هل قرّر الرئيس بوتين تسليح سورية وإيران واليمن و”حماس” و”حزب الله” بصواريخ “إس 400”؟
أعادَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لروسيا هيبتها ومكانتها مُنذ أن تولّى الحُكم قبل 12 عامًا لأنّه رجلُ دولة يقول ويفعل، ولا يخشى اتّخاذ القرار وتنفيذه في الوقت المُناسب، وهذا ما فعله في أماكنٍ عديدة في العالم مِثل جورجيا قبل سنوات، ويفعله حاليًّا في أوكرانيا عندما أرسل قوّاته لنجدةِ مُواطنيه الرّوس في شرق وجنوب أوكرانيا بعد تعاظُم الاضّطهاد النّازيّ لهُم.
مساء الأربعاء فاجَأ الرئيس بوتين أعداءه في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بتوجيهِ تهديدٍ غير مسبوق ردًّا على إعطاءِ الدّول الثّلاث الضّوء الأخضر للجيش الأوكراني لقصف العُمُق الروسيّ بصواريخٍ بعيدة المدى عندما قال في مُؤتمر صحافي عقده في بطرسبرغ على هامش المُنتدى الاقتصادي الدولي المُنعقد فيها “إنّ روسيا تُفكّر في تزويد خُصوم “دول غربيّة” في أنحاء العالم بأسلحةٍ مُتقدّمة، بعيدة المدى، ذات طبيعة مُماثلة لتلك التي تُعطيها الدّول الغربيّة لأوكرانيا”، وحدّد ثلاث دول هي “أمريكا بريطانيا وفرنسا”.
الرئيس الروسي سمّى هذه الدّول المُستَهدفة بهذا التّهديد، ولكنّه لم يُحدّد الدّول والمُنظّمات التي يدرس تزويدها بالصّواريخ والمعدّات العسكريّة الروسيّة الحديثة، ونقوم نحنُ بهذا الواجب نيابةً عنه، ونقول إنّها إيران وسورية واليمن وفِلسطين المُحتلّة (حماس والجهاد الإسلامي) والعِراق ولبنان (حزب الله).
فجميع هذه الدّول والمُنظّمات تخوض حربًا مُباشرة ضدّ الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي في حاجةٍ ماسّة لمنظومات الصّواريخ الروسيّة المُتطوّرة من طِراز “إس 400″ و”إس 500” لإنهاء التفوّق العسكريّ الإسرائيليّ الجوّيّ المُتمثّل في الطّائرات الأمريكيّة الصُّنع من طِراز “إف 35″ و”إف 15” و”إف 16″، وحُصول دُول مِثل سورية وإيران واليمن على هذا النّوع من الصّواريخ سيُغيّر كُلّ قواعد الاشتِباك في مِنطقة الشّرق الأوسط.
***
فعندما يتّهم الرئيس بوتين، وبشَكلٍ غير مسبوق، “إسرائيل” بتنفيذ إبادة شاملة ضدّ المدنيين في قطاع غزة في المُؤتمر الصّحافي نفسه، ويُجَدِّد اعتراف بلاده بالدّولة الفِلسطينيّة المُستقلّة، فإنّه يعود لتبنّي سياسات الاتّحاد السوفييتي في الشّرق الأوسط، وهي السّياسيات التي قدّمت السّلاح والمُساعدات الماليّة والتكنولوجيّة (السّد العالي) لدُولٍ ثوريّةٍ عربيّةٍ كانت تقف في مُواجهة التّحالف الاستِعماري الأمريكي الصّهيوني مِثل مِصر بزعامة جمال عبد الناصر، وسورية حافظ الأسد، وجزائر هواري بومدين، وليبيا معمّر القذافي، وعِراق البكر ـ صدام.
من حقّ الرئيس بوتين أن يرد، وبهذه القوّة والحزم، على الولايات المتحدة وحُلفائها في أوروبا، الذين يُريدون تزويد زيلينسكي وجيشه الأوكراني بالصّواريخ والقذائف لقصف العُمُق الروسي وتدمير بُناه التحتيّة بعد فشَل جميع خططهم، وعلى مدى العامين الماضيين، في هزيمة روسيا وتقويض أمنِها واستِقرارها وتفكيكها، وخَنقِها اقتصاديًّا.. والبادي أظلم.
علينا أن نتخيّل لو زوّدت روسيا القوّات البحريّة اليمنيّة بصواريخٍ حديثة بعيدة المدى لتدمير السّفن وحاملات الطّائرات الأمريكيّة والبريطانيّة الفرنسيّة إلى جانب الإسرائيليّة في البِحار الأربعة (الأحمر والعربي، المتوسّط، والمُحيط الهندي)؟
وكيف سيكون حال القاذفات الإسرائيليّة التي شنّت مِئات الغارات على سورية لو زوّدت موسكو الجيش السوري بمنظومات الصّواريخ الجويّة من طِراز “إس 400” و”إس 500″، وقبل هذا وذاك لو أعطت هذا الجيش الضّوء الأخضر لاستخدام منظومات صواريخ “إس 300” الموجودة لديه، والمُتدرّب على استِخدامها مُنذ أكثر من ثلاثة أعوام؟
الرّد الروسي إذا ما جرى تفعيله عمليًّا، وبسُرعةٍ دُونَ تباطُؤ، بتزويد خُصوم أمريكا بالصّواريخ الحديثة سيُوجّه “ضربةً قاضية” لكُل القواعد العسكريّة الأمريكيّة في الشّرق الأوسط، وتسريع نهاية النّفوذ الأمريكي في المِنطقة.
لا نكشف سِرًّا عندما نقول إنّ المُساعدات العسكريّة الروسيّة لحركة طالبان، سواءً بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر، عن طريق إيران، لعبت دورًا كبيرًا في الهزيمة الأمريكيّة المُذلّة في أفغانستان، ولا نستبعد أن يتكرّر السّيناريو نفسه في فِلسطين المُحتلّة وسورية ولبنان واليمن والعِراق، وهي الدّول التي تقف في الخندق الروسي، وبدأت بشائر إرهاصات هذا التحوّل باستقبال موسكو لمُؤتمر المُصالحة الفِلسطيني قبل شهرين بحُضور حماس والجهاد على وجه الخُصوص الذي شكّل استفزازًا وتَحَدِّيًا لتل أبيب.
***
الكلمات “الجواهريّة” وليس الجوهريّة فقط، التي تعمّد الرئيس بوتين استِخدامها في مُؤتمره الصّحافي المذكور باتّهامه إسرائيل بتنفيذ حرب إبادة شاملة ضدّ المدنيين في قطاع غزة، ربّما تعكس تغييرًا جذريًّا في الموقف الروسي تُجاه هذه الدّولة المارقة، ومُقدّمة لرَدٍّ قويٍّ عمليٍّ مُباشر لدعمها للصّهيوني زيلينسكي، والدّور الأمريكي في دعم وإشعال فتيل حرب أوكرانيا.
يتضرّع الكثيرون في العالم العربي والإسلامي إلى الله أن يُنفّذ الرئيس بوتين تهديداته لأمريكا، وأن يُسارع في فتح أبواب ترساناته العسكريّة الطّافحة بالأسلحة المُتطوّرة لخُصومها في الشّرق الأوسط، وإنْ كُنّا نعتقد أنّها تأخّرت بعض الشّيء، ولكن “أنْ تأتي مُتَأخِّرًا أفضل من أن لا تأتي أبدا”، وللدّول العُظمى حساباتها.
الرئيس بايدن يستعجل التوصّل إلى اتّفاق هدنة في غزة لأنّه يُريد إنقاذ حُلفائه في تل أبيب، ومِنطقة الشّرق الأوسط معًا، للتفرّغ لحربٍ عالميّة، وربّما نوويّة باتت وشيكةً مع روسيا، ولإدراكه أنّ روسيا الدّولة التي تملك 6500 رأسًا نوويًّا، لن تتردّد في استخدامها تطبيقًا لعقيدة جيشها إذا ما تعرّض تُرابها الوطنيّ لأيّ عُدوان من أمريكا وحُلفائها، ومن يقول غير ذلك لا يعرف الرئيس بوتين.. والأيّام بيننا.