هل انتظرت إيران الحرب لتأتي إليها؟
كان الطريق إلى تجنب الحرب الإقليمية في المنطقة بسيطاً وممكناً عبر إنهاء الإبادة الجماعية في غزة. لكن "إسرائيل" فتحت جبهة لبنان من دون إغلاق جبهة غزة، وأصبح من الواضح أن وعود واشنطن بوقف إطلاق النار كان مجرد إلهاء.
جاءت الاختراقات الأمنية لحزب الله بعد تفجيرات "البيجرز" وهواتف اللاسلكي واغتيال قادة الحزب العسكريين واغتيال الأمين العام لحزب السيد حسن نصر الله بسرعة قياسية، وكفرصة عدّها بايدن سانحة لاجتثاث حزب الله وتسليم سلاحه، إلا أنه لم يشجع نتنياهو على الاجتياح البري كي لا يخسر الإنجازات الأمنية التي حققها، لكنه قدم له الدعم الكامل.
أمضت "إسرائيل" الأسبوعين المنصرمين محتفلة بقدرتها على شل قدرات حزب الله، لكنها ضخمت الأهداف وادّعت أنها باستراتيجيتها المبنية على "الصدمة والرعب" يمكنها القضاء على رأس محور المقاومة، إيران. وهدّدت بتدمير المنشآت النووية الإيرانية وتفكيك البلاد تحت مسمّى تغيير النظام واغتيال رموزه.
كان نتنياهو واضحاً في خطابه في الكونغرس عندما حمّل إيران مسؤولية عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي وحرّض على ضربها. كان قد أعدّ لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية في طهران قبل عودته من واشنطن، وكأنه يؤكد شراكته مع واشنطن.
ذهبت "إسرائيل" إلى استفزاز إيران، التي أكدت أنها لا تسعى إلى الحرب بل تشجع مساندة غزة. لكن، من الواضح أنه مع اغتيال السيد نصر الله شعرت بأن الحرب آتية إليها. وصلت إيران إلى ما حاولت تجنّبه، وقال رئيسها الإصلاحي بزشكيان بعد عودته من نيويورك، إن "وعود الزعماء الأميركيين والأوروبيين بوقف إطلاق النار مقابل عدم الرد الإيراني على اغتيال هنية كانت كذبة كاملة".
فقدت أي تبريرات صحتها عندما اغتيل نصر الله، أعطت واشنطن لنتنياهو الفرصة لتنفيذ مخططه. رأت "إسرائيل" أنّ شلّ القدرات الهجومية للحزب، واغتيال أمينه العام سيؤديان إلى كسر نفوذ إيران الإقليمي وإعادتها إلى الخلف وإغراقها في أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وسحب أوراق القوّة منها على طاولة التفاوض النووي، وإبعادها عن البحر المتوسط.
تصفية الحساب مع الحزب كانت مقدمة للتفرّغ لإيران ورسم شرق أوسط جديد لا تكون إيران لاعباً مؤثّراً فيه. الواضح أنها ليست حرب نتنياهو، بل هي حرب إسرائيلية، أميركية وأوروبية من أجل تثبيت مكانة "إسرائيل" في المنطقة كقوّة مهيمنة على جيرانها، ووضع يدها على غزة والضفة الغربية والجولان السوري، ولا مكان لدولة فلسطينية أو حق العودة، بل فرض مظلّة أمنيّة. انتشت الأقلام في الصحف العبرية وبدأ الحديث عن ضرورة القضاء على التهديد النووي الإيراني.
الرد الإيراني ومفاعيل الصواريخ الباليستية
شنّت إيران هجوماً بالصواريخ الباليستية على "إسرائيل" في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر. أثارت مخاوف من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي إن إيران لم تنسق الضربة مع الولايات المتحدة عكس ما أشيع. وعلى الرغم من استهداف "إسرائيل" هيكل حزب الله القيادي، فإن القوة العسكرية للحزب واصلت إطلاق الصواريخ على "إسرائيل" وكبّدت الكيان خسائر عسكرية.
تتحدث إيران صراحة عن مهاجمة جميع القواعد الأميركية في الشرق الأوسط في حال وقوع هجوم أميركي- إسرائيلي مباشر عليها. وقال وزير الخارجية عباس عراقتشي إنهم أبلغوا الإدارة الأميركية أنهم سيستهدفون القوات الأميركية في المنطقة في حال تدخلت. الإدارة الأميركية حذّرت من أنه "ستكون هناك عواقب وخيمة على إيران". إصرّ بايدن على عدم نجاح الهجوم( يمكن قراءة هذا التصريح على أنه محاولة من واشنطن لتجنب الحرب).
قال بايدن بعد المؤتمر الهاتفي مع دول مجموعة السبع: "نحن السبعة متفقون على أن لدى إسرائيل الحق في الرد، لكن يجب عليها الرد بشكل متناسب". عندما سئل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم أي هجوم على المنشآت النووية، توقع الحد من رد "إسرائيل".
قد تفرض الحرب تكاليف على "إسرائيل" والولايات المتحدة وشركائهما الإقليميين. بل وربما يتسببون في ما يخشونه عندما يقولون دعونا ندمر البرنامج النووي الإيراني. مدى رد فعل "إسرائيل" وموقف الولايات المتحدة يحددان ما إذا كانت الحرب الإقليمية ستنفجر. صرح مسؤولون إسرائيليون أن "إسرائيل" ستشن عملية انتقامية كبيرة تستهدف منشآت إنتاج النفط ومواقع استراتيجية أخرى في غضون أيام.
تم تسريب تهديدات إيرانية للولايات المتحدة: إذا هاجمت مصافينا، فسنشعل النار في المصافي وحقول النفط في المملكة العربية السعودية وأذربيجان والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين".فيما نفت إيران التسريب، لكنه يمكن أن يخدمها بشكل غير مباشر بعد فتح دول الخليج النقاش في هذا الصدد مع الرئيس بزشكيان أثناء زيارته لقطر.
الاغتيالات التي قام بها نتنياهو أشارت أنه مستعد للمقامرة، فهو يرى أن مخاطر إثارة حرب إقليمية تشكل خطراً أقل من تهديد محور المقاومة، لذلك هو يضاعف القوة العسكرية لاستعادة الردع وتعطيل التهديد.
إعادة بناء الردع تقتصر إلى حد كبير على استخدام القوة. فكل جانب يصعد عسكرياً لردع الجانب الآخر، والفشل في الرد بالقوة على عمل عدواني من شأنه أن يدعو إلى المزيد من الاستفزاز، ولكن إذا أقدم أحد الطرفين على الرد بقوة أكبر فقد يؤدي إلى المزيد من التصعيد. وفي كلتا الحالتين، من المرجح أن يتصاعد العنف إلى حد لا يمكن السيطرة عليه.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة