سيناريو الكباش في رفح بين نتنياهو وبايدن هل هو حقيقي؟
تحاول واشنطن إعادة رسم خريطة تحالفاتها في الشرق الأوسط، انطلاقاً من فلسطين، وهي تثني على مواقف مصر التي حافظت حتى الساعة على موجبات اتفاقية كامب ديفيد، وتثمّن تمسك الأردن باتفاقية وادي عربة، لكنها تركز على هدفها الأساسي في هذه الفترة، وهو العلاقة بالسعودية.
عادت المحادثة السعودية الأميركية إلى الظهور. تريد واشنطن إنقاذ مستقبل "إسرائيل"، وتعمل على إزالة التصدعات التي برزت في بنية تحالفاتها في المنطقة، بعد أن طورت الرياض علاقاتها بكل من الصين وروسيا، وهي تسعى للحد من تأثير هده العلاقات في مصالحها، وترى ذلك من خلال إشراك السعوديين في "اتفاقيات أبراهام"، الأمر الذي سيساعدها على دخول مزيد من الدول في العالمين العربي والإسلامي للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهي تلوّح للسعودية باتفاقية الشراكة الاستراتيجية كمحفز للرياض، و تراهن على أن التطبيع السعودي الإسرائيلي قد يجذب أيضاً دولاً، مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان إلى هذا المسار. وبذلك، يتم عزل إيران، التي تبقى الوحيدة المعادية لـ "إسرائيل".
كان السعوديون، قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، على وشك الاتفاق بشأن تطبيع العلاقات، بعد أن لوحت الولايات المتحدة بقبول الشروط التي طلبتها الرياض، لكن الوضع تغيّر بعد طوفان الأقصى، وحرب الإبادة على غزة.
وخلال استضافة الرياض وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في المنتدى الاقتصادي العالمي، شدد وزير الخارجية السعودي على ضرورة أن تكون هناك خريطة طريق موثوق بها نحو إقامة الدولة الفلسطينية مع "إسرائيل" كشرط أساسي. وأوضح بلينكن الحاجة إلى التطبيع والهدوء في غزة والعمل على مسار يؤدي إلى دولة فلسطينية، مع أن اتفاقات أوسلو 1993 تمت من خلال مسار قيل إنه سيؤدي إلى دولة فلسطينية.
يطرح السعوديون نقاطاً يعدّونها أساسية في الاتفاق الاستراتيجي مع الأميركيين، أهمها الحماية، فهل ستحمي الولايات المتحدة السعودية كما تحمي "إسرائيل"؟ قام السعوديون بفتح طريق التعاون مع الصين، ولم يتبنوا عزل روسيا، بينما جرى تطبيع العلاقات مع إيران بوساطة بكين تحت عنوان تنويع العلاقات. وهذا ما أغضب الأميركيين، وهم يعملون على حصر علاقات السعودية بهم عبر مشاريع، كالممر الهندي الخليجي الأوروبي، من أجل إبعادها عن منافع مشروع الحزام والطريق الصيني.
يسعى السعوديون لاقتناء التكنولوجيا النووية لتحقيق التوازن مع إيران في المنطقة، ويريدون طائرات وأسلحة متطورة كـ F-35 التي لا تملكها سوى "إسرائيل". كانت واشنطن وعدت الإمارات بصفقة طائرات F-35 في مقابل الاعتراف بـ "إسرائيل"، ولم يحدث أنها تلقت الصفقة الموعودة.
تتحفّظ "إسرائيل" بشأن الاتفاق الاستراتيجي السعودي الأميركي، وتخشى أن يؤدي إلى تقويض موقعها المتميز في حال لبت واشنطن كل متطلبات الرياض، وهي مستعدة للتطبيع، لكن من دون تقديم أيّ التزامات فيما يتعلق بفلسطين. ولا تريد أن تقترب دول المنطقة من موقعها المتفوق في الدفاع.
وكان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، أكد أن بايدن لن يوقع اتفاقية الدفاع مع السعوديين قبل صدور اتفاق تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، مع العلم بأن ميزان القوى الذي تسعى واشنطن لتشكيله في المنطقة يعتمد على إرضاء السعوديين، إلى حد ما.
قد يقوم نتنياهو بتحريض بعض أعضاء الكونغرس لرفض الاعتراف بدولة فلسطينية. وبحسب المحللين، فإن إدارة بايدن قد ترفع مسودة اتفاق إلى الكونغرس تتضمن التزاماً، مفاده أن السعودية ستقوم بتطبيع علاقاتها بـ"إسرائيل" عندما تتولى حكومة في "إسرائيل" مستعدة للوفاء بالشروط السعودية.
