العلاقة الإيرانية الروسية ومنزلق الجزر الثلاث
الاشراق | متابعة.
إيران سعت مند فترة طويلة إلى تعاون عسكري مع روسيا، من أجل الحصول على صفقة الطائرات المقاتلة "سوخوي-35"، التي يمكنها أن تكون إضافة مميّزة للقدرات العسكرية الإيرانية.
طرح الدعم الإيراني لروسيا في مواجهتها مع الأطلسي في أوكرانيا، نقاشاً داخلياً حول ما يمكن لإيران أن تجنيه، وما هي نسب الخسارة التي يمكن أن تتلقّاها من جرّاء موقفها الداعم لروسيا بعد أن كانت تحاول أخذ مسافة من فرقاء الحرب. جوبه التعاون بردود فعل دولية ترافقت مع فرض مزيد من العقوبات الغربية عليها، استهدفت برامجها العسكرية.
تزايد الدعم الإيراني لروسيا عقب فرض الغرب عقوباته، وتمّ تعزيز الشراكة بعد أن جرت إزالة العوائق أمام هذه الشراكة، اقتصادياً وعسكرياً، استطاعت إيران مساعدة موسكو على تخطّي العقوبات المفروضة عليها، سيما وأنّ لها باعاً طويلاً في اختراق العقوبات، في الوقت عينه استفادت من الشركات الروسية في تعويض خسائرها الناتجة عن هروب رأس المال الأجنبي، وعزوف الشركات الغربية عن الاستثمار في البلاد.
استمرار الدعم الإيراني لروسيا حقّق لها مكاسب، لكن في الوقت عينه أثار معارضة داخلية أجّجتها موافقة موسكو على البيان المشترك حول الجزر الثلاث، وزادتها حدّة، ممّا حمل الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية على انتقاد روسيا، وطالب سفيرها بأهمية احترام وحدة الأراضي الإيرانية، وحمّله رسالة إلى موسكو بفحوى الاعتراض الإيراني على تبنّيها نصّ البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الوزاري السادس للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وروسيا الاتحادية في موسكو.
تمّ تأكيد "دعم كلّ الجهود السلمية، بما فيها مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة، ومساعيها للتوصّل إلى حلّ سلمي لقضية الجزر الثلاث، طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية، وفقاً لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لحلّ هذه القضية وفقاً للشرعية الدولية".
مكاسب إيران من دعم روسيا
كانت إيران قد سعت مند فترة طويلة إلى تعاون عسكري مع روسيا، من أجل الحصول على صفقة الطائرات المقاتلة "سوخوي-35"، التي يمكنها أن تكون إضافة مميّزة للقدرات العسكرية الإيرانية، من حيث التجهيز لإحباط أي هجمات على بنيتها التحتية النووية والاستراتيجية، بعد سنوات الحظر الأممي على التسلّح الإيراني، الذي أتى على قدرتها في التحديث والاعتماد على قدراتها الذاتية.
التأثير الملحوظ الذي حقّقته طائراتها المسيّرة في الحرب الأوكرانية، أتاح لها أيضاً القيام بتعديل طائراتها الهجومية من دون طيار، وبالتالي زيادة قدرتها وفعالياتها، مما قد يعزّز قوة ردعها العسكري تجاه أي هجوم تتعرّض له، كما يمكنها الاستفادة من مكاسب بيع الطائرات لدول أخرى، حيث تشير تقديرات عديدة إلى استعداد الصين لشراء 15 ألف طائرة مسيّرة من إيران. فيما يتمّ تنسيق روسي-إيراني لتدشين مصنع في شبه جزيرة القرم لإنتاج ما يصل إلى 6 آلاف طائرة مسيّرة إيرانية.
يؤكّد الدعم أهمية التحالف بين الدولتين في سوريا والعمل على عدم انعكاس التداعيات التي يمكن أن تنجم عن الحرب الروسية على الوضع في سوريا، فأيّ إضعاف لروسيا وأيّ تغيّر في التوازن في الداخل السوري، سيجعل مهمتها وإيران مع تركيا أصعب، وسيؤثّر على المكتسبات التي حقّقها الطرفان في سوريا، ولا سيما بالنسبة لإيران التي تعتمد أيضاً على الدعم الروسي للاتفاق النووي، وعلى قدرة موسكو على عرقلة قرارات تصعيدية في مجلس الأمن باستخدامها حقّ الفيتو بشأن برنامجها.
كما أنّ التعاون بين البلدين يؤثّر على دعم عضوية إيران في الاتحاد الأوراسي في ظل إدراك إيران لأهمية روسيا في التوازن الأوراسي، كما يصبّ في إطار تحرّك إيران الحالي نحو تنشيط عضويتها في المنظمات الدولية والإقليمية، في محاولة للإفلات من العزلة الدولية المفروضة عليها، من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية.
الداخل الإيراني وحدود التحالف مع روسيا
حاول بعض المسؤولين السابقين، إثارة بعض الحساسيات التاريخية الإيرانية تجاه روسيا، ورأى أنه لا بدّ من موازنة العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا. خيار التفاوض مع واشنطن ليس جديداً في حد ذاته، فدائماً ما تحوّلت هذه الفكرة إلى محور خلاف رئيسي داخل إيران، ترفض حكومة رئيسي هذه المقاربة وتبتعد عن خيار فتح مفاوضات مع واشنطن بشكل واضح.
أثار الموقف الروسي الأخير تجاه قضية الجزر الإماراتية الثلاث، رفضاً واسعاً لدى الفئة المعارضة في الداخل الإيراني التي انتقدت حرص الحكومة على توثيق علاقاتها مع روسيا، في سياق ما يسمّى بسياسة "التوجّه شرقاً"، منذ وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة في آب/أغسطس 2021، وضرورة عدم الذهاب باتجاه واحد والرهان عليه. الحكومة حريصة أيضاً على تحديد واقع التحالف الواضح في اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية التي ترى أنّ التحالف مع دولة قوية يجب أن يعزّز موقع الدولة في مواجهة خصومها.
تحرص إيران باستمرار على توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات التي تطرأ على الصعيدين الإقليمي والدولي، لتحييد أيّ مخاطر قد تنجم عنها. وفي رؤية طهران، ضغوط هذا التحالف المفترض تتزايد، إلا أنها ترى أنّ الأفق ليس مغلقاً، وهي تعتبر روسيا شريكاً بسبب الضغوط والعقوبات التي تتعرّض لها من جانب الدول الغربية، واتساع الخلافات معها التي تتضمّن البرنامجين النووي والصاروخي، والحضور الإقليمي والموقف من "إسرائيل".
لا شكّ بأنّ إيران لا تأمن تحوّلات السياسة الروسية، الأمر الذي يسمح بظهور الاتجاه الذي تريده عبر إجراء مفاوضات شاملة مع الولايات المتحدة الأميركية للوصول إلى نقطة توازن في العلاقات مع القوتين الرئيستين على الساحة الدولية. وهذا لا يعني أن هناك توجّهاً لدى الحكومة بعدم رفع منسوب الدعم لاحقاً.
مثّلت الحرب الروسية على أوكرانيا فرصة مواتية لتوطيد العلاقات بين البلدين، كل بحسب أهدافه، لتشهد العلاقات بين البلدين حالياً تعاوناً غير مسبوق. ومع التسليم بأن إيران قد اتخذت القرار بتقديم الدعم لروسيا في حربها على أوكرانيا، مدفوعة بعدة أهداف سعت إلى تحقيقها، ستعمل حتماً على الاستفادة القصوى من الوضع الحالي طالما أنّ روسيا تحقّق أيضاً أهدافاً ومكاسب على الأرض تجاه الآلة العسكرية الغربية.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة