قبل 3 سنە
هدى رزق
316 قراءة

المقاومة الفلسطينية تعيد ربط ما جزأته "أوسلو".

ظنَّ قادة العدو الإسرائيلي أن التصعيد في القدس سيؤدي إلى تثبيت سياسات التهويد والاستيطان إزاء المدينة، ضمن حسابات إقليمية ترتبط بصراع القوة الذي تخوضه "إسرائيل" في المنطقة بعد إقرار "صفقة القرن"، التي اعترفت من خلالها الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني. 

أرادوا خلط المزيد من الأوراق في المنطقة، في ظل المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة مع إيران من أجل العودة إلى الاتفاق النووي. بدت أحداث القدس وكأنها رسالة إسرائيلية مفادها أن بوسع "إسرائيل" تصعيد التوتر، في ظلّ تمتعها بغطاء سياسي عربي بعد اتفاقيات التطبيع التي عقدتها مع أكثر من دولة عربية.

انفجار المواجهات بين شبان فلسطينيين وجنود إسرائيليين، إثر اقتحام قوات إسرائيلية ساحات المسجد الأقصى، ومحاولة الإسرائيليين إخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح في مدينة القدس لمصلحة المستوطنين، هو القضية التي أدت دوراً رئيسياً في تصاعد التوتر الذي شهدته القدس بداية.

اقتصرت ردود الفعل على إدانات أطراف عربية ودولية للسلوك الإسرائيلي. وكان الاتحاد الأوروبي قد دعا السلطات الإسرائيلية إلى التحرك "بشكل عاجل" لوقف التصعيد في القدس، معتبراً إجراءات الإخلاء في حي الشيخ جراح غير قانونية. أما واشنطن، فقد قالت عبر المتحدثة باسم الخارجية إنها تشعر بقلق عميق "إزاء تصاعد التوتر في القدس وعمليات الإخلاء المحتملة للعائلات الفلسطينية" من أحياء في القدس الشرقية.

آخر ما كان الرئيس جو بايدن يأمله هو أن يضطر إلى التدخل في إدارة ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وخصوصاً ما يتعلق فيه بالجانب الفلسطيني. لم يغير قرارات ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل"، والإقرار بسيادتها على مرتفعات الجولان السورية، بل كان ينتظر المزيد من التطبيع العربي مع "إسرائيل"، إضافةً إلى الدول التي طبعت علاقاتها، وهي 4 دول عربية؛ الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، في وقت قال عند تسلّمه الحكم إنه يسعى إلى حل الدولتين، لكن إدارته لم تهتم، منذ وصولها إلى الحكم، سوى بقضيتين في منطقة الشرق الوسط، هما ملف التفاوض حول الاتفاق النووي مع إيران، والتركيز على إيقاف الحرب في اليمن. وقد تجاهل بايدن ملف "عملية السلام" والعلاقات مع الفلسطينيين.

تبنّت هذه الإدارة موقفاً أميركياً تقليدياً ومتوقعاً بإدانة الهجمات الصاروخية التي ردت بها فصائل المقاومة الفلسطينية على الانتهاكات الإسرائيلية في القدس. لم يرشح بايدن أي شخصية قيادية للتعامل مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي، كذلك لم يقم باختيار سفير في "إسرائيل" أو قنصل عام في القدس للفلسطينيين، فهل سيستطيع الاستمرار في تجاهل ما يجري في فلسطين المحتلة، ويقف موقفاً سلبياً في ظل التطورات التي تحصل، وعلى الأقل مواجهة انتهاك حقوق الإنسان في القدس؟ لم يسلم موقفه من هجوم بعض قيادات التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، مثل السيناتور بيرني ساندرز، الذي دعا "إسرائيل" إلى الخروج من القدس، والسيناتورة إلهان عمر.

وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد الضغوط الرامية إلى منع "إسرائيل" من البناء في القدس، ورفض رئيس الاستخبارات طلبات الولايات المتحدة بإعطاء تفاصيل حول ما يجري. اعتقد نتنياهو أن قضية حي الشيخ جراح جاءت في الوقت المناسب له، إذ إن الرجل يسعى لتثبيت نفسه والبقاء في منصبه، وخصوصاً بعد أن كان قد فشل في جهوده لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، في وقت يواجه تهماً بالفساد قد تدخله إلى السجن، وهو يفعل كل ما بوسعه كي يثبت للإسرائيليين أنّه الرجل القوي القادر على ضبط الأمور، لكنّه وقع في الفخ الذي صنعه، إذ تحوّلت الأحداث فجأة إلى إطلاق صواريخ من قطاع غزة على "إسرائيل"، بعد هجوم الطائرات الإسرائيليّة على قادة "حماس" و"الجهاد" الإسلامي، وقصف الأماكن السكنية والأبنية والمدنيين، وقيام الاحتجاجات في جميع أنحاء الضفة الغربية.

هذه انتفاضة ثالثة وصفعة في وجه "صفقة القرن" ودول التطبيع العربي الّتي تعرّضت لنكسة كبيرة في تعويلها على "إسرائيل المتقدمة تكنولوجياً وأمنياً"، لحمايتها من أعداء وهميين تم اختراعهم من أجل تبرير الارتماء في أحضان المحتل الإسرائيلي. ثمة معادلات جديدة تؤسسها المقاومة في فلسطين. لقد أظهرت فصائلها قوة فلسطينية موحدة دعمت القدس الشرقية، وقصفت مستوطنات غلاف غزة، الأمر الذي أدى إلى هلع المستوطنين.

السرعة التي أطلقت بها الصواريخ باتجاه المدينة لم تأتِ لتدعو إلى رفع اليد عن الأقصى وحي الشيخ جراح، بل أكَّدت أنّ حركة "حماس" والفصائل هم من صُنّاع القرار الرئيسيين بعد دخولهم على خط القدس، باستعمال الصواريخ الفعالة التي استطاعت تجاوز منظومة الاعتراض الصاروخي، وأظهرت مدى التطور التكنولوجي لدى المقاومة، والدور الذي أدته إيران في عمليات نقل الخبرات والسلاح، فضلاً عن التطور الذاتي للمقاومين الفلسطينيين والدقة في التصويب، ما شكل تحدياً كبيراً لـ"إسرائيل"، وأظهر عجز استخباراتها عن توقع ما يحصل.

 أما عرب التطبيع، فقد كانوا حتى لحظة وقوع المواجهات يعيشون وهم تفوق الآلة العسكرية الصهيونية الذي كان سائداً في زمن هزيمة 1967، وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، وفي إثر انسحاب مصر من الدفاع العربي المشترك، ولم يقرأوا التغيير في معادلة موازين القوى، ولم يروا الصواريخ الباليستية من إيران من قطاع غزة، ورفضوا رؤية انتصارات المقاومة في لبنان في العام 2000 والعام 2006، وانسحاب "الجيش" الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005 من دون قيد أو شرط، ولم يدونوا ما جرى في حرب 2012 و2014.

الاشتباكات داخل القدس، ووصول الصواريخ الفلسطينية إلى مدينة القدس جعلت من "صفقة القرن" وإعلان القدس عاصمة موحدة لـ"إسرائيل" مسألة غير مسلم بها في إطار الصراع العربي الصهيوني. لقد أكّدت المواجهة السائدة في المستوطنات والعدوان على غزة والرد الفلسطيني، أن جوهر الصراع في المنطقة ما زال هو الموضوع الفلسطيني، وأن حل هذا الصراع هو أمر جوهري، وهو يعني أن محاولة تهميش الموضوع الفلسطيني لن تمر. 

كشفت المواجهة كذلك أنّ دول التطبيع العربية تعتبر التشبّث بالعلاقة مع "إسرائيل" والاعتراف بها أولوية تعلو على موضوع الأقصى والمقدسات أو الحقوق الفلسطينية، وهي تدرج المقاومة الإسلامية في لائحة الإرهاب وتحاربها في الداخل، ولا ترى التطرف الإسرائيلي خطراً عليها.

سقطت المعادلة التي بنت عليها الدولة العميقة الأميركية استراتيجيتها طيلة 10 سنوات من "الربيع العربي"، واعتقدت أنَّ بإمكانها ضرب المقاومة الإسلامية والفلسطينية من داخلها بعد إنهاكها بحروب داخلية. اليوم، ترسم المقاومة الفلسطينيّة خطوطاً جديدة ومعادلات تعيد ربط ما جزأته "أوسلو"، وتقول إنَّها رقم صعب في مستقبل المنطقة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP