إيران: إسقاط 5 "أساطير" غربية
منذ شهر نيسان/أبريل عام 2024، كانت إيران مركزاً للعديد من الأخبار والتطورات والتحديات؛ ففي شهر نيسان/أبريل 2024، قام الإسرائيليون بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وردّ الإيرانيون بهجوم غير مسبوق بالطائرات المسيّرة والصواريخ على "إسرائيل"، ثم بعدها في أيار/مايو 2024، سقطت مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والتي كان يرافقه فيها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وعدد من المسؤولين الإيرانيين. وبعدها حصلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أدّت إلى فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان بالرئاسة.
ولا شكّ في أن التطورات المتسارعة وحجم التحديات التي واجهتها إيران في أشهر قليلة غير مسبوقة. وقد أسقط التعامل الإيراني مع تلك التهديدات والتحديات العديد من "الأساطير الغربية" حول إيران، نذكر منها:
1- الهجوم الإسرائيلي والردّ الإيراني
لطالما أوردت الدراسات الغربية البحثية والوسائل الإعلامية أن إيران تعتمد أساليب "الحروب بالوكالة"، لأنها "أكثر عجزاً من أن ترد بنفسها"، ولأن قدراتها العسكرية "متواضعة" نسبياً مقارنة مع "إسرائيل"، وبالتالي تخشى الدخول في مواجهة مباشرة مع الإسرائيليين ومع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، بحسب هؤلاء الباحثين في الشأن الإيراني.
وبعكس التوقعات، ردّت إيران على "إسرائيل" بهجوم غير مسبوق بالطائرات المسيّرة والصواريخ. وقد احتاجت الأخيرة إلى أن تستعين بعدد من القوى الغربية والعربية والقواعد الموجودة في المنطقة لحمايتها من ذلك الهجوم.
وهكذا، أسقطت إيران أول "أسطورة غربية" حول عدم جرأة إيران على الردّ أو الدخول في مواجهة مباشرة.
2- النظام ضعيف ويمكن إسقاطه بالعقوبات والضغط الاقتصادي
الأسطورة الثانية تتجلى في التوقعات الغربية والأميركية خاصة، التي اعتبرت أن الضغط الاقتصادي على إيران وإعادة فرض العقوبات سيؤديان إلى تفكك النظام وسقوطه أو إضعافه بقوة، بحيث يمكن لتظاهرات أو احتجاجات في الداخل إسقاطه.
بعكس تلك التوقعات، عكست التطورات التي حصلت في الأشهر القليلة الماضية أنَّ النظام الإيراني متماسك وصلب ويتمتع بالقدرة على التأقلم ومواجهة التحديات الخارجية والداخلية.
3- حظر ترشيح إصلاحي
قبل الانتخابات الحالية، ذكر الكثير من الأبحاث وتعليقات الخبراء الغربيين على الانتخابات الإيرانية أنه منذ ما سمي "الثورة الخضراء" في إيران، والتي حصلت عام 2009، وبعد الإقامة الجبرية التي فُرضت على بعض المعارضين الإصلاحيين، لا يمكن للنظام أن يسمح بوصول إصلاحي إلى قائمة المرشحين للرئاسة في إيران.
ولتأكيد ما سبق، يستشهدون بانتخابات عام 2021 التي لم يكن بين المرشحين أي اسم إصلاحي، ويعتبرون أن الرئيس الأسبق حسن روحاني لم يكن إصلاحياً فعلياً، بل اعتبر بعض الباحثين أنه "ليس إصلاحياً، بل من أدوات تمكين النظام".
وحين تمّ اختيار بزشكيان من ضمن لائحة المقبولين لخوض الانتخابات هذا العام، اعتبر هؤلاء الخبراء أن النظام "يجمّل نفسه" ويحتاج إلى زيادة نسب التصويت في الانتخابات فحسب، لكنه لن يسمح لإصلاحي بالفوز.
واقعياً، كانت النتيجة عكس كل التوقعات تلك.
4- الإصلاحي سيتقرّب إلى الغرب ويتخلى عن روسيا
حالما أظهرت نتائج الانتخابات الإيرانية فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان، توقّع كثير من الخبراء حول إيران أن الرئيس الجديد وإدارته سوف يتقربون من الغرب، وبالتالي قد يتخلون عن الاتفاقيات التي كان الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي قد تفاوض بشأنها، ومن بينها اتفاقية مع روسيا كانت قد انتهى التفاوض بشأنها، ولم يتم توقيعها بعد.
وبعكس التوقعات تلك، وخلال اتصال تهنئة قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الإيراني المنتخب، أكد بزشكيان متابعة وتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال عهد حكومة رئيسي، واصفاً التعاون الإيراني الروسي على صعيد المنظمات والاتفاقيات الدولية والإقليمية مثل شنغهاي وبريكس وأوراسيا بأنه مهم. وأكد بزشكيان: "لقد تم حسم الوثائق المتعلقة بخطة التعاون الشامل بين إيران وروسيا، ونحن مستعدون لتوقيعها على هامش قمة البريكس في روسيا".
5- الرئيس الإصلاحي سيتخلى عن محور المقاومة
أيضاً، وكما في العلاقات مع روسيا، ساد لغط كثير حول علاقة الرئيس الإيراني الجديد بمحور المقاومة ودعم حزب الله، وتوقع كثيرون أن يكون هناك خلاف بين الرئيس الإيراني والحرس الثوري الإيراني حول هذه القضايا.
ودحضاً لتلك الأقاويل، ومباشرة بعد انتخابه رئيساً، قام الرئيس الإيراني بزشكيان بإرسال رسالة إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، أكد فيها أن "جمهورية إيران الإسلامية لطالما دعمت صمود ومقاومة الشعوب الإقليمية في مواجهة الكيان الصهيوني اللاشرعي"، مضيفاً أن "نهج الدفاع عن المقاومة متجذّر في السياسات المبدئية لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية... وسوف يتواصل هذا النهج بقوة".
في المحصلة، أسقطت إيران خلال أشهر قليلة الكثير من الأساطير الغربية، وأثبتت فشل العديد من المحللين في فهم إيران من الداخل، وفي قدرة النظام والشعب الإيراني على التكيّف مع المخاطر والتحديات.
لا تتبنى الإشراق بالضرورة الآراء والتوصيفات المذكورة