ماذا تريد واشنطن من قطر؟
لا تبدو قطر منافساً لروسيا في تصدير الغاز إلى أوروبا. النقاش في الموضوع يأتي كمحاولة من واشنطن مع الدول المصدّرة للغاز من أجل التأثير في روسيا التي تعتبر المصدر الأول إلى أوروبا، بحجة إمكانية وقوع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. ويعتبر الأمر تهديداً مبطناً للاقتصاد الروسي وقطاع إنتاج الأسلحة الذي أعاد روسيا إلى مصاف الدول الكبرى.
تنتج قطر الغاز بطاقتها القصوى، وهي تملك 22% من الغاز المسال الذي يُصدّر معظمه إلى آسيا، أي إلى اليابان وتايوان والصين والهند، ولن تبدأ بالمزيد من الإنتاج قبل العام 2026، وربما ستضاعف إنتاجها بعد سنتين، لكن سيرتفع الإنتاج تدريجياً في العام 2027.
لا يبدو التخطيط الأميركي آنياً، إنما على المدى الطويل، أي للعقود المقبلة، لكن لا مجال لأداء هذا الدور، وخصوصاً أن قطر تحاول أن تقوم بالموازنة في علاقاتها في إطار سعيها لأداء دور الوسيط في المنطقة، وأن روسيا لاعب لا يمكن الاستهانة به.
الدور القطري في أفغانستان وإيران
أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بعد لقائه نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أنَّ قطر ستكون بمثابة "القوة الحامية" للولايات المتحدة في أفغانستان. وكان آل ثاني وقعوا على اتفاقية تضفي الطابع الرسمي على دور قطر كمركز عبور رئيسي للأشخاص الذين تم إجلاؤهم.
أنشأت قطر "قسم مصالح" أميركياً داخل سفارتها في كابول للتعامل مع الخدمات القنصلية للمواطنين الأميركيين في أفغانستان، ومع الاتصالات الرسمية الروتينية بين واشنطن وحكومة "طالبان"، وهي تتحمل مسؤولية حماية المنشآت الدبلوماسية الأميركية التي تم إخلاؤها هناك.
لا شكّ في أنَّ قطر أدت دوراً رئيسياً في المناقشات بين "طالبان" والولايات المتحدة لسنوات عديدة، واستضافت محادثات السلام بينها وبين "طالبان". ومنذ ذلك الحين، كانت حاسمة في إجلاء المواطنين الأميركيين وغيرهم من أفغانستان.
ما يقارب نصف الأشخاص الذين غادروا البلاد مرّوا عبر قطر، إلا أنّ الأخيرة تشكو من آلاف الأفغانيين الَّذين لم يتم إجلاؤهم لغاية اليوم من الدوحة، والذين يريدون العمل والبقاء، وهو ما ترفضه الدولة الصغيرة التي لا يمكنها استيعاب لاجئين، وتحاول أن تجد حلولاً مع الأميركيين الذين لم يعطوا هؤلاء تأشيرات دخول.
كذلك، تسعى قطر لحثّ الولايات المتحدة على إعادة النظر في سياستها تجاه كابول، والنظر في مواقفها من الواقع الإنساني في أفغانستان، وضرورة تقديم المساعدة لها، والإفراج عن 9 مليارات من الدولارات تعدّ مستحقّات للأفغان، وترى أنَّ على الولايات المتحدة تغيير سياستها تجاه "طالبان" التي لا تريد أن تستعمل بلادها منصةً ضد الدول المجاورة لها.
تعتمد إدارة بايدن على قطر التي تحاول أداء دور دبلوماسي، والتي قدمت نفسها وسيطاً في معظم الملفات التي تهم الولايات المتحدة في المنطقة. وعلى الرغم من الانتكاسات المتلاحقة التي تعرضت لها مع إدارة دونالد ترامب، فقد صمدت في وجه المقاطعة الخليجية والتهديدات السعودية بفضل مساعدة كلٍّ من إيران وتركيا، ما أدى، إلى جانب فوز الديمقراطيين، إلى جعل ابن سلمان الذي يسعى لكسب الرضا الأميركي يطوي صفحة مقاطعة الدوحة.
تقدّر الإدارة الأميركية سياسة قطر، وتعوّل عليها في علاقتها بكلِّ من إيران وأفغانستان. وبالفعل، بعد زيارة وزير الخارجية القطري إلى إيران، سرت تكهنات حول محاولة قطر العمل على إقناع إيران بالتفاوض مباشرةً مع الأميركي، إلا أنَّ إيران كانت واضحة في هذا الموضوع الذي نفته بشدّة.
وكان وزير الخارجية الإيراني التقى أمير قطر ووزير خارجيته أثناء زيارته الدوحة يوم 11 كانون الثاني/يناير، وبحث وساطة الدوحة في إطلاق سراح أميركيين وأوروبيين من أصول إيرانية معتقلين في إيران، إذ أوضحت واشنطن أنَّ من غير المرجح التوصّل إلى اتفاق نووي ما لم تطلق إيران سراح 4 أميركيين تقول إنَّهم محتجزون لديها كرهائن.
أما إيران، فقد أشارت إلى أنها ترفض أية شروط أميركية مسبقة، وهي ترى أن طهران وواشنطن تستطيعان التوصل إلى "اتفاق دائم على المسارين المنفصلين إذا توافرت الإرادة الأميركية".
مكاسب الزيارة: صفة الحليف من خارج الناتو والصفقات التجارية
إعلان الرئيس بايدن نيته تصنيف قطر حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو، يفتح مجموعة من الفرص للعلاقات الدفاعية بين واشنطن والدوحة، وهي صفة رسمية لم تمنحها الولايات المتّحدة حتى اليوم إلا لـ17 دولة، وهي مرتبطة برغبة واشنطن في الإعراب عن الامتنان للمساعدات التي قدمتها قطر في أفغانستان، لكونها عملت وسيطاً بين "طالبان" و3 إدارات أميركية متعاقبة.
من جهة أخرى، لا يبدو أن قبول قطر عضواً من خارج دول الناتو سيعطي الدوحة مكتسبات، إذ توجد فيها أكبر قاعدة أميركية في الخليج، وهي عملياً ليست بحاجة إلى قروض أو مساعدات أميركية، بل يمكن القول إنَّها مكافأة للاستمرار بهذا الدور في كابول.
أما على الصعيد التجاري، فقد وقعت الخطوط الجوية القطرية التابعة للدولة اتفاقين مع شركة "بوينغ"، تشتري بموجبهما قطر 34 طائرة شحن من طراز "777 أكس" في صفقة قُدرت بمبلغ 20 مليار دولار، كما وقعت الشركة على مشروع شراء 25 طائرة من طراز "737 ماكس" تُقدر بمبلغ 6.7 مليارات، وتعتبر دفعة للشركة الأميركية التي عانت بسبب جائحة كورونا. وبسبب حادثتين قاتلتين، كانت الشركة قد أعلنت خسائر مرتبطة بمشكلات طائراتها من طراز "دريملاندر 787". وكانت قطر على خلاف مع شركة "إيرباص" التي ألغت طلبية للشركة القطرية.
ما زالت دول الخليج تدور في الفلك الأميركي الذي يشكّل مركزاً تجارياً لصفقات الشركات الأميركية التي تبيع دول الخليج بمليارات الدولارات، وتتكئ عليها لمساعدة بعض الشركات المتعثرة، في حين تؤدي هذه الدول أدواراً تسعى من خلالها إلى المنافسة بين بعضها البعض ونيل الحظوة من الأميركي.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.