مستقبل غزة بين بايدن ونتنياهو واليوم التالي!
الرئيس الأميركي جو بايدن يشتبك مع نتنياهو بالرغم من الدعم غير المشروط الذي قدّمه لـ "إسرائيل"، فهو من أشدّ المؤيّدين للحرب الشعواء التي شنّتها "إسرائيل" على غزة، وتوافق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في المرحلة الأولى من الحرب، وأرسل الأسلحة الفتاكة إلى "إسرائيل"، وهو نفسه من أرسل منذ فترة قصيرة طروداً غذائية إلى غزة بالمظلات مع أنّ إسقاط المساعدات من الجو اعتبر إهانة للفلسطينيين.
يبرز خلافه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حول المسار الذي يجب اتباعه في القضية الفلسطينية وهو جوهريّ، يحاول بايدن حماية "إسرائيل" من مخططات اليمين المتطرف، ويريد في الوقت عينه كسب ثمن الدعم الذي قدّمه له في صناديق الاقتراع في الانتخابات الأميركية، فهو يحرص على حماية حياته السياسية عبر النجاح في فرض رؤيته لليوم التالي في غزة، واستعادة الثقة بالولايات المتحدة التي تهمّشت بين الشركاء الإقليميين.
ليست المرة الأولى التي يتناقض فيها الرئيس الأميركي جو بايدن مع اليمين الإسرائيلي، وهو الحريص على مستقبل "إسرائيل" وطالما رأى أنّ الاندماج الكلي "لتل أبيب" في المحيط الإقليمي هو الأصلح بالنسبة لها وللولايات المتحدة.
لذلك كان دائم الدعوة إلى عدم توسّع المستوطنات غير القانونية التي تضرب "مصداقية إسرائيل" في البحث عن السلام، وهو يرى أن "إسرائيل" تعتبر أهم استثمار قامت به الولايات المتحدة لحماية مصالحها الخاصة في المنطقة، لذلك يرى أن عليه التزاماً بأمن "إسرائيل" لا يتزعزع، وأثبت الرجل ولاءه لها من خلال استخدام حقّ النقض ضد ثلاثة قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار.
الميناء العائم ووظيفته
في خطابه عن حال الاتحاد، أعلن بايدن أنه سيتمّ بناء ميناء مؤقت لوصول المساعدات إلى غزة، وفي الوقت عينه صرّح أنه ليس لديه خط أحمر فيما يتعلّق بمساعدات الأسلحة لـ "إسرائيل". لكن ترى الولايات المتحدة أنّ نتنياهو غير متعاون، ويركّز فقط على البقاء السياسي بعد 7 أكتوبر.
نتنياهو يرى أنّ "إسرائيل" قبلت وقف إطلاق النار خلال شهر رمضان من حيث المبدأ. لكنه تجاهل المطالبة بخريطة طريق حول كيف ومتى ستنتهي العمليات في غزة، وتجاهل التحذيرات بعدم دخول رفح، كما أنّ خريطة الطريق التي قدّمها إلى مجلس الحرب تعترف بحرية "إسرائيل" في القيام بالعمليات العسكرية في غزة، وترفض نقل الإدارة إلى السلطة الفلسطينية بعد حماس. يتحدث نتنياهو عن إدارة الشؤون المدنية مع بعض الفلسطينيين المحليّين المتعاونين مع "إسرائيل".
إدارة بايدن تريد تعزيز قوة "إسرائيل" النارية وحمايتها في مجلس الأمن الدولي، وتظهير قوتها ومنع فتح جبهات أخرى في اليمن ولبنان. وكان بايدن قد أقرّ لنتنياهو حقّه في ملاحقة حماس، لكن مع ضرورة وقف لإطلاق النار خلال شهر رمضان، وقبول إقامة السلطة الفلسطينية والتفاوض من أجل حلّ الدولتين.
كلّ ذلك من أجل أمن "إسرائيل" وتعهّد أن تكون السعودية مستعدة للاعتراف بـ "إسرائيل"، إلا أنّ نتنياهو مصمّم على تدمير فلسطين من أجل مستقبله السياسي والمشروع الصهيوني. وهو غير مستعد إطلاقاً لإحياء السلطة الفلسطينية ونقلها إلى غزة والتخطيط لحل الدولتين. وهو يتجاهل الدعوات إلى عدم جعل احتلال غزة دائماً، وعدم توسيع الاحتلال في الضفة الغربية.
لم يقدّم خطة أخرى سوى الوعد بـ"النصر الشامل" الذي لا يمكن لأحد أن يحدّده، الحرب التي قادها "الجيش" الإسرائيلي بحاجة لتحويل المكاسب قبل إنهائها إلى إنجاز استراتيجي، كون هذه المكاسب قد بدأت تضيع. فقد وقّع بايدن مرسوماً في الأول من شباط/فبراير يفرض عقوبات على الأشخاص الذين "يقوّضون السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية"، في إشارة إلى إرهاب المستوطنين غير القانوني.
دعوة زعيم المعارضة بيني غانتس، الذي انضم إلى حكومة الحرب، إلى واشنطن من دون إذن رئيس الوزراء، أدت إلى ظهور مؤشرات على ضرورة سحب البساط من تحت نتنياهو. والتقى غانتس مع نائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان. وبعد أن قتلت "إسرائيل" 114 شخصاً من الحشود التي كانت تهرول للحصول على المساعدة في الأول من آذار/مارس، بدأت الولايات المتحدة بإسقاط المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق الجو. والآن أصبحت خطة إنشاء ميناء مؤقت في غزة على طريق التنفيذ.
يحاول بايدن إعطاء اتجاه آخر لسياسة التدمير التي تنتهجها "إسرائيل" ويحاول إزالة آثار النكبة التي قادها والجرائم ضد الإنسانية، والهرب من الانتقادات المتزايدة في الداخل من الرأي العام الأميركي تحت ستار مهمة إنسانية، إلا أنه لا يضغط لفتح جميع الحدود أمام المساعدات الإنسانية والتوقّف عن منع وصول القادمين من رفح إلى الحدود المصرية.
الميناء العائم لمصلحة من؟
ما هو الحلّ الذي سيقدّمه المرفأ، المقرّر افتتاحه خلال شهر أو شهرين. يبدو أنه يتم أيضاً تحميل وظائف أخرى في هذا المنفذ منها الأمنية، فالأميركي يريد الحفاظ على دور الشرطة في غزة، وهي الهيكل الأمني التابع لحماس. ووجود الجيش الأميركي في الميناء يعني قربه من غزة، فالأميركي اقترح إرسال قوات دولية أو عربية بغطاء دولي ربما يسهّل تطعيمها بقوات أميركية من أجل الضغط على "إسرائيل".
هناك تحذيرات من أن الشحنات من الميناء لن تكفي لـ 2.2 مليون شخص، ولن تحلّ محلّ الشحنات البرية أبداً. ووفقاً للأمم المتحدة، يواجه 576 ألفاً من سكان غزة جوعاً كارثياً. قبل الحرب، كان يدخل غزة ما معدله 500 شاحنة يومياً عبر الأمم المتحدة.
من المفترض أن يؤدي فتح القيادة المركزية الأميركية لممر المساعدات إلى غزة مع سفن متصلة بقبرص إلى تغيير الوضع. فهل ستجبر خطة الميناء "إسرائيل" على فتح البوابات، أم أنها ستعطي "تل أبيب" الذريعة بأنه إذا كان هناك ميناء فلا داعي لفتح البوابات؟ فهل ستغلق بوابة معبر رفح؟
الخارجية الفلسطينية رأت أنّ تركيز "إسرائيل" على إعطاء الموافقات على فتح ممرات بحرية ومنع مرور المساعدات برياً عن طريق المعابر، هدفه تطبيق خطة حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتكريس الاحتلال والفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتهجير أنباء الشعب الفلسطيني. وقالت في وقت سابق إنّ الممر تترتّب عليه مخاطر تستهدف الوضع الديموغرافي في قطاع غزة، في ضوء عمليات القتل والتجويع وقطع شريان الحياة عن القطاع.
المحطة الأخيرة لسكان غزة النازحين هي تسوية رفح والاستيلاء على ممر فيلادلفيا على طول الحدود. ويشعر الفلسطينيون بالقلق من أنّ هذا المشروع سيفيد "إسرائيل". أما "إسرائيل" فهي تريد أن تنتقل مبادرة المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار من قطر إلى الإمارات، فيما يطرح السؤال عن الصلة بين الوجود الأميركي وبين مستقبل التنقيب عن الغاز في المنطقة الفلسطينية الخالصة.