تحت أيّ شُروط سيستخدم بوتين رُؤوسه النوويّة؟
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تقود الحرب في أوكرانيا ضدّ روسيا، وتستخدم الرئيس فولوديمير زيلينسكي كدُمية في هذا المِضمار بدأت تنتقل وبعد دُخول هذه الحرب شهرها السّابع ، من مرحلةِ الدّفاع إلى الهُجوم، بزيادة “جُرعة” الاستِفزاز للرئيس فلاديمير بوتين على أكثرِ من جبهة.
ثلاث تطوّرات رئيسيّة طرأت في الأيّام القليلة الماضية تُؤكّد ما ذكرناه آنفًا:
الأوّل: تحذير السّفارة الأمريكيّة اليوم لجميع رعاياها في أوكرانيا بالمُغادرة فورًا لأنّ روسيا قد تضرب مُنشآت مدنيّة ومبانٍ حُكومية في كييف العاصمة، ومُدُن أوكرانية أخرى، وأصدر الرئيس زيلينسكي التّحذير نفسه أيضًا.
الثاني: تصاعد القصف الصّاروخي الأوكراني باستخدام صواريخ “هيمارس” الأمريكيّة لأهدافٍ داخل شبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا عام 2014، وتعهّد الرئيس الأوكراني اليوم الثلاثاء باستعادة الجزيرة إلى السّيادة الأوكرانيّة، والقرم خَطٌّ روسيّ شديد الاحمِرار.
الثالث: اغتيال الصحافيّة الروسيّة داريا ابنة المُفكّر القومي وأبرز مُؤيّدي الرئيس بوتين ألكسندر دوغين، واجتِياحه لأوكرانيا بتفجير سيّارتها في موسكو، ممّا يعني نقل حرب المُخابرات والاغتِيالات إلى قلب العاصمة الروسيّة لزعزعة الامن والاستِقرار الدّاخلي، وتوجيه رسالة طمأنة لمُعارضي السّلطات الروسيّة السرّيين والعلنيّين معًا.
***
الرّد الانتقامي الروسي على هذه التطوّرات الثلاثة وخاصَّةً تعهد الرئيس زيلينسكي بإعادة سيادة بلاده على شبه جزيرة القرم، قد يتجسّد في عدّة خطوات:
الأولى: توسيع دائرة الحرب الأوكرانيّة والأهداف فيها، والعودة إلى استهداف العاصمة كييف والمُدن الأُخرى الكُبرى في الغرب، أيّ عدم التّركيز فقط على مِنطقة دونباس الجنوبيّة الشرقيّة، مثلما هو حادث الآن، وربّما تكون البُنى التحتيّة والمُؤسّسات الحُكوميّة في العاصمة هدفًا للقصف الصاروخيّ الروسي في الأيّام القليلة القادمة.
الثانية: احتِمالات إطلاق يد الاستِخبارات الروسيّة لتنفيذ عمليّات اغتيال ضدّ رُموز الحُكومة الأوكرانيّة، وربّما الرئيس زيلينسكي نفسه، ويتضّح ذلك في التّصريح اللّافت الذي أدلى به سيرغي لافروف وزير الخارجيّة في المُؤتمر الصّحافي المُشترك مع نظيره السوري السيّد فيصل المقداد، وقال فيه حرفيًّا “سنتعامل بلا رحمة مع المسؤولين عن تفجير السيّارة الذي أسفر عن اغتيال الصحافيّة داريا، ونحنُ الآن في انتِظار اكتِمال عمليّة التّحقيق وكشْف جميع المُتورّطين فيها”.
الثالثة: تصريحٌ غير مسبوق لديمتري بيسكوف المُتحدّث باسم الكرملين ردًّا على سُؤالٍ لمُراسلة “سي إن إن” بأنّ بلاده “ستلجأ إلى استخدام أسلحة نوويّة في حال هُناك تهديد وجودي”، وتَنُص المادّة 27 من العقيدة الروسيّة النوويّة “أن روسيا ستُقدِم على استِخدام الأسلحة النوويّة ردًّا على استخدام الخصم الأسلحة النوويّة، أو أسلحة الدّمار الشّامل، ضدّها أو أحد حُلفائها، وكذلك في حالة الاعتِداء على الاتّحاد الروسي بالأسلحة التقليديّة عندما يكون وجود الدولة في ذاته مُهَدَّدًا، مِثل إطلاق صاروخ باليستي، واستخدام أسلحة الدّمار الشّامل ضدّها، أو أحد حُلفائها، وشنّ عُدوان على البُنية التحتيّة العسكريّة والمدنيّة يُمكنه تقويض قُدرة روسيا على تنفيذ الرّد على الضّربة الثانية”.
الرابعة: إعلان وزارة الدفاع الروسيّة في بيانٍ رسميّ إعادة نشر ثلاث طائرات “ميغ 31” مُزوّدة بصواريخ “فرط صوتيّة” في مطار مِنطقة كاليننغراد القريبة من بولندا ودول البلطيق الثّلاث، وخاصَّةً أستونيا التي هربت إليها مُنفّذة عمليّة اغتِيال الصحافيّة الروسيّة داريا دوغين، وطالبت موسكو رسميًّا بتسليمها.
***
الحرب الأوكرانيّة مُقدمة على خريفٍ تصعيديّ على الجبهات كافّة: السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، حيث من المُحتَمل أن تتصاعد احتمالات المُواجهة الأمريكيّة الروسيّة المُباشرة، وقد يأتي العُنصر المُفجّر لهذا التوتّر المُتنامي من خِلالِ قصفٍ روسيّ لكييف، أو اجتياح قوّات روسيّة لأستونيا كرَدٍّ على رَفضِ سُلطاتها تسليم المُتّهمة باغتِيال داريا دوغين في موسكو، أو على الأقل قصفها بالصّواريخ الأسرع من الصّوت (كيجال) التي يصفها الرئيس بوتين بأنّها “لا تُقهَر” ولا يُمكن رصدها، أو إسقاطها من قبل الخُصوم.
شهر أيلول (سبتمبر) المُقبل قد يكون شهر المُفاجآت ليس في الحرب الأوكرانيّة، وإنّما في الشّرق الأوسط أيضًا، سواءً في حالِ التوصّل إلى اتّفاقٍ نوويّ إيرانيّ أمريكيّ أو عدمه.. والأيّام بيننا.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.