بعد الفشل في غزة.. "إسرائيل" تحاول توسيع دائرة الحرب
نقل السابع من تشرين الأول/أكتوبر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى فصل جديد، وأصبح من الواضح، أكثر من أي وقت مضى، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية لن تقضي على حماس، كما يزعم الإسرائيليون، الذين يتفقون على أنهم لا يستطيعون العيش إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ويخشون حزب الله.
من الواضح أن المسؤولين الإسرائيليين يريدون دفع أبناء غزة الفلسطينيين إلى الهجرة من أرضهم، ويستشرسون ويصعّدون في الضفة الغربية المحتلة عبر عملياتهم الأمنية، بينما يصعّد المستوطنون الإسرائيليون، المسلحون من الحكومة، من أجل إجبار السكان الفلسطينيين على النزوح. أمّا واشنطن، المتواطئة في الدمار الذي لحق بالقطاع، فهي دعمت "إسرائيل" من دون قيد أو شرط من أجل السيطرة الأمنية على القطاع.
ترفض "إسرائيل" أي فكرة تروّجها واشنطن بشأن ما بعد غزة، وتولّي أشخاص جدد من السلطة الفلسطينية إدارة القطاع. من الواضح أن حكومة نتنياهو تبحث عن نصر، إلا أنها وقواتها غير قادرة على محو حماس، ولا تدمير ألويتها. فحماس حركة سياسية اجتماعية تختلط بالمدنيين، وتستمر كمقاومة مسلحة مع استمرار الاحتلال.
لذلك، تبدو المرحلة الثالثة المخطَّطة من جانب الأميركي مرحلةً من أجل إراحة "إسرائيل" وإخراج الجيش من المأزق الذي وقع فيه بعد أن كان الأميركي على دراية بأن الجيش الإسرائيلي عاجز عن أي إنجاز في معركة غزة من دون مساعدته، ومن دون القصف الوحشي، الذي قام به، وقتل نحو ثلاثة وعشرين ألف فلسطيني.
ستدعم واشنطن العمليات التي تطال قيادات حماس ومقاتليها، أي تدعم الاغتيالات، بينما هدّد نتنياهو قادة الحركة بأن "مصيرهم الموت". وما اغتيال صالح العاروري، المقرَّر منذ أعوام، وهو نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، سوى فاتحة لهده المرحلة. وكان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر عقد اجتماعاً قال في ختامه إنه اتخذ سلسلة قرارات من أجل "ضرب الإرهابيين ومن يرسلهم". وكان تنفيذ اغتيال السيد رضي الموسوي في سوريا جزءاً من هذه التهديدات، التي طالت لبنان بصورة واضحة.
لا شك في أن اغتيال العاروري، الذي كان مطلوباً، إسرائيلياً وأميركياً، قبل عملية طوفان الأقصى، شكّل حدثاً فلسطينياً ولبنانياً. فالرجل لم يكن عادياً في حماس، ولا بالنسبة إلى حزب الله. فهو سياسي واستراتيجي، وأحد أهم منظّري فكرة "وحدة الساحات"، وأحد مؤسسي "كتائب القسام" في الضفة الغربية، ورئيس إقليمها في حركة حماس، وحلقة الوصل بين حماس ومحور إيران وحزب الله.
سارع المسؤولون الأميركيون إلى التنصّل من العملية، ونفي أي معرفة مسبّقة بها، إلّا أنهم كانوا من المطالبين برأس العاروري، بحيث إنهم كانوا وضعوا جائزة لمن يقدّم معلومات تُوصِل إليه. تنفيذ الاغتيال أتى بأوامر من نتنياهو من أجل تقديم إنجاز إلى أهالي الأسرى، الذين كانوا ينتظرون إطلاق عملية تفاوض من أجل تبادل الأسرى، في الوقت الذي كان يعطي الأولوية لفكرة الإنجاز في غزة على استرجاع الأسرى، وأعتقد أنه عبر اغتيال العاروري سوف لن يلقى معارضة من واشنطن.
لا يبدو أن عملية الاغتيال في إمكانها أن تعيد توحيد الحكومة والمؤسستين العسكرية والأمنية في "إسرائيل"، في ظل الضغط الأميركي من أجل تخفيف آلة القتل، والتوجه إلى الضربات الموجَّهة، وبدء المرحلة الثالثة ومحاولة تأسيس مرحلة ما بعد الحرب على غزّة.
وهي نقطة خلاف أساسية بين واشنطن و"تل أبيب"، إلا أن نتنياهو يريد توسيع الحرب لتطال لبنان في مقابل رفض واشنطن الدخول في حرب إقليمية، فهو لا يريد تحمل مسؤولية الحرب وحيداً، ويعتقد أن توريط واشنطن في الحرب الإقليمية سيؤدي إلى الانتصار على حماس وحزب الله في آن واحد. فهل سيذهب لبنان إلى حرب يريدها نتنياهو، وكيف سيواجه عمليات الاغتيال على أراضيه؟ وهل تستمر الجبهة اللبنانية على حالها حتى انتهاء الحرب على غزة؟
في الوقائع
لا شكّ في أن حزب الله حافظ، منذ بداية الحرب على غزة، على قواعد الاشتباك مع العدو الإسرائيلي، وشكّل جبهة مساندة لغزة شغلت "تل أبيب" في محاولتها إيجاد حلول لـ"الشمال الإسرائيلي"، حيث تم تهجير أكثر من مئتي ألف إسرائيلي من مستوطناتهم، وكبّد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة في عتاده وجنوده، بينما قام الأخير بتخطي قواعد الاشتباك عبر ضرب المدنيين اللبنانيين، وهو ما جعل الحزب يكثّف ضرباته من دون الانجرار إلى توسعة الحرب، نتيجة سببين: الأول مراعاة الداخل المتأزّم اقتصادياً. والثاني عدم تنفيذ رغبة الحكومة الإسرائيلية في توسعة الحرب لتطال الإقليم، وإنقاذ رئيسها الغارق في رمال غزة.
"إسرائيل" خرقت القرار 1701 أكثر من مرة قبل عملية طوفان الأقصى، إلا أنها المرة الأولى التي تقوم بها، بعد حرب عام 2006، بالاعتداء على أهم معاقل حزب الله في الضاحية الجنوبية، واغتيال العاروري الذي يُعَدّ من الشخصيات القريبة من الحزب ومن إيران، وينسّق باسم حماس مع الطرفين. وكان العاروري من الشخصيات الفلسطينية التي تخطت المؤامرة الإسرائيلية الأميركية التي عملت، في إبّان ما سُمّي "الربيع العربي"، على بثّ الشقاق بين إيران وحماس ومحور المقاومة.
قابلت قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان الاغتيال بالتعهد بالرد، بأسلوبها، بحيث لا تخدم مشاريع نتنياهو بشأن توسيع المواجهة كما يتمنى، وإنما ستذهب إلى ضربات موجعة تطال توازنات قوة الردع، وترممها.
من الواضح أنه لن يكون الموضوع محاولة احتواء تداعيات عملية الاغتيال أو توسعة المواجهة. فالحالتان تخدمان نتنياهو، والمقاومة تمتلك من الخيارات في ساحاتها ما لا تحسبه "إسرائيل". وكان سبق للأمين العام لحزب الله أن تعهّد الردّ على اغتيال أي مقاوم في الأرض اللبنانية. فكيف إن كان جزءاً أساسياً من المحور؟
يمتلك محور المقاومة العقل الاستراتيجي، ووضوحاً في الرؤية، ومعطيات تؤهّله لرؤية الصراع، في كل أبعاده، لا سيما أن الصراع يركز على العمل ضد الهيمنة، وعلى الاستراتيجية والثبات في المواقع، واستخدام التكتيك الملائم لكل مرحلة، ويعي تماماً أنه في عين العاصفة، ولم تتوقف المؤامرات الإسرائيلية المدعومة أميركياً وغربياً، وحتى عربياً، ضد محور المقاومة.
في النتيجة
لا يمكن الرهان على الخلاف الإسرائيلي ـ الأميركي بشأن ما بعد غزة. فالرئيس جو بايدن واضح في موقفه إلى جانب "إسرائيل". وإن كان لا يريد حرباً إقليمية، إلا أنه والبنتاغون يحاولان تثبيت الجنود الأميركيين في شرقي سوريا وعند الحدود العراقية ـ السورية، ولا يريدان الانسحاب من العراق على رغم مطالبة مجلس النواب العراقي بذلك، ويقصفان معاقل الحشد الشعبي في رد على عملياته ضد الاحتلال الأميركي للعراق، بينما يقوم "الموساد" الإسرائيلي بتوسيع ضرباته لتشمل ايران، التي تعرّضت لتفجير في منطقة كرمان في أثناء الزيارة الشعبية لضريح الشهيد قاسم سليماني، في حين تعمل قوى في الداخل اللبناني على دعم الطلب الاميركي بالحياد تجاه الكيان من أجل الضغط على حزب الله لتطبيق القرار 1701 والانسحاب حتى حدود الليطاني، تحت شعار حياد لبنان تجاه قضايا المنطقة.
يشتدّ الصراع ويبدو عام 2024 حافلاً بالمشكلات الإقليمية، في ظل الاستعداد الاميركي للانتخابات، بحيث سيسعى كل من الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري للتنافس من أجل كسب دعم اللوبي الصهيوني، الذي يدعم الرئيس الأكثر التصاقاُ بمصالح الكيان.
لا تتبنى الاشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة