قبل 12 شهور
هدى رزق
172 قراءة

في 14 أيار/مايو سيرسم الناخب التركي خارطة التوازن

أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات التركية، سيعطي الناخب التركي صوته لممثّليه في البرلمان ولرئيس يقود الجمهورية لسنوات مقبلة، وستشكّل انتخابات العام 2023 علامة فارقة في مسار الدولة التركية داخلياً وخارجياً بعد عشرين عاماً من الاستقرار السياسي الذي شابته أزمات اقتصادية وسياسية انعكست على الواقع الاجتماعي.

يؤدّي الإعلام دوراً كبيراً في توجيه آراء الناخبين في الخارج والداخل، وساهم التدخّل الخارجي في رسم صور لمستقبل تركيا واتجاهاتها، وهي المرتبطة بمصالح دول كبرى، لكنه يبقى هامشياً في خيارات الأتراك ومصالحهم. فالداخل هو المحدّد في الانتخابات التركية، وتكثر الاتهامات بين المتنافسين حيث الاستقطاب سيد اللعبة وهو الأساس فيها، سيكون الناخب هو الحكم وسيتحمّل مسؤولية خياراته بعد التمعّن في نقاط قوة المتنافسين ونقاط ضعفهم التي ستحدّد ميول الفئة الصامتة أو تشجّع المنتمين إلى ترك اصطفافاتهم.

للقوى المتنافسة نقاط قوتها ونقاط ضعفها النافرة التي يمكنها أن تعزّز حضورها في صناديق الاقتراع أو أن تحجبها عنها، يمكن قراءة بعض الاحتمالات والمؤشرات الفاعلة في تحديد مسار خيارات الناخب وتساؤلاته حول عدم توصّل أحزاب تحالف الجمهور(الشعب) الأربعة إلى تعاون مشترك في الانتخابات البرلمانية رغم تقاربها الأيديولوجي، أو التنسيق عبر تقديم قوائم مرشحين مشتركة تحت شعار حزب واحد في بعض الولايات أو جميعها. 

وهذا ما يُعتبر سقطة تنظيمية، حيث يمكن أن تؤدي المنافسة الداخلية إلى ضياع الأصوات، ولا سيما بعد قرار الأحزاب خوض الانتخابات بقوائمها وشعارتها بشكل منفصل رغم توافقها على دعم الرئيس إردوغان، إلا أنها في الوقت عينه تُرجِع السبب إلى إمكانية انتقال بعض أصوات القوميين من أحزاب تحالف حزب الجيد إلى أحد الأحزاب القومية المرشحة، وهي تركت لهم المجال.

يأتي هذا القرار في الوقت الذي تدخل فيه المعارضة، أي تحالف الأمّة، الانتخابات موحّدة جامعة مختلف توجّهات المجتمع التركي الأساسية بين علمانيين، وإسلاميين/محافظين، وقوميين، رغم تباعدها الأيديولوجي. يزيدها الدعم غير المباشر الذي يقدّمه حزب الشعوب الديمقراطي (اليسار الأخضر) الكردي قوة. 

وحزب اليسار الأخضر يمتلك كتلة انتخابية تتراوح بين 8 و11%، حيث قدّم تحالف الأمة قائمتين انتخابيتين فقط، بعد أن دخلت الأحزاب الأربعة الصغيرة فيه الانتخابات عبر قوائم الشعب الجمهوري وتحت شعاره؛ منح حزب الشعب الجمهوري 71 مقعداً لحلفائه الصغار من أصل 600 مقعداً، ويؤدي هذا التنظيم دوراً في اجتذاب الناخب حيث ترتسم صورة المعارضة موحّدة في البرلمان.

أما الحضور الإعلامي المتميّز للمعارضة فهو يشدّ انتباه الناخب الشاب، حيث تركّز وسائل التواصل الاجتماعي على اتجاهات الرأي كوسيلة إعلامية مباشرة، وتساهم بإعطاء المعارضة حيّزاً واسعاً لمخاطبة جمهور الشباب ولا سيما الذين يصوّتون للمرة الأولى. 

لقد حفّزت وسائل التواصل النقاشات، وشجّعت الشباب على المشاركة، وتمكّنت المعارضة من عرض برامجها ومناقشتها مع المهتمين، وخاضت الدعاية عبرها مع امتلاكها وسائل تقليدية قليلة العدد، كذلك ساهم تضافر الماكينات الانتخابية بتقوية إعلامها، على الرغم من امتلاك الرئيس التركي لوسائل إعلامية عديدة ومهيمنة، ولا شك أن لها الأثر الكبير في مخاطبة إردوغان شرائح واسعة من الأتراك في معظم أنحاء تركيا. 

إلا أنّ التركيز كان على الوسائل التقليدية، ربما من أجل مخاطبة الشريحة الأكبر سناً وتلك المحافظة في الأرياف، لكن التركيز على الوسائل الحديثة أتى متأخراً ممّا قد يساهم في إمكانية ابتعاد بعض من شريحة الشباب غير المنتمين والحياديين عن التأثّر ببرنامج تحالف "الجمهور". 

لكن رغم النجاح الإعلامي، لم ينل الخطاب التوافقي الجديد الذي يعبّر عن المصالحة والعابر للتكتلات السياسية الذي اعتمده كليجدار أوغلو، صدى داخل مجموعته السياسية بل لاقى اعتراضاً واتهامات من قبل التيار الكمالي لابتعاده عن قيم الجمهورية، وبأنه يخط طريقاً ثالثاً مختلفاً عن أفكار الحزب الجمهوري، مما أدى إلى ذهاب أصوات بعض جمهور التيار إلى المرشح عن حزب البلد محرم إنجه.

في الوقت عينه وجّهت الانتقادات إلى التباينات الأيديولوجية لتحالف الطاولة السداسية، وهي مجموعة الأحزاب ذات الخلفيات المتباينة وأحياناً المتناقضة، بسبب الثغرات التي يمكنها توسيع الخلافات بين أعضاء الطاولة، ما أحدث ثغرة مكّنت الرئيس التركي من نقدها ومهاجمتها. 

هذه التباينات ستؤثّر في حجب أصوات الناخبين المخضرمين الذين عاشوا في ظل أزمات الحكم الائتلافي الذي عاشته البلاد في السنوات الغابرة من عمر الجمهورية، وهي تعيد صورة الاختلافات التي انعكست على الحياة السياسية والاقتصادية، الأمر الذي يمكنه أن يعيق عملية الالتفاف حول كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية.

أما خطوة حزب الشعوب الديمقراطي بعدم ترشيح شخصية مستقلة فهي تؤدّي إلى دعم مرشح تحالف الأمة، كذلك أعطى تصريح الزعيم الكردي صلاح الدين ديمرتاش من سجنه بضرورة التصويت لكليجدار أوغلو أصواتاً مهمة للمرشح، لكنها سيف ذو حدين إذ أدّت إلى تعريض رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار للمساءلة من قبل أعضاء في حزبها، حيث يمكن أن يعمد قسم منهم إلى التصويت للمرشح القومي سنان أوغان رئيس حزب آتا (السلف) اعتراضاً على التحالف مع الحزب الكردي. 

وكان كل من إردوغان ودولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية قد اتهموا كليجدار أوغلو بتقديم تنازلات لحزب الشعوب الديمقراطي مما سيقوّي جبهة إنجه وأوغان.

تؤكّد معظم استطلاعات الرأي أنّ إنجه وأوغان قد يحصلان على أصوات ستؤدي إلى احتمال ذهاب الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية، ستقتصر حتماً على إردوغان وكليجدار أوغلو. بينما يتهم تحالف الأمّة إنجه بالعمل ضده، عبر تقسيم أصوات المعارضة مما قد يمنح إردوغان الفرصة للفوز في الجولة الثانية.

من سيحسم الانتخابات لصالحه؟ حتى من يملك الإحصاءات لا يمكنه الإجابة عن هذا السؤال، لكن المؤشرات العامة التي تشير إليها الأمور تظهر بعض التوقّعات حول المعركة البرلمانية، وهناك شبه إجماع على أن تحالف المعارضة بالتنسيق مع حزب الشعوب الديمقراطي سينال الأغلبية البرلمانية لكنه سيكون فوزاً ضعيفاً، لن يستطيع التحالف تعديل الدستور أو الذهاب إلى استفتاء شعبي. 

بينما المنافسة الحقيقية ستكون في الانتخابات الرئاسية، وتذهب الانتخابات إلى الدورة الثانية حيث حظوظ الرئيس رجب إردوغان ستكون أقوى في 28 أيار/مايو. 

هل يمكن أن ينسحب محرم إنجه في الدورة الثانية لصالح كمال كليجدار أوغلو، ويتجاوب مع الضغوط التي تمارس عليه من قبل حزب الشعب وغلاة العلمانية من يساريين وكماليين؟ وهل يمكن لسنان أوغان تجيير أصواته لإردوغان؟ هل ستلتزم الفئة الصامتة والمتردّدة التي يتم الرهان عليها التصويت؟ ولمن ستكون أصواتها؟ 

هل الناخب الذي صوّت في الدورة الأولى ولم يفز مرشحه سيعود إلى التصويت، أم أنه سيمتنع فيكون قد سجّل موقفاً فقط؟ هل سيدعم أنصار حزب الجيد مارال أكشنار بكليجدار أوغلو في الدورة الثانية بعد أن ينالوا مقاعدهم النيابية وينتهي التحالف الانتخابي؟

وهل سيذهب الناخب التركي إلى خيارات يمكنها تأزيم الوضع الداخلي في ظل كارثة الزلزال ومشكلة التضخّم والغلاء والأزمات المتلاحقة؟ هل سيثق بإعادة تسليم القيادة لإردوغان؟ وإعادة الإعمار بما لديه من الخبرة من دون الاستدانة والذهاب إلى البنك الدولي كما يدّعي، أم سيذهب إلى خيار كليجدار أوغلو وإلى سياسات جديدة.  

الناخب يريد تعديلات دستورية وتوازناً ومشاركة في قيادة دفة الحكم، يريد تأدية دور التوازن بين القوى. فهل سيتحقّق الأمر؟ وهل سيتمّ احترام رغبة الناخب عبر الصناديق، وخضوع المتنافسين للنتائج من دون إحداث فوضى، كما يروّج بعض الإعلام؟ أيام قليلة على 14 أيار/مايو فلننتظر.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء والتوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP