20 عاماً على التحرير: ربح ميدانيّ
تحلّ هذا العام الذكرى العشرون لخروج الجيش الإسرائيلي مهزوماً، ومن دون تفاوض، من الجنوب اللبناني، مكرّساً، ولأوّل مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، قدرة طرف عربي على دحر الاحتلال الإسرائيليّ من دون قيد أو شرط، ومن دون معاهدة سلام.
لقد أخبرت الدراسات والمذكّرات التي أصدرها العديد من القادة الإسرائيليين المواكبين لتلك الفترة، الكثير عن خفايا تلك الحقبة، ومنها كتاب بعنوان "الشفق: القصة الحقيقية لانسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي من لبنان"، لمؤلّفه عاموس غلبوع، رئيس وحدة الأبحاث السابق في "جهاز الاستخبارات العسكرية - أمان".
يتحدّث الكاتب عن مواجهة بين المستويين العسكريّ والسياسيّ حول الخروج من لبنان. اعتقد الإسرائيليون أنّ التوصّل إلى اتفاق مع سوريا يجعل "لبنان تفصيلاً صغيراً" يمكّنهم من الانسحاب بأقل الخسائر، لكن فشل اللقاء الذي جمع الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد في جنيف، جعل الإسرائيليين يقررون الانسحاب من لبنان بناءً على اتفاق مع الأمم المتحدة، يستند إلى القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن، وذلك للتأسيس على "شرعية دولية تمنع حـزب الله من مواصلة القتال ضد إسرائيل أو مهاجمة الجليل".
في هذه الأثناء، استفاد حزب الله من القرار الإسرائيلي ورغبته في الانسحاب، فصعّد عملياته ضد قوات "جيش لحد"، ما سرّع في انهياره، وانهارت معه دفاعات الجيش الإسرائيلي، فحصل الانسحاب على وقع انهيارات دراماتيكية مباغتة، ما دفع الإسرائيليين إلى ترك الأعتدة العسكرية في مكانها، وعدم القدرة على إحراق المنشآت والوسائل التي كانوا يستخدمونها، وذلك بحسب ما قاله يهود باراك في مقابلة مع صحيفة "معاريف".
من المؤكد أن الإسرائيلي لم يهضم هذا الانسحاب المذلّ، فكانت حرب تموز 2006. وبعكس الاتهامات السياسية العربية واللبنانية لحزب الله بالتسبب بالحرب، كانت هناك اعترافات إسرائيلية واضحة بالتخطيط لها.
وفي تصريح له على القناة "العاشرة" - التلفزيون الإسرائيلي في 02/02/2008، صرّح قائد المنطقة الشمالية خلال حرب تموز، الجنرال احتياط أيال بن رؤوبين: " أما وأن كل شيء بات واضحاً، فلا بد من إيقاف كل محاولات التذاكي وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية... الجيش الإسرائيلي كان قد أعدّ خطة حربية، وكان ينتظر الفرصة المؤاتية، كما أجرى تدريبات مختلفة ومطوّلة على حرب محتملة ضد لبنان..".
وأضاف: "إذاً، أنا أؤكد الآن أنه كانت هناك خطط معدّة للحرب منذ فترة طويلة نسبياً قبلها، وإحدى تلك الخطط سُميت باسم "مياه الأعالي"، التي بدورها كانت خطة معدّلة عن الخطّة التي وضعتها بنفسي".
إذاً، يُحسب للبنان هزيمة "إسرائيل" عسكرياً مرتين خلال عقد من الزمن، كانت نتيجتهما اكتساب قوة ردع وتوازن في وجة الآلة العسكرية الإسرائيلية، وبقاء التهديدات الإسرائيلية حبراً على ورق، بسبب الكلفة العالية لتنفيذها.
وهكذا، يكون لبنان الصغير مساحة وجغرافيا، والأضعف قوة اقتصادية وعسكرية، قد حقّق ما عجزت عنه دول كبرى قوية في المنطقة، تهرع اليوم للاستسلام والتطبيع مع "إسرائيل".
لكن ما حققه اللبنانيون في الميدان العسكري من بناء قوة ردع جعلت لبنان في مصاف الدول القادرة، أضاعه سياسيوه في حسابات ضيقة وهدر وفساد، حتى بات لبنان "الأضعف" والأقل قدرة على مقاومة الضغوط الخارجية.
لقد استمرّ اللبنانيون في الهروب إلى الأمام، وإضاعة الفرصة تلو الأخرى، فلم يقرروا بناء دولة قوية قادرة، ولم يسعوا لتذليل العقبات أمام بنائها. قام السياسيون اللبنانيون بتسويات سياسية أطلقت يد الدولة العميقة في السرقة والنهب والفساد والإفساد، وممارسة الفجور مقابل سكوت الفئات الأخرى، حفاظاً على ما اصطلح تسميته بـ"السلم الأهلي" و"درء الفتنة" و"التفاهم الوطني" وسواه...
كلّ ذلك رهن القرار اللبناني للخارج، وجعل اللبنانيين يتسوّلون على أبواب صندوق النقد الدولي، ولا يجرأون على تحدّي القرار الخارجي الذي يمنع التواصل مع سوريا، أو إقالة حاكم المصرف المركزي، وسواها من القرارات التي تعتبر شأناً من الشؤون الداخلية اللبنانية.
نعم، ربح اللبنانيون الأرض والكرامة في معركتهم ضد "إسرائيل"، ولكنهم خسروا سياسياً في معركة السيادة الوطنية، وخسروا في معركة بناء الدولة.. في ذكرى مرور 20 سنة على تحرير لبنان، نبقى على أمل أن لا نخسر الوطن إذا خسرنا معركة استئصال الفساد وحكم القانون واستعادة الأموال المنهوبة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الاشراق وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً