إيران تبحث في وقف إطلاق النار وإلا دوامة الانتقام
إيران لا تريد خيار الحرب وهي تجنبته. لكن "إسرائيل" تعمل باستمرار على نصب الفخاخ لجر الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران.
بعد الضربة التي وجّهتها الجمهورية الإيرانية إلى "إسرائيل"؛ رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، امتدت النقاشات لفترة طويلة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة حول كيفية مهاجمة إيران.
تم تخفيض السقوف، بعد أن رفعتها "إسرائيل" بشكل كبير. أيّد الأوروبيون الضربة وعدّوها دفاعاً عن النفس بعد أن استشارهم بايدن، الذي أكد أنه تمت مناقشة استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، لكنه استبعد الهجوم على المنشآت النووية. كان الإسرائيليون يروّجون أن المنشآت النفطية ستُضرب أولاً، وإذا ردت إيران، فسيتم استهداف المنشآت النووية هذه المرة.
وكانت إيران قد أعلنت حينها أنه إذا وقع مثل هذا الهجوم، فستضرب جميع المنشآت الاستراتيجية الإسرائيلية. كانت إيران قد بدأت تحركاً دبلوماسياً اتجاه جيرانها في الخليج، وحصل وزير خارجيتها عباس عراقشي على تأكيدات بالحياد في حالة التصعيد المحتمل. وبُذلت جهود لضمان عدم انقطاع عملية التطبيع، خصوصاً مع السعودية.
الرد الإسرائيلي تحت الحماية الأميركية
ردت "إسرائيل" على الضربة التي تلقتها من طهران في الأول من أكتوبر/تشرين الأول بضرب المنشآت العسكرية مقابل المنشآت العسكرية. في 26 أكتوبر/تشرين الأول، تم ضرب بطاريات الدفاع الجوي والرادارات في سوريا والعراق حتى لا تعترض الطائرات.. رئاسة الأركان الإيرانية صرحت أن الضربة تسببت بأضرار محدودة في أنظمة الدفاع الجوي، ولم تتمكّن طائرات العدو من دخول المجال الجوي. وكانت الطائرات الإسرائيلية قد أطلقت الصواريخ الموجّهة من الأجواء العراقية، على بعد نحو 100 كيلومتر من الحدود الإيرانية. ادّعت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة أيضاً أن "المجال الجوي العراقي تحت الاحتلال الأميركي وقيادته وسيطرة الجيش". واتهمت الولايات المتحدة بالتواطؤ مع "تل أبيب".
تفضّل "إسرائيل" المبالغة في النتيجة من خلال الادعاء بأن إيران تلقت ضربات موجعة وشاركت وزارة الدفاع صورة من مقرها تحت الأرض؛ حيث ينظر وزير الدفاع يوآف غالانت إلى صورة الحريق الهائل على الشاشة. لكن تلك الصورة كانت للحريق الذي اندلع في مصفاة طهران قبل ثلاث سنوات.
إعلان "إسرائيل" مسؤوليتها عن هجماتها على إيران كانت من أجل إظهار قوتها، لكنه كان تأكيداً أن الهجوم تم بالتعاون مع الولايات المتحدة، من خلال تحديد الأهداف معاً، وقياس مستوى الضرر الذي لا يؤدي إلى رد إيراني.
تم إجراء العملية عبر ممر ضيّق فوق العراق وسوريا بطريقة تمكّنها من الوصول إلى أهدافها من دون تعريض الحلفاء الإقليميين للخطر. الولايات المتحدة ضمنت إمدادات الوقود، والتنسيق، والاستخبارات من الميدان، ومنع الهجمات المضادة على الممر والدعم الدفاعي بنظام "ثاد" في البر الرئيسي الإسرائيلي، وكانت إيران قد أفهمت الجميع أن المعادلة ستكون «إذا ضربت المنشآت النفطية الإيرانية، فإن المنشآت الخليجية ستشتعل أيضاً..لم يتمكّن الأميركيون من المخاطرة بمثل هذا التصعيد ولجأوا إلى تقييد "إسرائيل".
رأت واشنطن أن استهداف المنشآت النفطية والنووية، يمكن أن يشجع إيران على الاستعجال نحو القنبلة الذرية. توازن الرعب هذا يشكل رادعاً. لذلك، كان لا بد من ردع "إسرائيل". أظهرت الصراعات في المنطقة أنه من دون الولايات المتحدة، لا تستطيع "إسرائيل" شن حرب كبرى أو حماية نفسها. لذلك، اقتنعت "إسرائيل" بهجوم لن يجبر إيران على الرد.
هل واشنطن تريد حقاً وقفاً لإطلاق النار؟
نقل عن إدارة بايدن أنها وجّهت رسالة إلى طهران تدعوها إلى الامتناع عن الرد، وهي ستعمل على إنهاء الحرب. بلينكن وبايدن يتحدثان عن وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.. إيران منذ بداية العدوان على غزة، دعت إلى وقف إطلاق النار في غزة واليوم في لبنان أيضاً. وليس عبثاً أن تؤكد هيئة الأركان العامة الإيرانية في بيانها ضرورة وقف إطلاق النار الدائم في غزة ولبنان، رغم أن إيران تحتفظ بحق الرد، وكان أول رد فعل للمرشد السيد علي خامنئي أنه يجب عدم المبالغة في الهجوم الإسرائيلي أو التقليل من أهميته. وسيحدد المسؤولون الإيرانيون كيفية نقل إرادة الشعب الإيراني إلى "إسرائيل". "يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالح الأمة."
هناك احتمالان لدى طهران: الانتقام وهذا يعني لا إمكانية لإغلاق هذا الفصل من الانتقام لكن، من جهة ثانية، عليها حماية مصالح الأمة، وهذا يتطلب أيضاً إزالة الثغرات الدفاعية.الانتقام يحدّ من مغامرات "إسرائيل" لكنه لا يوقفها. لكن كل تصعيد جديد بحاجة إلى سد الثغرات الدفاعية.
علاوة على ذلك، فإن أي جولة جديدة من الانتقام تتطلب هجوماً أكبر وكانت إيران قد أظهرت أن القبة الحديدية لا يمكنها حماية الأصول الاستراتيجية لـ"إسرائيل"، من خلال إطلاقها الصواريخ الباليستية والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ما أظهر هشاشة الردع الإسرائيلي وكشف اعتمادها على الولايات المتحدة.
إيران لا تريد خيار الحرب وهي تجنبته. لكن "إسرائيل" تعمل باستمرار على نصب الفخاخ لجر الولايات المتحدة إلى الحرب مع إيران.
تستطيع طهران الاكتفاء بالرد من خلال حلفائها في لبنان والعراق واليمن. فهي تخوض حرباً متعددة الجبهات. من ناحية، تظهر مرونة ومناورات دبلوماسية لتجنب الحرب، ومن ناحية أخرى، تدعم بقاء محور المقاومة على قيد الحياة.
دعت إيران المجتمع الدولي إلى ضبط "إسرائيل"، وتثبيت وقف إطلاق النار في المنطقة. وهذه السياسة تعكس تفضيلها لخفض التوترات. فإن لم يتم إغلاق جبهتي غزة ولبنان فستظهر أسباب جديدة من أجل الردود الانتقامية.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الإشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً