عن ترامب الذي تراهنون عليه!
قبل ما يقرب من عام تقريبا، وبعد سقوط “النظام الاسدي”، وبدء الاحتفالات والمهرجانات العربية والأمريكية والإسرائيلية بانتصار وبزوغ سورية الجديدة، تنبأنا في هذا المكان بأن القادم سيكون مرعبا ومعاكسا في نتائجه لكل هؤلاء المحتفلين، وستعود “سورية القديمة” التي تمتد جذورها لثمانية آلاف عام الى إرثها التاريخي العربي الإسلامي، وستنطلق منها مقاومة وطنية إسلامية عربية غير مسبوقة.
اليوم وبعد أقل من عام نرى هذه النبوءة تتجسد على الأرض بشكل متسارع ومدروس، ومن محاسن الصدف، ان التوغلات العسكرية الإسرائيلية المتسارعة في الجنوب السوري، وما ترتكبه من مجازر ضد أهل البلاد، وتأكيدات بنيامين نتنياهو ووزير حربه يسرائيل كاتس بالبقاء الى الابد في جبل الشيخ والقنيطرة، وصمت القيادة السورية الجديدة المريب، وتأكيدها على عدم الرد، الى جانب اتساع دائرة الفوضى والفشل الاقتصادي والمجازر الطائفية، كلها عوامل وعناوين تؤكد هذه النبوءة وتعززها.
الجديد هو صعود نجم الجماعة الإسلامية الوطنية على أرض الجنوب السوري، كمقاومة “سنية” لبنانية سورية، ومتحالفة مع نظيرتها “الشيعية” في جنوب لبنان وغربه (حزب الله) في أروع مظاهر الوحدة الوطنية، وملء الفراغ السوري الوطني المقاوم للاحتلال الإسرائيلي وتصحيح اتجاه البوصلة، والهوية الوطنية السورية.
***
صحيح ان الصورة العربية تبدو حاليا، وخاصة في لبنان وسورية وقطاع غزة قاتمة جدا، وأكثر قتامة في الجوار العربي المتخاذل، القريب منه والبعيد، ولكنها مرحلة مؤقتة وبدأت علامات الانهيار لهذا الوضع الشاذ والمخجل تطل برأسها انطلاقا من بلدة “بيت جن” على سفح جبل الشيخ في غرب ريف دمشق الجنوبي، في عملية لم تكن مفاجئة بالنسبة الينا نحن أبناء سورية الكبرى الذين نعرف أهلنا في حوران العظمى وكل الجنوب السوري، وصلابتهم وعمق ايمانهم بعروبتهم وعقيدتهم.
نظام سورية الجديدة طرد المقاومة الفلسطينية من دمشق، وأغلق مكانها وقواعدها رغم “رمزيتها”، ولكنها تعود وبصورة أقوى من باب الجنوب السوري الواسع، ولا نضيف جديدا عندما نكشف عن صلابة وعمق العلاقة العقائدية والقتالية بين الجماعة الإسلامية الوطنية “الشامية” وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهي العلاقة التي ترعرعت على أرضية المقاومة في جنوب لبنان.
لا ننكر ابدا ان هناك عدوانات إسرائيلية شبه يومية على جنوب لبنان وغربه، بذريعة تدمير مواقع واغتيال قيادات لحزب الله “الجديد”، (وصلت الى 7 آلاف اختراق)، وأخرى في الجنوب السوري وقلب دمشق، وثالثة في قطاع غزة، ومن المؤلم، والمهين، ان جميع هذه “العدوانات” تتم ودون أي رد عسكري على مستواها، ورادعة لها، ولكن الرد قادم فعلا بإذن الله، وأقرب مما يتصوره الكثيرون وعلى رأسهم نتنياهو، وليس في المكان والزمان الملائمين، فالقرار بالرد جرى اتخاذه ومن قبل الذين نفذوا الهجوم الصاروخي التاريخي الممثل في يوم الاحد العظيم في قلب تل ابيب وحيفا قبل أيام من “خديعة” اتفاق وقف اطلاق النار في لبنان الكبرى، ومن قبل أبناء وأحفاد يحيى السنوار والضيف وهنية والرنتيسي في قطاع غزة، السنوار الذي قاتل حتى بعصا قبل ثوان من الشهادة باعتراف الإسرائيليين، ولا يمكن ان ننسى الرد اليمني الشجاع بالصواريخ الفرط صوت والرؤوس الانشطارية، والنسخة الجديدة من الطائرة الانغماسية (الانتحارية) المسيّرة، وانتظروا مفاجآت قادمة.
أكبر دليل على قصر نظر القيادة الإسرائيلية، وغباء المبعوثين الأمريكيين ومعرفتهم شبه المعدومة بالمنطقة وألف باء الأوضاع فيها، هو اعتمادهم على الحكومة والجيش اللبناني لنزع سلاح “حزب الله” وقبل نهاية هذا العام، ونقول لهؤلاء جميعا، انكم لن تنزعوا رصاصة واحدة، وقد نشهد رد المقاومة بجميع أفرعها على الغطرسة الإسرائيلية الامريكية ربما قبل نهاية هذا العام.
ربما يفيد ان نذّكر الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي، وكل الشرفاء في العالم، والغربي خصوصا، ان حركة المقاومة في غزة لم تهزم، ونتنياهو لم يحقق أيا من أهدافه، فها هي كتائب القسام ومعها الجهاد الإسلامي، تسيطر على ثلثي قطاع غزة، وما زال سلاحها على حاله، واعداد مقاتليها يزداد بشكل مرعب، فهذه حرب طويلة، بل الأطول في تاريخ الصراع، ولن تتوقف المقاومة حتى تحقيق كل “أهدافها”، وما أطول نَفَسها وصبرها، فمن كان يتوقع انها ستهزم أضخم جيش ومخابرات في العالم (طوفان الأقصى)، وتصمد عامين بالتمام والكمال، بينما تستسلم جيوش جرارة وترفع الرايات البيضاء في ساعات.
القوات الإسرائيلية تقاتل على سبع جبهات، وانضمت اليها الجبهة الأكبر والأخطر وهي السورية، ولكنها لم تحقق أيا من أهدافها، وخاصة القضاء على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية (جنوب لبنان وغربه) وفي قطاع غزة، ولعل اعتراف إسرائيل بأن “حزب الله” يتعافى، ويستعيد قدراته القتالية، وتصنيع الصواريخ الدقيقة، واستمرار تدفق المعدات العسكرية عبر الأراضي السورية، أبرز دليل.
***
من أنتم حتى تقاتلوا على ثماني جبهات، وضد شعوب ودول تمتد جذورها في الجغرافيا والتاريخ آلاف السنين ، وهل تعتقدون انكم ستنتصرون؟ هذه أضغاث أحلام، هذه الشعوب هزمت كل الغزاة دون استثناء، ولن تتحملوا “غلية تاريخية” واحدة.
يتحدثون هذه الأيام عن عمل سياسي عسكري مشترك بتنسيق كامل مع أمريكا لفرض التهدئة وإعادة الاستقرار في المنطقة، طبعا الهجوم الساحق على ايران وأذرع المقاومة، وتغيير النظام الإسلامي في طهران قبل انتهاء فترة ولاية ترامب.
نقول لهم ان المواجهة الكبرى القادمة ستكون طويلة وموسعة، وتتواضع امامها حرب الـ 12 يوما، فايران لم ولن تتخل عن مشروعها النووي، بالقوة او المفاوضات، وتسعى الآن لسد الثغرات في منظوماتها الدفاعية الجوية التي كانت تشكل نقطة ضعفها، وإنتاج المزيد من الصواريخ الباليستية، وسلاح الغواصات التي ستشكل قوتها ودقتها مفاجآت في علم الحروب، ونحن ننقل هنا عن مصادر لا نشك مطلقا في صحتها.
ترامب الذي تراهنون عليه تخلى عن زيلينسكي ابن جلدتكم، وخمس أوكرانيا، وبات على حافة الغرق في حرب ضروس مع أمريكا الجنوبية، الحديقة الجنوبية لبلاده، وأصبح مكروها مثلكم، وبسببكم، من قبل شعبه ومعظم العالم، ولن يجد وقتا إذا أكمل ولايته لإنقاذكم، وهناك العديد من المؤشرات.. واسألوا زهران ممداني.. والأيام بيننا.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.