أخيرًا تحرّك “الرئيس” عبّاس.. ماذا كانَ السّبب يا تُرى؟
أخيرًا وبعد ما يَقرُب من تسعة أشهر من حرب الإبادة التي يُمارسها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وتدميره بالكامِل، تذكّر “الرئيس” الفِلسطيني محمود عباس إنّ هُناك شيئًا يُسمّى اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التّحرير الفِلسطينيّة، المُمثّل الشّرعي والوحيد للشّعب الفِلسطيني، وسارع إلى عقدها بقيادته لبحث أحدث التطوّرات!
ad
“الرئيس” لم يعقد هذا الاجتماع من أجل اتّخاذ قرارات ومواقف لمُواجهة حرب الإبادة، وتحريك قوّاته الأمنيّة المُدرّبة والمُسلّحة جيّدًا لحِماية أبناء الضفّة الغربيّة على الأقل الذين على مرمى حجر من مقرّ السّلطة وقواعد قوّات أمنها العسكريّة (60 ألفًا في عين الحسود) “الرئيس عبّاس تذكّر أنّ هُناك سُلطة تُريد الحُكومة الإسرائيليّة تقويضها واجتِثاثها من جُذورها بعد أنْ أوقف بتسلئيل سموتريتش وزير الماليّة الإسرائيلي أموال المُقاطعة عنها، أمّا عندما كانت هذه الأموال تتدفّق إلى حسابات السّلطة، وبِما يُؤدّي إلى تسديد مُخصّصات ورواتب العاملين في السُّلطة، وكبار القوم منهم خاصَّةً، فإنّ الأمور كانت تسير بطريقةٍ طبيعيّة وعال العال، ولم تكن الحُكومة الإسرائيليّة تسعى لإنهاء السُّلطة مثلما اشتَكَى الرئيس عبّاس.
***
يا “فخامة” الرئيس عبّاس اسمعنا جيّدًا، الرّد على السّلطات الإسرائيليّة يجب أن لا يكون بالشّكوى من عدم وصول أموال المُقاطعة، وإنّما بالسّلاح على حرب الإبادة والإعدامات والتهجير والتّطهير العِرقي التي تُمارسها في الضفّة والقطاع، ألم يَحِنْ دور الحماية من قِبَل 60 ألف رجل أمن فِلسطيني لأشقّائهم في الضفّة والقطاع؟ ألم يكتف هؤلاء وعلى مدى 30 عامًا من حماية المُستوطنين، وقمع رجال المُقاومة الشّرفاء، بل وقتلهم التزامًا باتّفاقات أوسلو الخيانيّة، وحِرصًا على وصول أموال الضّرائب الفِلسطينيّة التي تجبيها دولة الاحتلال من البضائع التي يستهلكونها أو يُصدّرونها؟
كُنّا نتمنّى أنْ يعقد “الرئيس” عبّاس اجتماعًا طارئًا لمنظّمة التحرير ولجنتها التنفيذيّة ومركزيّة حركة “فتح” للرّد على الخطّة السريّة التي تتبنّاها حُكومة نتنياهو لتعزيز سيطرة “إسرائيل” على الضفّة الغربيّة، ووضع خطّة مُضادّة للتصدّي لها، وأوّل بُنودها إيقاف التّنسيق الأمني، وسحب الاعتراف، وحلّ السُّلطة، وتكليف قوّات الأمن بالدّفاع عن نابلس وجنين والقدس والخليل وطولكرم، ولكن تمنّياتنا لم تكن، ويبدو أنها لن تكون في مكانها طالما هذه السُّلطة قائمة، فحماية الشّعب الفِلسطيني وتحرير أرضه لا تُوجد أبدًا على سُلّم أولويّاتها أو حتّى اهتِماماتها.
بالأمس أعلن سموتريتش “أنه يعتزم جعل الضفّة الغربيّة جُزءًا لا يتَجزّأ من دولة “إسرائيل”، وقال في اجتماعٍ لحزبه (الصهيونيّة الدينيّة) “اعتزم جعل يهود والسامرا (الضفّة الغربيّة) جُزءًا لا يتجزّأ، وبصفةٍ نهائيّة، من دولة إسرائيل”، وأضاف “مهمّة حياتي إحباط قيام دولة فِلسطينيّة”، فعنْ أيّ سُلطة، أو أيّ أوسلو وتتحدّثون؟
***
أكثر ما يُثير غيظنا كأبناء لهذه القضيّة، أنّه في ظِل هذا الهوان، هُناك من بيننا ما زال يُساوي بين الذين يُغيّرون التّاريخ وخريطة العالم بصُمودهم، ومُقاومتهم، ودمائهم وشهادتهم، وطُوفان أقصاهم، وبين الذين يُوفّرون الأمن والحماية للقتلة، وينحصر جهادهم في طريقٍ واحد وهو إعادة استِئناف وصول الأموال للمُقاطعة والحِفاظ على اتّفاقات أوسلو، وما يقهرنا أكثر من ذلك أنّهم يسعون للمُصالحة معهم، مرّةً في الجزائر، وأُخرى في موسكو، وثالثة في الصين.
منظمة التحرير الفِلسطينيّة وسُلطتها تحتاج إلى “طُوفان أقصى” آخَر، دون أيّ تأخير، كخطوة أولى لوقف هذا التّكاذب والخِداع اللذين لا يستحقّهما الشّعب الفِلسطيني الذي قدّم ما يَقرُب 40 ألف شهيد، ومئة ألف جريح في الأشهر التّسعة الماضية، ممّا أعادَ الكرامة والاعتبار لمِليارين من الأُمّتين العربيّة والإسلاميّة نأمَل أنْ يُقدّروها.