تكاليف الدعم غير المشروط لـ"إسرائيل" ترتفع في الداخل والخارج بالنسبة إلى بايدن. لهذا السبب، حاول الدفع من أجل إقناع "إسرائيل" بالموافقة على وقف إطلاق النار. وهو في حاجة إلى إعطاء السعوديين مقابلاً للتطبيع.
التناقض الأميركي واضح. وما لم تقتنع "إسرائيل"، فمن غير المتوقع أن تتخذ الإدارة الأميركية موقفاً مغايراً. نتنياهو، بفجاجته، سياسياً وعسكرياً، يجعل وعود واشنطن للسعودية بالدولة الفلسطينية مستحيلة، وهو صرح بأنه مستعد للتطبيع مع السعوديين من دون تقديم أي التزامات فيما يتعلق بفلسطين، من دون مواربة، ومن دون طرح "حل الدولتين". ولا بد من التذكير بأن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قانون الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 18 نيسان/أبريل.
وجود مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، وليام بيرنز، على خط القاهرة – الدوحة، أزعج نتنياهو بعد أن قبلت حماس مشروع وقف إطلاق النار، إلا أنه ذهب إلى غزو رفح. فهل يعكس تحرك "إسرائيل" لدخول رفح إصراراً على تحدي دعوات وقف إطلاق النار والذهاب إلى النهاية؟ استيلاء "إسرائيل"، للمرة الأولى على البوابة الحدودية، بعد ضمانة إدارة بايدن بشأن التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، يعكس عناد نتنياهو الدي اتخذ قرار الاجتياح، عبر حكومة الحرب، قبل أسبوعين، ولم يأبه بالمعارضة وهذا يعني أن الإدارة الأميركية كانت على علم بأن هذه المفاوضات يمكن أن تكون عبثية.
تشن "إسرائيل" حرب الإبادة الجماعية لكسر إرادة الفلسطينيين وإخضاع المقاومة. وتحاول الحصول على النتيجة التي تهدف إليها من خلال الذهاب مرة أخرى إلى رفح بدعوى أن حماس محاصَرة في رفح.
هل يمكنها تقديم الأنفاق القديمة المتصلة بمصر على أنها "قنوات إرهاب" بعد أن أغلقت مصر هذه الأنفاق منذ عام 2013؟ محاولة الولايات المتحدة الضغط على نتنياهو، من خلال تأخير شحنة الذخيرة، تخلق مشكلات في الداخل لبايدن بعد تحرك الجمهوريين، كأننا ندور في حلقة مفرغة.
سيكون نتنياهو مجبراً على الانسحاب بعد احتلال رفح. لكن، من ناحية أخرى، يريد السيطرة على الحدود بين مصر وغزة. وقال، منذ شهر كانون الثاني/يناير، إنه في حاجة إلى الاستيلاء على ممر فيلادلفيا، وهو الممر الذي تم إنشاؤه بموجب اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 كمنطقة عازلة بين مصر وفلسطين، وهي خالية من الأسلحة الثقيلة. يمتد الممر من البحر الأبيض المتوسط إلى بوابة كرم أبو سالم في المثلث مصر – غزة - "إسرائيل".
وعندما انسحبت "إسرائيل" من غزة عام 2005، قامت بتحديث الاتفاق مع القاهرة وتركت السيطرة على الممر للسلطة الفلسطينية. وسيطرت "إسرائيل" على الباب من خلال اتفاقية الحركة والعبور مع فلسطين. حاولت "إسرائيل" إقناع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بقبول سيطرتها على الممر. غزة تحت الحصار من البر والبحر، والحدود المصرية هي الخط الوحيد الذي تتغذى من خلاله رفح. و"إسرائيل" تريد الاستيلاء على الممر لفصل الفلسطينيين عن مصر لأنها تعتقد أن حماس مستفيدة منه.
لا تستطيع "إسرائيل" نشر سوى قوة محدودة، ولهذا السبب من المهم كيف ستتعامل مصر مع هذه القضية بعد اعتراضها الدبلوماسي، وبعد أن كانت أعلنت أنها ستَعُدّ خيار ترحيل سكان غزة إلى سيناء سبباً للحرب. هل سيكون هناك معارضة أو تهديد بإمكان انفجار العلاقات، أم أننا أمام خضوع لما يريده نتنياهو الذي لم يلقَ اعتراضاً في الأساس من الأميركي الذي لم يمانع اجتياح رفح، بل كان يطلب حصر عدد الضحايا المدنيين. هل كنا أمام سيناريو المفاوضات لذر الرماد في العيون، أم أن الكباش بين بايدن ونتنياهو حقيقي؟
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة