قبل 3 سنە
ليلى نقولا
401 قراءة

صفقة السلاح الأميركية الإماراتية: الاحتمالات الحقيقية للتجميد.

قامت دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الثلاثاء الموافق 14 كانون الأول/ديسمبر، وقبيل وصول وفد عسكري إماراتي رفيع المستوى لعقد محادثات في واشنطن وزيارة البنتاغون، بإعلان تعليق المناقشات بشأن صفقة أسلحة بقيمة 23 مليار دولار مع الولايات المتحدة، تتضمَّن شراء 50 طائرة مقاتلة من طراز "F-35"، و18 طائرة من دون طيار مسلّحة، وأسلحة متطوّرة أخرى.

تلك الصفقة تمّ التوقيع عليها في اليوم الأخير من ولاية الرئيس الأسبق دونالد ترامب. وقد أشير إليها يومها بأنها مكافأة للإمارات على اعترافها بـ"إسرائيل" وافتتاح مسار التطبيع وتوقيع اتفاقيات "أبراهام" معها.

وكانت إدارة بايدن علّقت الصفقة لبعض الوقت فقط، بهدف مراجعتها، وبعد قيام عدد من أعضاء مجلس الشيوخ بإثارة موضوع الحرب اليمنية لإيقافها. وأثير في الولايات المتحدة أيضاً موضوع التفوّق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وهو المبدأ الّذي تلتزم به الولايات المتحدة في مبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط.

وقد تباينت التصريحات الأميركية والإماراتية في أسباب تجميد الصفقة، مع تشديد الطرفين على الشراكة الاستراتيجية والسعي للاستمرار فيها في وقت لاحق. وفي تقييم للأسباب المعلنة وغير المعلنة، يمكن ملاحظة ما يلي:

-   التفوّق العسكريّ الإسرائيليّ في المنطقة

أشار وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن خلال زيارته لماليزيا إلى أنَّ الولايات المتحدة لا تزال مستعدّة لبيع طائرات مقاتلة من طراز "F-35" للإمارات العربية المتحدة، معتبراً أنّ الشروط التي تضعها الولايات المتحدة هدفها "التأكد من محافظة إسرائيل على تفوقها العسكري".

ومنذ توقيع اتفاقيات "أبراهام"، يتطوّر التعاون العسكري الإسرائيلي الإماراتي. وقد وقعت كلّ من الإمارات و"إسرائيل" في وقت سابق اتفاقية استراتيجية لتصميم مشترك لسفن غير مأهولة قادرة على شنّ حرب ضد الغواصات، كما أعلن تكتّل الدفاع الإماراتي "EDGE" و"Israel Aerospace Industries (IAI)" عن الشراكة في تصنيع طائرات من دون طيار.

وكانت "إسرائيل"، وفي معرض طرح ترامب الصفقة مع الإمارات في آب/أغسطس 2020، وافقت على مبيعات الأسلحة للأخيرة، ولكنَّها اشترطت عدم بيع "أف- 35"، بما يخلّ بتفوقها العسكري في المنطقة، إلا أن الخبراء العسكريين المحايدين يؤكدون أنَّ الولايات المتحدة يمكنها أن تحافظ على التفوق الإسرائيلي النوعي في المنطقة، ولو باعت الإمارات تلك الطائرات، وذلك عبر بيعها نسخة يمكن أن تكون مختلفة أو أقل تطوراً.

-   التنافس الفرنسي الأميركي التسليحي

يشير العديد من المراقبين إلى أنَّ الإمارات لم تعد تحتاج إلى تلك الصفقة، بعد أن بدأت بالفعل بتنويع مصادرها من الأسلحة، وقامت بشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز "رافال"، وعشرات من طائرات الهليكوبتر العسكرية من فرنسا خلال زيارة ماكرون الأخيرة للخليج، ولكنَّ الحديث عن سلاح فرنسي بديل من شراء الطائرات الأميركية ليس واقعياً، ولا يمكن لطائرات "رافال" أن تحلّ محل الطائرات الأميركية "الشبح" المتفوقة عسكرياً، كما يؤكد الخبراء العسكريون.

-  توسع النّشاط الصّينيّ في الإمارات

بحسب العديد من التقارير الإخبارية، من بين أسباب تجميد الصفقة هو استياء الولايات المتحدة الأميركية من العلاقات الإماراتية الصينية الآخذة في النمو والتوسع. 

على مدى العقد الماضي، أصبحت الصين الشريك الاقتصادي والتجاري المهيمن لدول الخليج، على غرار العديد من المناطق الأخرى في العالم. وتستثمر الصّين في العديد من مشاريع البنية التحتية في الإمارات، التي باتت - مع دول الخليج الأخرى - تشكل جزءاً من مبادرة "الحزام والطريق" الصيني، الذي يهدف إلى توسيع النفوذ الصيني في العديد من مناطق العالم.

تستخدم الإمارات تقنيَّة "Huawei" في بنيتها التحتيّة المحليّة "5G". هذا الأمر دفع الولايات المتحدة إلى التعبير عن مخاوفها بشأن قيام الصين بالتجسّس على المعدات العسكرية الأميركية الموجودة في الإمارات، ومنها طائرات "F- 35". 

 وبناء عليه، وبحسب ما أُثير من أسباب لتجميد الصّفقة التي أرادتها الإمارات وعملت لها ودفعت الكثير من الأموال في واشنطن لتحييد الاعتراضات عليها، يبدو أنَّ الإمارات تتعرَّض لضغوط أو شروط لا يمكن القبول بها، فماذا يمكن أن تكون؟

الاحتمال الأول: شروط إسرائيلية تطلب انخراطاً إماراتياً في حرب على إيران
لا شكّ في أنَّ مصادفة زيارة نفتالي بينيت للإمارات، وتزامنها مع تهديدات إسرائيلية بالحرب على إيران، وإعلان الإمارات بعدها تجميد الصفقة التاريخية مع الولايات المتحدة، قد يشي بأنّ "إسرائيل" تريد من الإمارات الانخراط أو المساهمة في حرب إسرائيلية مع إيران أو ضربات إسرائيلية للمفاعلات النووية الايرانية، مع ما يترتب على ذلك من خسائر كبرى للدول الخليجية كافة، وتعريض أمن الخليج برمّته للخطر. 

الاحتمال الثاني: شروط أميركية قاسية على مشاريع الاستثمار الصيني
هذا الأمر لم ينكره الأميركيون والإماراتيون. وفي وقت سابق، تعرَّضت الإمارات المتحدة لضغوط أميركية أدّت إلى وقف البناء الصيني لمشروع ميناء قرب أبو ظبي، بعد أن زعم الأميركيون أن استخدامه من شأنه أن يعزّز المصالح العسكرية الصينية. 

وهكذا، يبدو أنّ كلفة شراء الإمارات طائرات "أف- 35" والشروط الموضوعة قد تكون أعلى من قدرتها على تحقيقها، علماً أنّ التقييم الموضوعي والعقلاني للمصالح الإماراتية يكون في تنويع مصادر شراء السلاح، كما تنويع مصادر الاستثمار في السوق الإماراتي. يدرك الإماراتيون جيداً أن الولايات المتحدة الأميركية في صدد تخفيف انخراطها في المنطقة. لذا، لا بد من العمل على استراتيجية تؤسّس للتعامل مع أقطاب عدّة في المنطقة. 

هكذا، وفي النتيجة، ومهما كانت حقيقة الشروط التي أدت إلى تجميد الإمارات صفقة السلاح الأميركية، يمكن القول إنها تقيس حساب تكاليف تلك الصفقة وأرباحها بدقة، فإذا كانت انخراطاً في حرب إقليمية ضد إيران، أو سحباً للاستثمارات الصينية وانسحاباً إماراتياً من "طريق الحرير الجديد" الذي تقيمه الصين، فهما كلفة باهظة للحصول على طائرات أميركية مقاتلة متطورة قد لا تحتاجها، في ظلّ سعيها لتصفير مشكلاتها واعتماد الدبلوماسية في المنطقة.

لا تتبنى الاشراق بالضرورة الاراء و التوصيفات المذكورة.

إقرأ أيضاً

Copyright © 2017 Al Eshraq TV all rights reserved Created by AVESTA GROUP