الأسباب الخمسة التي تؤكّد هزيمة الرئيس الأمريكي في مضيق هرمز حتّى الآن؟
مع قُرب إفراج بريطانيا عن ناقِلتها المُحتجزة: هل كسِبَت إيران حرب النّاقلات؟ وهل حَوّل ترامب الخليج إلى “علبة كبريت” حسب توصيف ظريف أم “برميل بارود” مِثلما نعتقد؟ وما هِي الأسباب الخمسة التي تؤكّد هزيمة الرئيس الأمريكي في مضيق هرمز حتّى الآن؟
كان السيّد محمد جواد ظريف، وزير الخارجيّة الإيراني، مُصيبًا باتّهامه الولايات المتحدة الأمريكيّة بتحويل المِنطقة “إلى علبة كبريت قابلة للاشتعال”، بتصعيد التوتّر فيها وإغراقها بصفقات أسلحة وصلت قيمتها إلى 50 مِليار دولار في العام الماضي فقط، ولكنّه لم يُحدّد الجِهة التي ستُقدّم على تفجير المِنطقة، وإشعال فتيل الحرب فيها وكيف؟
كنّا نتمنى لو أن السيّد ظريف استخدم تعبير “برميل بارود” بدلًا من “علبة كبريت”، لأنّه أكثر دقّة لتوصيف الوضع الراهن، لتناسبه مع حجم الانفجار الذي يُمكن أن يحدث في حال تحوّلت حالة التوتّر المُتصاعدة إلى مُواجهةٍ يُمكن أن تحرق المِنطقة برمّتها مثلما قال السيّد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله”، في آخِر خطاباته، لأنّ ألسنة اللّهب لن تتوقّف عند حُدود مضيق هرمز وضفّتيه، وستمتد إلى دولٍ عديدةٍ من شرق المُتوسّط مُرورًا بالبحر الأحمر، وانتهاءً ببحر قزوين شمالًا والمُحيط الهندي جنوبًا.
حماقة الرئيس دونالد ترامب، وخُضوعه للإملاءات الإسرائيليّة، وسوء تقديره للمَنظومة العسكريّة التي تضُم إيران وحُلفاءها، وأذرعها المقاتلة، هي التي أدّت إلى الوضع المُتفاقم حاليًّا في مضيق هرمز ومياه الخليج، فقبل انسحابه من الاتّفاق النووي، كان أكثر من 18 مليون برميل من النفط تتدفّق إلى أسواق شرق آسيا وبعض الدول الأوروبيّة دون أيّ عوائق، ولم تكُن هُناك حاجة لحشد السّفن وحاملات الطائرات، وتشكيل الأحلاف لحماية المِلاحة في الخليج.
بِضاعة الرئيس ترامب التي يُحاول تسويقها، وتتمثّل في تشكيل التّحالف البحريّ “بارت”، ولم تجِد إلا القليل من الزبائن، وحُلفاؤه سواء كانوا عربًا أو إسرائيليين، يعيشون حالةً من القلق والرّعب من النتائج الكارثيّة التي يُمكن أن تحِل بهم وبلادهم في حال انفجار برميل البارود أو علبه الكبريت.
***
الجنرال يد الله جواني، نائب رئيس الحرس الثوري الإيراني، لا نعتقِد أنّه “ينطق عن هوى” عندما يخرج علينا فجأةً بتحذيراتٍ إلى أمريكا من الاعتداء، ليس على إيران فقط، وإنّما على ما وصفهم بأصدقاء الثورة الإيرانيّة، لأنّ الاعتداء سيعني الدخول في مُواجهةٍ مع إيران”.
لم يُفصح الجنرال جواني عمّا يقصده بمثل هذه التحذيرات، ومن هُم هؤلاء الأصدقاء الذين يعتبر الاعتداء عليهم، اعتداءً على إيران، ويُمكن أن نتكهّن بأنّه يقصِد “حزب الله” في لبنان، و”أنصار الله” في اليمن، و”الحشد الشعبي” في العِراق، الذي يتعرّض هذه الأيّام إلى هجماتٍ صاروخيّةٍ “غامضة”، يُعتقد أنّ أمريكا وإسرائيل خلفها.
الرئيس ترامب هو الخاسر حتّى الآن من حالة التوتّر التي تسبّب بها في مِنطقة الخليج، وذلك للأسباب التالية:
أوّلًا: الإفراج البريطاني الوشيك (هناك تقارير تؤكّد أن الإفراج سيتم غدًا الأربعاء) عن ناقلة النفط الإيرانيّة التي تم احتجازها في مضيق جبل طارق قبل ستّة أسابيع تقريبًا، يعني خسارة حرب الناقلات، والرّضوخ الكامل للإملاءات الإيرانيّة، ونجاح سياسة العين بالعين والنّاقلة بالنّاقلة.
ثانيًا: انهيار التحالف العربي الذي تتزعّمه السعوديّة، ويحظى بدعمٍ أمريكيٍّ في اليمن، بعد انسحاب الإمارات منه، واستيلاء قوّات المجلس الانتقالي الجنوبي على قصر المعاشيق ومُعظم المراكز العسكريّة التابعة للرئيس هادي وحُكومته في عدن.
ثالثًا: فشل الولايات المتحدة في الإقدام على أيّ أعمال انتقاميّة ضِد إيران بعد إسقاط طائرتها المُسيّرة، وإعطاب سِت ناقلات نفط، واحتجاز سفينتين بريطانيتين، وقصف سفارتها في العِراق بعدّة صواريخ وذلك خوفًا من الرّد الإيراني.
رابعًا: عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم بمُعدّلات عالية، وإعلانها اليوم عن زيادة مخزونها منه إلى 370 كيلوغرامًا، أيّ بزيادة 70 كيلوغرامًا حتّى الآن، عن الكميّة المسموح بها في الاتّفاق النووي.
خامسًا: فتح دولة الإمارات قنوات حوار مع طِهران، والتوصّل إلى اتّفاقات أمنيّة أثناء زيارة وفدها إلى العاصمة الإيرانيّة قبل أسبوع، في انتهاكٍ صريحٍ للعُقوبات الأمريكيّة.
سادسًا: إعلان السيّد محمد الحكيم، وزير الخارجيّة العِراقي، عن رفض بلاده، أحد أبرز حُلفاء أمريكا، عن مُعارضته لأي مُشاركة إسرائيليّة في قوّة الأمن البحريّة لحماية السفن التجاريّة في مضيق هرمز الأمر الذي يُشكّل صفعة للرئيس ترامب، وإحراجًا للدول الخليجيّة التي رحّبت بهذه المُشاركة، إذا كانت ما زالت تشعُر بالحَرج.
***
لا نعرِف من الذي سيُشعِل برميل البارود أو علبة الكبريت، ولكن ما نعرفه، أنّ كُل المُؤشّرات تؤكّد بأنّ إيران لن تستسلم وترفع الرايات البيضاء بالتّالي، وستواصل “التحرّش” بالجانب الأمريكي الذي تسبّب بهذه الأزمة بالتّقسيط المُريح، وستضعه أمام خِيارين لا ثالث لهما، الأوّل: رفع العُقوبات والعودة للاتّفاق النووي، والثّاني: الذّهاب إلى الحرب والبِدء في إشعال فتيلها، وتحمّل مسؤوليّة نتائجها، ولا نعتقِد أنّ هُناك حلًّا وسطًا في ظِل توقّف الوِساطات والوسطاء، وتشبّت الطّرف الإيراني بشُروطه كاملةً.
صحيح أنّ استمرار حالة اللّاسلم واللّاحرب الحاليّة لا تخدِم الطرف الإيراني الذي يُعاني شعبه تحت الحِصار الخانق، ولكنّنا لا نستبعِد استغلالها للمزيد من أعمال التّخصيب وبنسبٍ عاليةٍ، والاقتراب من إنتاج الكميّات اللّازمة لإنتاج أسلحة نوويّة في الوقت الراهن أو المُستقبل، والعودة إلى مرحلةِ ما قبل المُفاوضات التي أدّت إلى الاتّفاق النووي.
إيران في حالةٍ “استشهاديّةٍ”، ونقولها للمرّة الثانية تذكيرًا وتحذيرًا، ولن تقبَل بالمُرور في سابقة النّفق العِراقي المُؤدّي إلى تجويع شعبها، وسُقوط نظامها، ومن يقول غير ذلك لا يفهَم معنى “كرامة الشّعوب وكبريائها الوطنيّ”.. والأيّام بيننا.