قبل 3 شهور
عبد الباري عطوان
57 قراءة

هل تنبّأ السنوار وقادة المقاومة بالانهيار في رفح؟

حالة الفوضى والارتباك التي تعيشها دولة الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام والمتمثلة في تمرّد القيادة العسكرية على نظيرتها السياسية التي انعكست في “الهدنة التكتيكية” الغامضة والمُفاجئة، تؤكد عدّة أمور أساسية:
الأول: أن صمود المقاومة وتكثيف عملياتها الفدائية “النوعية” بدأت تعطي ثمارها سريعا في استنزاف الجيش الإسرائيلي بشريا ومعنويا بعد الإنتقال الى حرب العصابات، واعتماد الكمائن كأسلوب ناجع في هذا المضمار لتقنين استخدام مخزونها من الأسلحة والذخائر، وإعطاء وتحقيق نتائج سريعة في ميادين المواجهة.
ad
الثاني: بُعد نظر قيادة المقاومة في القطاع، وقراءتها الاستراتيجية الصحيحة والدقيقة لأوضاع الكيان الإسرائيلي، وإفشال كل مخططاته، وعدم التأثر بتهديداته واكذوبة تفوقه، وانعكست هذه الرؤية الصائبة المدروسة في إدارتها الذكية لمفاوضات “التهدئة” التي رعتها أمريكا، وهي الرؤية التي تجسدت في نظرية “نعم.. ولكن” وعدم التراجع عن أي من مطالبها في الانسحاب الشامل، ووقف كامل لإطلاق النار، وتبييض السجون وإعطاء الأولوية للإعمار، وعودة النازحين دون قيود، ودفعة واحدة، وليس عبر ثلاث مراحل، وبضمانات روسية وصينية وتركية إلى جانب الأمريكية.
الثالث: التنسيق الكامل مع أذرع المقاومة العربية والإسلامية الأخرى في اليمن وجنوب لبنان والعراق وسورية في إطار استراتيجية التصعيد الميداني العسكري، وتكثيف الضربات الصاروخية وبالمُسيّرات، سواء في العمق الفلسطيني المحتل (حزب الله في الجليل)، أو في البحار (كتائب أنصار الله اليمنية وقوّاتها المسلحة) بحيث بات متعذرا على الجيش الإسرائيلي القتال على أكثر من جبهةٍ في آنٍ واحد.
الرابع: الاستقلال الكامل والمُطلق لقرار قيادة المقاومة السياسي والعسكري في القطاع، وعدم الرضوخ لأي ضغوط من الوسطاء العرب بطلب أمريكي، وهذا استقلال غير مسبوق في تاريخ الثورات الفلسطينية، بل وربما العربية أيضًا.
***
التكتيكات السياسية والعسكرية لقيادة المقاومة في غزة انتصرت في مسابقة “عضّ الأصابع” مع القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية والأمريكية عندما جعلت العدو يصرخ أولا، ويعترف بالهزيمة الميدانية من خلال الإعلان المُفاجئ للهدنة “التكتيكية” ووقف إطلاق النار طوال النهار في أجزاء من رفح للسماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر معبر كرم أبو سالم في شرق رفح، وربما تكون هذه الهدنة مقدمة للهروب الكامل من القطاع.
إنها سياسة النفس الطويل، والصبر الاستراتيجي التي اتبعتها هذه القيادة الحكيمة، لإطالة أمد الحرب، وإفشال مصيدة “الهدنة” التي رعتها الولايات المتحدة ومُخابراتها بالتنسيق مع نظيراتها في دول عربية حليفة بهدف تفتيت المقاومة وانقسامها، وامتصاص قوة الدفع فيها، وترهّل عضلاتها العسكرية، وبما يؤدي إلى إنقاذ دولة الاحتلال من أزماتها الخانقة، وهزيمتها المؤكدة، تمامًا مثلما حدث في إيرلندا الشمالية ومن خلال اتفاق “الجمعة الحزينة”.
الحذر مطلوب من قبل قيادة المقاومة في القطاع وفي أي تعاطٍ لها مع هذه الهدنة التكتيكية المُفاجئة التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، فهذا الجيش الذي نفّذ وما زال حرب الإبادة على مدى الشهور الثمانية الماضية، التي راح ضحيتها أكثر من 37 ألف شهيد ومئة ألف جريح معظمهم من الأطفال والنساء، ودمر أكثر من 90 بالمئة من منازل القطاع، لا يعرف شيئًا اسمه الانسانية، ولم ولن يلتزم بقوانين الحروب، وتفوّق على النازية والفاشية في مجازره.
تدمير حاملة جنود إسرائيلية من نوع “النمر” الأكثر تقدّمًا في العالم، وإعدام ركّابها الثمانية حرقًا قرب حي السلطان جنوب غرب رفح في عملية مدروسة لكتائب القسام، كانت نقطة تحول رئيسية في حرب غزة لأنها اكدت عمليا لجنرالات الجيش الإسرائيلي أن الفوز في هذه الحرب مستحيل والهزيمة مؤكدة، ليس لأن جنرالات القسام وسرايا القدس الأكثر دهاء وخبرة وتفوقا في حرب العصابات عنوان المرحلتين الحالية والقادمة، وإنما لأن الجيش الإسرائيلي ترهل أيضًا، وباتت علامات الانهيار بادية عليه، وجنوده، بعد تعاظم أرقام الخسائر في صُفوفه، وبات بعض هؤلاء الجنود يُفضّلون الانتحار على القتال في غزة.
***
إدارة المجاهد الميداني يحيى السنوار وذراعه الأيمن محمد الضيف للمقاومة من عمق 60 مترًا في أنفاق إعجازية تحت الأرض هندستها وبنتها عقول جبارة باستراتيجية مزدوجة، أولها عسكري، والثاني تفاوضي، سيتم تدريسها في الأكاديميات العسكرية في العالم بأسره، المُتقدّم منها أو المُتخلّف.
نتنياهو وبعد فشله في تحقيق أي من أهدافه، وتمرّد جيشه على قيادته اعترافًا بالهزيمة، وتقليصًا للخسائر، بدأ “يُلملم” حوائجه وعلى رأسها فرشاة أسنانه، وما تيسّر من المعلبات والحلاوة الطحينية خاصة، استعدادًا للإقامة في زنزانة مُعتمة، ربّما تكون نفسها التي أقام فيها أيهود أولمرت الذي انهزم في حرب تموز عام 2006، وربما ستتم ترقيته لاحقًا للانتقال إلى مكانٍ بارز في مزبلة التاريخ المُخصّصة للمهزومين، أمّا من سيأتي بعده، وقد تكون مهمّته محصورة في إعادة تسليم مفاتيح فلسطين كُل فلسطين إلى كتائب القسّام بقيادة المجاهد السنوار أو من ينوب عنه.. والأيّام بيننا.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP