هل تدعم واشنطن حرباً بالوكالة في أفغانستان؟
هيمنت الحروب الداخلية على الصراعات الدولية والإقليمية في الثمانينيات من القرن الماضي، فالمساعدة الأميركية للمقاتلين في أفغانستان، أدَّت إلى إجبار موسكو على الانسحاب من البلاد، وسهّلت صعود "القاعدة". بلغت الحروب الأهلية المدعومة خارجياً ذروتها بعد نهاية الحرب الباردة، ثم تفاقمت مرة أخرى بعد "الربيع العربي" في العام 2011.
يميل الدعم الخارجي إلى مفاقمة الحروب الأهلية بالوكالة، كتلك التي حدثت في ليبيا وسوريا واليمن، والتي غالباً ما امتدت عبر الحدود. مكَّن التدخل السعودي المباشر في اليمن إيران من دعم "أنصار الله"، ووفَّر أرضاً خصبة لـ"القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، وتسبَّب بعواقب إنسانية كارثية.
العوامل التي تمنع الحرب بين الدول - كالأسلحة النووية - لا تمنع بشكل موثوق الحروب الداخلية، كذلك استغلال الفقر وفشل الحكم والتوترات العرقية والدينية من قبل الدول الخارجية. قد يكون تراجع الحروب بين الدول وزيادة الحروب الأهلية مرتبطين.
الانسحاب المفاجئ من أفغانستان يطرح تساؤلات
أصبحت النزاعات الداخلية الحلبة الأساسية التي تتنافس فيها الدول عسكرياً. لم تضع الكلفة العالية للتدخلات الأميركية المباشرة في العراق وأفغانستان حداً لها، ولكنها بدلاً من ذلك شجَّعت واشنطن على البحث عن أشكال من النفوذ للتلاعب الأميركي بالحروب الأهلية الخارجية. يبدو أنَّ عصر التدخل الأميركي سيستمرّ، فاتخاذ بايدن قراراً بالانسحاب من أفغانستان المقرر منذ ما يقارب شهرين للحدّ من تقيد الولايات المتحدة في حرب لا نهاية لها، جاء مفاجئاً في توقيته، ولم يتم إبلاغ المعنيين به.
حجّة مؤيدي الانسحاب الأميركي أنه يشكّل ضرورة من أجل التفرغ لمواجهة التحديات المنبثقة من الصين، إلا أن ملامح استراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفغانستان لفترة ما بعد الانسحاب تثير الشكوك والغموض بشأن قدرة واشنطن على التنافس الفعّال مع بكين. تبدو هذه الحجج ضعيفة، لأنَّ الوجود في كابول تقلَّص قبل أن يتولّى بايدن الحكم، وميزان القوى مع الصين لن يتغير بمجرد انسحاب الجنود الأميركيين.
تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن عن اعتماد واشنطن استراتيجية ما وراء الأفق، "أي مدّ يد المساعدة العسكرية خارج الحدود"، أثار قلق موسكو وحلفائها في بلدان آسيا الوسطى التي ترفض إقامة قواعد عسكرية أميركية، بعد أن أجرت واشنطن مفاوضات لاستضافة القوات الأميركية، للإشراف على مسار الأمور في أفغانستان كجزء من الاستراتيجية المذكورة.
ترتكز هذه الاستراتيجيّة بشكل رئيسيّ على مواجهة التنظيمات الإرهابية داخل الأراضي الأفغانية، عبر شنّ العمليات الجوية من الدول المجاورة لها، ولكنْ تجدر الإشارة إلى أنَّ هذه الاستراتيجية ستتطلَّب من وزارة الدفاع الأميركية توفير المزيد من الطائرات وتخصيصها لمكافحة الإرهاب في أفغانستان، فهل هدف الانسحاب السريع تحويل أفغانستان إلى ساحة صراع بين الحكومة و"طالبان"، حيث يسهل التدخّل الأميركي من دون دفع أثمان، أو إيجاد موطئ قدم للقواعد الأميركية في آسيا الوسطى، أو هو وسيلة لاستمرار الحرب على الحدود الصينية وتطويقها؟
التنافس مع الصين والحروب بالوكالة
قد يبدو حل الحرب الأهلية في أفغانستان مشروعاً طبيعياً مشتركاً لواشنطن وبكين أيضاً، نظراً إلى أنَّ الولايات المتحدة حريصة على إنهاء حربها في البلاد، ومقاطعة شينغيانغ الصينية تقع على الحدود مع أفغانستان. أشارت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي سمحت لبعثة الأمم المتحدة بالمساعدة في أفغانستان في العام 2016 صراحةً، إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية في سياق تشجيع التجارة في أفغانستان وجهود جميع الشركاء الإقليميين والدوليين لأفغانستان لدعم السلام والمصالحة والتنمية، لكنَّ إدارة ترامب استمرّت بمعارضة دعم التعاون الأفغاني الصيني.
انتقد وزير الخارجية ريكس تيليرسون في العام 2018 ومستشار الأمن القومي جون بولتون التوسع التجاري الصيني، ووصفوا العقود بأنها مبهمة. صممت أميركا قانوناً للاستثمار المؤدي إلى التنمية 2018 للتنافس مع "الحزام والطريق"، من خلال إنشاء وكالة أميركية جديدة لتسهيل الاستثمار في البلدان النامية.
قد لا تُضطر الولايات المتحدة إلى الانغماس في كلّ المشاكل السابقة في فترة ما بعد الانسحاب، وذلك في حال تمكَّنت الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" من التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الصراع. وربما لن تصبح الدولة ملاذاً للتنظيمات الإرهابية، حتى في حال تمكّنت "طالبان" من السيطرة عليها، ومن ثم ستتولى دول أخرى القيام بهذه المهمة، وبالتالي ستتمكّن واشنطن فعلياً من تحويل الموارد والطاقات للمنافسة مع بكين.
من المرجّح أن يتّخذ أيّ تنافس عسكري في المستقبل بين الصين وأميركا شكل حرب بالوكالة، بسبب الديناميات التي تمنع الحروب بين الدول، وهناك العديد من الدول التي تبتعد في سياستها عن الولايات المتحدة، وتقترب أكثر من الصين وتتحالف معها، مثل إيران أو فنزويلا أو كوريا الشمالية، ومن المرجّح أن تكون ساحة المعركة في ميانمار أكثر من بحر الصين الجنوبي.
رغم مشكلاتها الداخلية، لا زالت الولايات المتحدة بحاجة إلى خلق عدو خارجي وعدم الاعتراف بوجود أقطاب آخرين، ولا سيّما أنّ هناك أصواتاً من الجمهوريين لا زالت تستعمل العداء للصين ورقة مزايدة ومنافسة مع الديمقراطيين.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً