قبل 4 شهور
هدى رزق
65 قراءة

بايدن ومهمة إنقاد "إسرائيل" بعد طوفان الاقصى

الاشراق | متابعة.

لا يبدو أننا أمام نهاية قريبة للحرب على غزة، في الوقت الذي تصاعدت حتى وصلت إلى البحر الأحمر، وأضحى الاقتصاد الإسرائيلي المتضرر الأكبر، من الاستهدافات للناقلات المرتبطة بـ"تل أبيب" على صعيدي الصادرات والواردات. عمليات "أنصار الله" في البحر الأحمر أدت إلى تأثيرات سلبية في عمل الموانئ الإسرائيلية، وأصبح بعضها خاوياً تماماً من السفن، بحيث تتأثر تجارة "إسرائيل" الخارجية بصورة عامة في ضوء ما أسفرت عنه تداعيات عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية، كما أن جبهة الشمال مع حزب الله تصاعدت في الآونة الأخيرة، وتخطت قواعد الاشتباك. 

تأخذ التوترات المتصاعدة عند الحدود اللبنانية وفي البحر الأحمر من اهتمام وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الذي أعلن تشكيل تحالف بحري لضمان أمان مرور السفن في البحر الأحمر، لم تشارك أي دولة خليجية في المبادرة باستثناء البحرين.

فدول الخليج، كالسعودية والإمارات، لا تريد تعريض مصالحها الاقتصادية للخطر بعد تجارب مريرة مع حركة أنصار الله، الأمر الذي يعكس عزلة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بسبب سياستها تجاه غزة، بحيث بدأت بالفعل أسعار النفط ترتفع، وهو ما سينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي، ويزيد في ضغوط إدارة بايدن الداخلية، التي تواجه انتقادات واسعة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، لا تواجه الولايات المتّحدة اليوم خطر التعرّض لحظر نفطي عربي، لكنّها قد تواجه ما هو أسوأ من ذلك. 

بايدن يعمل لإنقاذ "إسرائيل" 
يجسد الموقف الأميركيّ أعواماً طويلة من الفشل في إدارة الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي. لا يمكن وضع تقدير بشأن الفترة الزمنية التي ستستغرقها الحرب، وبشأن النتائج التي يُمكن أن تُحققها "إسرائيل". فالتصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأميركي جو بايدن، وانتقد فيها القصف الإسرائيلي لغزة، كان هدفها ضرورة تغيير شكل الحرب وتنفيذ توصيات الإدارة الأميركية العسكرية.

فهو أشار إلى احتمال تأكّل الدعم الأوروبي والأميركي والبريطاني بسبب "قتل المدنين عشوائياً". لم تكن هذه التصريحات تعني بالضرورة تحولاً في السياسة الخارجية الأميركية، فواشنطن شريكة "إسرائيل"، وهي التي مكّنت حكومة نتنياهو من ارتكاب جرائم الحرب.

الهجمات العشوائية ضد المدنيين في غزة حظيت بـ"الشرعية" من إدارة بايدن للقتال ضد المقاومة الفلسطينية، لكن الضغوط الدولية والاعتبارات الداخلية الأميركية، وأهمها الانتخابات الرئاسية، هي التي تقف خلف خطاب بايدن. عدّ البعض أن وصفه حكومة نتنياهو بأنها أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينية، ولا تقبل أي حل، مثل "حل الدولتين"، يمثّل تغييراً في السياسة الأميركية، لكن بايدن كان واضحاً عندما أكد أنه لن يتخذ أي خطوات من شأنها الإضرار بأمن "إسرائيل"، وهو لا يزال ينظر إلى القضية في سياق "دفاع "إسرائيل" عن نفسها.

" الإدارة الأميركية لا تعارض رغبة "إسرائيل" في تعميق العملية في خان يونس، والهادفة إلى اغتيال قادة حماس، لكنها ترى أنه يجب تغيير نمط الحرب إلى شكل تكون فيه أقل حدّة، قبل أن تحقق أهدافها. وترى أن على بنيامين نتنياهو أن ينصت إلى تحذيرات البيت الأبيض بشأن غزة، ويدرك أنه، من دون حماية الولايات المتحدة، لن يتمكن من الصمود أمام الضغوط الدولية. فالحرب ليست حرب "إسرائيل"، وإنما هي حرب هيبة الولايات المتحدة الأميركية وقوتها في الشرق الأوسط.

البنتاغون وممثلو القيادة المركزية للجيش الأميركي أوصوا الحكومة الإسرائيلية، منذ فترة غير قصيرة، بتغيير شكل العملية، والانتقال إلى المرحلة الثالثة، على رغم حسابات نتنياهو ومخططاته. التغيير في شكل القتال يقوم على إنشاء منطقة أمنية عازلة عند حدود قطاع غزة، وقد تفصل بين شمالي القطاع وجنوبيه، وتقليص جزء من قوات الاحتياط في الجيش من أجل التحوّل إلى طريقة المداهمات.

أصبحت القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية على يقين بعد خسائرها أن القضاء على حماس يتطلب وقتاً طويلاً، وفي هذه الأثناء سيواصل الجيش الإسرائيلي لفترة طويلة العمل من داخل قطاع غزة بعد انتهاء المرحلة الحالية. أما نتنياهو فهو يخشى انهيار ائتلافه. إلا أن الضغط غير المسبوق على قوات الاحتياط، بسبب ما له من آثار بعيدة المدى في الاقتصاد، والخشية من سقوط مزيد من القتلى في صفوف الجيش، يجبره على تغيير نمط الحرب إلى شكل أقل حدة.

تحاول واشنطن إقناع "إسرائيل" بتسليم غزة إلى السلطة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب في مقابل رفض نتنياهو. إدارة بايدن تريد التركيز على مناقشة من سيتولى إدارة غزة، بدلاً من الحديث عن الحرب التي تجري فيها. ويبدو أن نتنياهو يريد الإبقاء على غزة تحت الاحتلال، باسم الحرب على حماس. رسالة بايدن مفاداها أن حماس تم القضاء عليها، وأنَّ المقترحات الأميركيَّة، على غرار "الهُدَن الإنسانيّة"، وإيجاد ترتيب لغزّة بعد حماس، مُصمَّمة من أجل مساعدة "إسرائيل" على مواصلة حربها.

تبدو الولايات المتّحدة عاجزة عن بلورة رؤية فعَّالة وقادرة على التعامل مع الأسباب الجوهرية العميقة لهذا الانفجار في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتسعى إدارة بايدن للحد من التكاليف السياسية الناجمة عن الحرب على غزة، مع استمرار دعمها "إسرائيل". وكان وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، أثار ردود فعل غاضبة في الكيان الإسرائيلي عندما قال إن "إسرائيل" تواجه خطر "الهزيمة الاستراتيجية".

وهو الذي يعرف جيداً تجربة الولايات المتحدة في العراق، ولا سيما أن المدنيين يقفون إلى جانب حماس بعد المجازر المروعة. تريد الولايات المتحدة نقل الصراع إلى الفلسطينيين أنفسهم بعد أن نكلت بالمدنيين وأفقدتهم بيوتهم وأولادهم تحت حجة حمايتهم لحماس، وتمكين السلطة الفلسطينية من الحكم في غزة بعد تغيير بعض الوجوه، تحت شعار الإصلاح وإعادة الإعمار. وبذلك، تضع نهاية لحقبة حكم حماس لها والقضاء على مقاومتها.

يجري حالياً التفاوض على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى "وقف الأعمال العدائية". وإذا تمت صياغة نص القرار، بحيث لا يزعزع استقرار "إسرائيل"، فقد تصوّت الولايات المتحدة لمصلحته أو تمتنع عن التصويت. وإذا حدث ذلك فيمكن عدّ هذا السيناريو جزءاً من جهود الولايات المتحدة للسيطرة على الأضرار.

يبدو أن إدارة بايدن غير مستعدة لاتخاذ خطوات ملموسة لتغيير السياسة الإسرائيلية، مثل فرض شروط على المساعدات العسكرية، أو الدعوة إلى وقف إطلاق النار، فهي غير مستعدة للذهاب إلى أبعد من مجرد محاولة إدارة التكاليف السياسية والمخاطر الاستراتيجية التي تنتج من سياستها الحالية.

شكلت عملية "طوفان الأقصى" مفاجأة في توقيتها للأميركي، الذي كان أنجز إعادة تثبيت تحالفاته مع دول المنطقة، والتي بدورها كانت في طور ترتيب أوضاعها مع الأميركي، إلا أن توقيت العملية كان فلسطينياً بامتياز، لم يراعِ ظروف الإقليم، بل انطلق من رؤيته للمسار الفلسطيني الذي كان يتهاوى.

سوف يفتتح بايدن حملته الانتخابية بداية عام 2024 بتغيير صورة الحرب في غزة من أجل الحد من الانتقادات له في الداخل الأميركي ولحلفائه. وعلى رغم بعض استطلاعات الرأي التي تظهر أنه خسر أصوات الشبان والملونين والمسلمين المؤيدين للحزب الديمقراطي، فهو على يقين بأن تغيير مسار الحرب في غزة سوف يخفف النقد الذي يواجهه، لأنه ضمن تأييد اللوبي الصهيوني وشركات السلاح والعتاد العسكري من جهة، وعادت واشنطن بفضل اعتمادها القوة المفرطة إلى المنطقة بعد أن كانت في تراجع.

غير أن المفاجآت يمكن أن تأتي من القادة الإسرائيليين اليمينيين، الذين سوف ينقضّون على المساعي الأميركية في خضم الحملة الانتخابية، من أجل تغيير مسارها لتصبّ في مصلحة حلفاء نتنياهو من الجمهوريين، علّه يستطيع النفاذ من مصير محتوم إذا جرى إسقاطه.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP