة الذهبيّة المُتاحة، لاستِخراج الغاز والنّفط اللبنانيين من حُقولهم في البحر المتوسّط وإلا فإنّ التّكلفة ستكون باهظة جدًّا بعدها”.
هذه من المرّات القلائل التي ينتقل فيها السيّد نصر الله من الدّفاع إلى الهُجوم ويأخذ فيها زمام المُبادرة بالتحرّش المُباشر والمدروس بالعدوّ الإسرائيلي من خلال إرسال ثلاث مُسيّرات استطلاعيّة لتصوير منصّات الغاز في حقل “كاريش” اللبناني المُحتل، ونقل الصّور إلى قيادتها في غرفة العمليّات التي تتحكّم في تشغيلها في “مكانٍ ما” في جنوب لبنان، والتّأكيد في الخِطاب على جاهزيّة المُقاومة لتحرير ثروات البلاد الغازيّة والنفطيّة وحل جميع الأزمات اللبنانيّة بضَربةٍ واحدة.
السيّد نصر الله يُدرك جيّدًا أنّ الهزيمة “الأوّليّة” التي لحقت بالولايات المتحدة الأمريكيّة وحُلفائها الأوروبيين في حرب أوكرانيا واحتمالات إطالة أمد هذه الحرب، تُمثّل فُرصة ذهبيّة فعلًا للتحرّك سريعًا لتحرير الثروات اللبنانيّة المدفونة في أعماق المتوسّط، وتوظيف قُدرات المُقاومة لتحقيق هذا الهدف السّامي، فالشّهادة في حرب الكرامة والعزّة أشرف، وأنبل من الموت جُوعًا.
***
لبنان كدولة انهار فعلًا، وليس على طريق الانهيار، مثلما يقول البعض، وشعبه لم يعد يجد الخبز بعد أن فقد الأمل بتأمين حاجاته في الوقود والكهرباء والدّواء والخدمات الأساسيّة الأوليّة، ولم يبق إلا أن يتحوّل أطفاله إلى “هياكل عظميّة” مِثل نُظرائهم في اليمن والصومال وإثيوبيا بسبب الجُوع والمَرض والحِصار.
السُّؤال المطروح بقوّة هو عن استِجداء لبنان لصندوق النقد الدولي للحُصول على قرضٍ مُهين لا تزيد قيمته عن ثلاثة مِليارات دولار لن يُغيّر من الواقع المُتأزّم على الأرض ميلّيمترًا واحدًا، بينما هُناك 600 مِليار دولار من احتياطات الغاز والنفط يُمكن أن تحل جميع أزماته، وتُسَدِّد جميع دُيونه، وتجعل منه أكثر رخاءً من أيّ دولة خليجيّة.
السيّد نصر الله عندما يؤكّد أن جميع الخيارات مفتوحة لمُواجهة العدوّ في البر والبحر والجو، ويكشف أنه جرى رصد جميع منصّات الغاز والنفط على طُول السّاحل الفِلسطيني المُحتل، ربّما في إطار الإعداد لـ”ضربةٍ استباقيّة” لإجهاض عُدوان يستهدفه والمُقاومة، وكُل لبنان، كان يتصدّر تنفيذه جدول أعمال اجتماع “سرّي” مسؤولين في استخبارات 30 دولة في أحد الدّول الأوروبيّة، من بينهم مُمثّلون عن “إسرائيل” والسعوديّة والبحرين والإمارات وقطر حسب موقع “إكسيوس” الأمريكي الواسع الانتِشار.
الإسرائيليّون يأخُذون كلام السيّد نصر الله على محمل الجد من دُون مُعظم، إن لم يكن كُل الزّعماء العرب، لأنه قائد لا يخاف الحرب، ويملك القُدرة على اتّخاذ قرار إشعال فتيلها إذا اضطرّ إلى ذلك كخِيارٍ أخير، ولم يدخل أيّ حرب إلا وانتصر فيها، ابتداءً من حرب تحرير الجنوب عام 2000، ومُرورًا بحرب تمّوز عام 2006، وانتهاءً بالحربين السوريّة والعِراقيّة.
الإسرائيليّون الذين كانوا يسخرون من مقولة “الرّد في المكان والزّمان المُناسبين” في إشارةٍ إلى هجماتهم المُتكرّرة على سورية ولبنان، لم يردّوا حتى هذه اللّحظة على إرسال ثلاث مُسيّرات لحزب الله إلى منصّات “غازهم” في “كاريش”، وبلعوا الإهانة، لأنّهم يُدركون جيّدًا أن من أرسلها ينتظر هذا الرّد على أحرّ من الجمر وأعدّ العُدّة لمُواجهته بعشرات الآلاف من الصّواريخ الدّقيقة، والمُسيّرات المُلغّمة الانتحاريّة.
نعم.. المُقاومة في لبنان قادرة على تعطيل استِخراج النفط والغاز في البحر المتوسّط، في وَقتٍ يُواجه فيه العالم، وأوروبا تحديدًا أزمة طاقة (غاز ونفط) مثلما هي قادرة أيضًا على الضّرب في العُمُق الإسرائيلي وتدمير مُعظم مُؤسّسات البُنى التحتيّة، من ماءٍ وكهرباء ومطارات.. والقائمة تطول.
***
مُعادلة وصول الصّواريخ إلى حيفا وما بعد حيفا ما زالت قائمة، وجرى تحديثها بإضافة أم الرشراش (إيلات)، وديمونا في النّقب إليها، لكنّ المُعادلة الجديدة الطّازجة التي أضافها السيّد نصر الله في خِطابه الأخير وحصرها بالتّهديد بـ”ضرب كاريش، وما بعد كاريش، وما بعد بعد كاريش”، ستزيد من قلق الإسرائيليين ورعبهم فالصّواريخ والمُسيّرات جاهزة تنتظر الضّوء الأخضر، لبدء الحرب الإقليميّة انطلاقًا من لبنان.
لبنان ينتظر مُنذ عام الوعود الأمريكيّة الكاذبة بوصول الكهرباء الأردنيّة والغاز المِصري، ولا نعتقد أنه سينتظر رغيف الخبز المعجون بالإذلال أيضًا ولأشهرٍ أو سنوات قادمة، فليس بعد الموت موت.
بيني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي هدّد بالسّير إلى صور وصيدا وبيروت، فماذا ينتظر، وليتفضّل مثلما قال السيّد نصر الله، وسيجد حتمًا ما لا يُرضيه، فلبنان اليوم غير لبنان ما قبل أربعين عامًا، ولم يَبْقَ للشّعب اللبناني ما يُمكن أن يخسره غير جُوعه وفقره ومُعاناته، وفساد نُخبته السياسيّة وعمالتها لأمريكا، بينما هُناك الكثير الكثير الذي ستخسره دولة الاحتِلال.. والأيّام بيننا.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.