جيوش العالم لمواجهة كورونا.. العواقب والكلفة
في ذروة انتشار فيروس كورونا حول العالم، أقفلت معظم الدول حدودها ودخلت في حجر صحي لاحتواء الجائحة المنتشرة التي لا تعترف بحدود وطبقات اجتماعية، ولا تكترث لدول غنية أو فقيرة، ولا تميّز بين دول متقدمة وأخرى نامية.
والملاحظ أن تعامل الدول وإرباكها كان متساوياً، فقد أظهرت الدول الغربية المتقدمة هشاشة غير متوقعة، كان من المفترض أن تعانيها الدول النامية فقط.
وإزاء تلك الهشاشة وصعوبة التحديات وفرادتها، استدعت معظم الدول (نامية ومتقدمة) جيوشها للمساعدة داخلياً في التعامل مع المرض، واحتواء التهديدات المستجدة الناجمة عنه، والمساعدة في نقل المصابين، وتأمين أسرّة استشفائية، وتأمين المواد الغذائية والطبية وسواها.
لكن استخدام الجيوش في الداخل لاحتواء أزمة كورونا ونتائجها قد يخلق أنواعاً مختلفة من المشاكل والتحديات، تتفاوت بين الدول النامية والدول المتقدمة، وذلك على الشكل التالي:
- بالنسبة إلى الدول المتقدمة:
لقد بنت تلك الدول تجاربها الخاصة على مدى التاريخ، واستطاعت إقرار دساتير عصرية تحفظ تداول السلطة، كما تحفظ حقوق المواطنين وحرياتهم، وهي عادة ما تتحاشى استخدام الجيوش في الداخل. وتثير هذه القضية حساسية لدى الشعوب التي عانت خلال تاريخها من مساوئ تدخّل العسكر في الشؤون المدنية، أو كان لها تاريخ سابق من الحروب الخارجية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الحاجة للتعامل مع الأزمة الوبائية المستجدة دفعت الدول إلى استخدام وسائل لم تكن معروفة من قبل، ففي ألمانيا، على سبيل المثال، يضع الدستور حدوداً صارمة جداً لاستخدام الجيش في الداخل، بعد الحروب التي تمّ شنّها خلال الحرب العالمية الثانية، لكن الحاجة اليوم أجبرت السلطات على الاستعانة بالعسكر، رغم كل العوائق الدستورية.
ويشير العديد من الكتّاب الأوروبيين إلى أن آلية اتخاذ القرار الديموقراطية كانت في بعض الأحيان عائقاً أمام سرعة الاستجابة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وأن الدول ذات الطبيعة "الديكتاتورية" - كما وصفوها - كانت أفضل من ناحية سرعة اتخاذ القرارات والقدرة على فرضها.
- بالنسبة إلى الدول النامية:
إن غياب التنمية، وضعف الأجهزة الأمنية، والفساد، والبطالة، والفقر، وانتشار الجريمة المنظمة، ناهيك بفشل هذه الدول في صياغة نموذج اندماج وطني يستوعب الصراعات القبلية والعشائرية والطائفية على الأرض والسلطة والموارد، سيضاعف، بالتأكيد، الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ستنجم عن أزمة كورونا.
بالتالي، إن الجوع والفقر اللذين سيزدادان بفعل الحجر المنزلي وتوقف الأعمال وانتشار البطالة، قد يؤديان إلى عدم استقرار أمني، ما سيفرض المزيد من الحاجة لتدخل الجيوش والقوى الأمنية في مرحلة ما بعد الجائحة.
لطالما كانت الجيوش في الدول النامية أقوى من المجتمع المدني وباقي مؤسسات الدولة. وعادةً ما تمتلك الجيوش إمكانيات لا تتوفر لدى باقي المؤسسات، ذلك أن حاجة السلطات إلى الجيوش وولائها، للدفاع عنها في وجه أي إمكانية للتمرد أو للثورة عليها، جعلتها تخصص موازنات كبرى للقوى العسكرية وضباطها.
لكن هذا الأمر شكّل تاريخياً سيفاً ذا حدّين، فهو من ناحية يكرّس السلطة واستمراريتها، ولكنه من ناحية ثانية قد يغري العسكر لممارسة سلطات ليست من اختصاصه.
وتشير الدراسات إلى أن الدعم المفرط للجيوش يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار على المدى الطويل، كما يزيد من احتمال وقوع انقلابات عسكرية في تلك الدول.
في الخلاصة، لقد بيّنت التجارب حول العالم أن العسكريين هم عادةً أكثر قدرة من المدنيين على الاستجابة للتحديات والتنظيم والمساعدة خلال الأزمات والكوارث، وهو ما دفع الأمم المتحدة، منذ كارثة زلزال هايتي في العام 2010، إلى الاستفادة من خبرات العسكريين المتقاعدين وتوظيفهم ضمن مؤسساتها المخصّصة للتعامل مع الأزمات.
وعليه، إن حاجة الدول اليوم إلى الجيوش للتعامل مع الأزمة الوبائية قد تستمر لفترة طويلة أكثر من المتوقع، بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي ستفرض نفسها في مرحلة ما بعد الحجر المنزلي، ولكن السؤال: ما كلفة ذلك على حريات المواطنين وحقوقهم؟ وعلى استمرارية السّلطة ككلّ في بعض دول العالم الثالث الهشّة؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً